الانتباه هو قدرة التوجه نحو حادثة أو أمر، ثم تركيز الطاقة الذهنية حوله. وإن توجيه أذهاننا إلى شيء أو إلى حادثة وتركيز انتباهنا عليه يساعد على تنظيم العديد من الفعاليات الحيوية، وهو وظيفة من وظائف أدمغتنا. إن الانتباه هو تكثيف لطاقتنا الذهنية، وهو يساعدنا على فهم الأمور وإدراكها. وبتعبير آخر فإن الطاقة الذهنية لشخص مّا تتمركز وتتكثف على البؤرة التي جلبت انتباهه. والإنسان إنما يتعلم الأمور والحوادث التي يركز طاقته الذهنية عليها ويستطيع التفكير فيها. واللحاء الجبهي (Frontal Cortex) الموجود في القسم الأمامي من الدماغ يقوم بدور فعال في عملية الانتباه. وقابلية الانتباه تعد من النعم المهمة المهداة لنا والتي نحتاج إليها في كل أمر من أمور معاشنا وحياتنا. ومهما اختلفت مهننا أو أعمارنا فالانتباه ضروري للجميع.
في المرحلة الجنينية فإن سماع الجنين للأصوات الآتية إليه من الخارج نتيجة لنعمة السمع ونعمة الانتباه. ومع الولادة وبتوجيه الانتباه نحو العالم الخارجي تتطور هذه القابلية الفطرية. وبواسطة الحواس الخمس يستطيع الإنسان بشكل إرادي أو آلي تكثيف انتباهه نحو شيء أو أمر من الأمور.
والانتباه ضروري في تنظيم الحياة اليومية وتحقيق التعلم وتنظيم العلاقات بين الأفراد وأداء المهام والمسؤوليات وتعقب القراءة والاستماع وفهم التعليمات والتركيز على التفاصيل.
الانتباه في الحياة اليومية
لنفرض هنيهة بأن مدة تركيزنا وانتباهنا أصبحت قصيرة. في هذه الحالة لا نستطيع أن نكون مثمرين ومنتجين في العديد من الساحات في حياتنا اليومية، وبالأخص عندما نقرأ أو نكتب أو نستمع أو نعمل. ويصعُب علينا آنذاك أداء وظائفنا بشكل وافٍ وكامل؛ فلا نستطيع متابعة كلام شخص نستمع إليه على الرغم من تركيز انتباهنا على كلامه. وعندما نشكو من ضعف الانتباه نقع في أخطاء بسيطة ونعجز عن رؤية التفاصيل. وقد لا نرى المانع الموجود أمامنا فنتعثر، وقد نسقط على الأرض، ونجد صعوبة في الذهاب إلى المدرسة أو في القراءة أو في أداء وظائفنا الروتينية.
وما نطلق عليه تعبير “تكثيف الانتباه” أو “التركيز” فهو قابليتنا في تعميق انتباهنا. وهو مهم وضروري في تأملنا للأشياء وللحوادث وإدراكنا أيّ موضوع وفي تفكرنا بكتاب الكون وقراءتنا له بشكل أفضل، كما يغنينا عن تلقي التحذيرات والتنبيهات. والقرآن الكريم يدعو الإنسان بشكل متكرر إلى التفكر والتأمل، تأمُّلِ هذا التناغم المدهش في الكون وتأمل تجليات أسماء الله الحسنى فيه. فتركيز الفكر والتأمل يلعب دوراً مهماً في تكامل الإيمان.
لو كنا نسمع جميع الأصوات وننتبه لها لسمعنا أو رأينا أشياء مزعجة كثيرة. فمحدودية السماع وعدم سماعنا الأصوات خارج هذه الحدود وسيلة مهمة لراحة الإنسان، كما أن عدم تشتت انتباهنا في كل صوت نسمعه من النعم الكبيرة المهداة لنا. ولولا هذا لكان أقلُّ صوت نسمعه أثناء العمل كافياً لتشتيت انتباهنا وقطع تركيزنا عن عملنا. وكذلك الأمر بالنسبة للرؤية. فلو كنا نبصر كل جسم يقع في ساحة رؤيتنا عندما نعمل لتشتت انتباهنا وقلت إنتاجية عملنا. إذن فمن النعم الكبيرة المهداة لنا أن انتباهنا لا يتشتت نتيجة كل التنبيهات الواردة إلينا من الخارج.
إن تركيز انتباهنا بشكل كافٍ يساعدنا على فهم أفضل وعلى اتخاذ قرار أحسن وفي زيادة إنتاجنا في حياتنا اليومية. إن خزن ما يقال لنا في الذاكرة وفهم الموضوع الذي نعمل عليه فهماً جيداً وتذكرنا له فيما بعد متعلق بمدى تركيز انتباهنا آنذاك على ذلك الموضوع. وفي لحظات تعرضنا لأي خطر لا نرى ولا نسمع أي شيء خارج أنفسنا وخارج الخطر الذي تعرضنا له، وهذا يشير إلى أن الإنسان يستطيع التركيز على شيء إن أراد ذلك.
يعرض عارض يشتت الانتباه عند كل إنسان بدرجة ما، ويشكل الانتباه عند التعرض للخطر أمراً في غاية الأهمية. وعندما ننظر إلى الحوادث التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية نرى أن بعضها حوادث طفيفة وبعضها حوادث خطيرة قد تودي بحياته. وتقع معظم هذه الحوادث نتيجة عدم الانتباه. ويتعرض الأشخاص الذين يشْكون من السهو ومن قلة الانتباه إلى حوادث أكثر في حياتهم اليومية؛ فكثيراً ما نسمع: “لم أكن منتبهاً، لم ألاحظ ذلك الشيء”. ويجب ألا ننسى أن العديد من الأطفال يتعرضون لمشاكل كثيرة وحوادث خطرة ومشاكل صحية، وحوادث تنتهي بالموت نتيجة عدم الانتباه.
عوامل إفساد الانتباه
هناك أمراض بيولوجية ونفسية وعوامل تفسد الانتباه وتشتته. من أهمها عارض “النشاط المفرط”. والأشخاص الذين يعانون من هذا المرض ومن عدم التركيز نرى أن المدة التي تتطلبها المواضيع التي تُعرض لهم -والتي تستلزم انتباهاً وتركيزاً ذهنياً- تكون قصيرة جداً. كما أن حالات التوتر والكآبة والقلق والإجهاد تؤدي إلى نقص في التركيز. والأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات يصعب عليهم فهم ما يقرؤون وإن أعادوا القراءة عدة مرات مع أنهم كانوا يستطيعون فهمه سابقاً بقراءة واحدة. وهؤلاء لا يستطيعون إنجاز المهام التي تتطلب تركيزاً لمدة كبيرة.
وتظهر حالات عدم التركيز في الأشخاص الذين يعانون من أمراض عصبية كالخرف والصرع. كما أن هناك أدوية لها تأثيرات جانبية سلبية تؤدي إلى عدم التركيز.
وفي حالة قلة المحفزات وعدم وضوح الأهداف أو قيام شخص بمهمة تفوق طاقته أو بمهمة دون قابلياته أو عند زيادة الانفعال أو القلق… في مثل هذه الحالات تظهر مشاكل الانتباه. وعندما تتلقى حاسة البصر أو حاسة السمع تنبيهات كثيرة جداً يظهر عند الإنسان مشاكل في منظومة الانتباه وفي مدة الاستيعاب والفهم. وتظهر هذه الحالة كثيراً لدى الأطفال الذين يقضون مدة طويلة أمام التلفزيون أو أمام جهاز الحاسوب. ففي أثناء هذه المدة تنخفض قابلية انتباههم من ناحية السمع والبصر. والتنبيهات التي يتلقونها تفوق سعة أذهانهم، لذا تظهر هنا مشاكل عدم التركيز. فعلينا الحذر من كل ما يبعث تنبيهات كثيرة لكي نتجنب قلة التركيز وما تنتجه من مشاكل ومحاذير.
وصايا للحفاظ على الانتباه
وتلعب قابلية الانتباه دوراً أساسياً في تحقيق القيام بمهمة التنظيم والتصنيف والتخطيط. ويجب تأمين هذه الخواص والصفات عند الدراسة والبحث وعند تنفيذ التعليمات. فإن جُوبه أحد بالفشل في هذه الساحات فعليه البحث عما إذا كانت عوامل الانتباه عنده طبيعية أم لا.
والانتباه يشكل أهم عامل في نجاح الطلاب، حيث يلعب عامل الانتباه للدرس ومداه وقوته عند أي طالب، أو مدى تشتت انتباهه دورا أساسيا في موضوع نجاحه أو فشله. فالطالب الذي لا ينتبه إلى أستاذه في الصف والذي يتشتت انتباهه على فترات متقاربة يُلاحظ انخفاض في نجاحه. ومهما بدا الطالب في الظاهر منتبها لأستاذه في الدرس فإن من المهم مدى انتباهه فعلاً وحقيقة.
يمكن برعاية الوصايا أدناه رفع درجة الانتباه، فهي تساعد كل شخص على تركيز الانتباه، وتزداد بالتالي القدرة الذهنية له:
• تأمين الاطمئنان النفسي والروحي.
• تناول الفيتامينات بشكل متوازن.
• تأمين مكان مريح وملائم للتكيف معه.
• مطالعة الكتب بشكل كاف.
• القيام بتمارين ذهنية لتقوية الذاكرة، منها تمارين الحفظ عن ظهر قلب.
• محاولة تطويل فترة الانتباه منذ مرحلة الطفولة. ويتم هذا بالاهتمام بتنظيم فعاليات التعليم واللعب والراحة حسب عمر الطفل.
• الابتعاد عن التعرض للتوتر والإرهاق.
• الابتعاد عن الأجواء المريحة جداً التي تبعث على الكسل والتي تقلل الحوافز.
• الابتعاد قدر الإمكان عن الملوثات (دخان السجاير، الهواء الملوث، منتجات النفط، المواد الحافظة للأغذية…)
• الابتعاد عن الضوضاء في أوساط العمل.
• تقليل التعرض للتلوث في ساحة العمل.
• الابتعاد عن التعرض للمنبهات الصوتية والبصرية واللونية القوية، أو التقليل منها.
• عدم الإفراط في الأكل.
قد لا تكون هذه الوصايا كافية عندما يكون تشتت الانتباه في مستوى عالٍ. لذا يستطيع المبتلَون بهذا مراجعة الأطباء أو ممارسة أنواع من التدريب والمران في هذا المجال.
والنتيجة التي نخلص إليها هي أن على الإنسان ألا يبذر نعمة التركيز والانتباه الموهوبة له في أمور لا تعود عليه بالفائدة في عمره الذي يعيشه مرة واحدة، ولا يجعلها هباءً منثوراً. فهذه القابلية ضرورية له في سعادته في الدنيا وفي الآخرة. ولكي نستغل قابلياتنا وطاقاتنا كما يجب فعلينا الحرص والحفاظ على ما عندنا من قابلية التركيز والانتباه.
_______________
* الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.