عملاق الأدب العثماني: “فضولي”

الشاعر، هو محمد بن الملا سليمان البياتي المنسوب إلى بغداد، حيث قضى ردحا من عمره. والمشهور أنه عاش بـ”كربلاء” ومات بها ودفن فيها. وكان مشتغلا بإشعال القناديل والشموع في الصحن الحسيني. فقد عاش حياة متواضعة مع اشتهاره في الآفاق وهو حي. ولادته تسبق سنة (1480م)، بدليل قصيدة بالفارسية نظمها للأمير “ألوند”، من أمراء دولة “أَقْ قُويُنْلُو” التركمانية في بلاد العراق وما جاورها. وإذ إن وفاة هذا الأمير كانت في سنة (910هـ/1504م)، فلابد أنه كان شابا عندئذ في سنه العشرين، لأن نظمه بالفارسية متأخر عن نظمه بالتركية. فسنة ولادته تقدر كما مرّ آنفا. أما وفاته ففي عام الطاعون سنة (963هـ/1555-1556م) مصابا بها. فاستظل بظل ثلاث دول عاصرها هي دولة “أَقْ قُويُنْلُو” والدولة الصفوية ثم الدولة العثمانية. وقد عين السلطان سليمان القانوني راتباً له، وله مراسلات مع السلطنة بشأنه.
و”فضولي” هو مَخْلَصه الشعري على عادة شعراء الترك في اتخاذ مَخْلَص لهم. يقول الشاعر إنه تلقب بهذا المخلص حتى ينفرد به لانصراف الشعراء عنه لدلالته المتواضعة. فإن مفهومه بالتركية هو: الزائد الذي لا نفع منه. ولكن للاسم معنى بالضد يدل على زيادة الفضائل والمكارم، وهي مما يحوزه الشاعر بجدارة. فإنه كان متواضعا في حياته، منصرفا عن بهارج الدنيا وترف الحياة وحب المقام، مع اكتسائه بفضائل العلوم النقلية والعقلية من فقه وكلام وحديث وطب وفلك، زيادة على إمارته للشعر بالتركية والفارسية.
ومن منظوماته ديوانه بالتركية، وديوانه بالفارسية، وديوان ليلى ومجنون (بالتركية) الذي يزيد على ثلاثة آلاف بيت، وديوانٌ مثنويٌّ بالتركية من 444 بيتاً، وديوان “ساقي نامَه” من 327 بيتاً من الشعر التصوفي، وترجمة شعرية لأربعين حديثا. ومن تآليفه “حديقة السعداء” في واقعة كربلاء، و”مطلع الاعتقاد في معرفة المبدأ والمعاد” في العقائد (بالعربية).
هو من أعظم شعراء الترك والعجم. كما يعَدّ من شعراء العرب. وأزعم أن شعره بالعربية يشوبه التكلف والاصطناع، وهو دون شعره التركي والفارسي بأشواط. فقد بلغ فيهما الذروة، حتى عده العلامة “حسين مجيب المصري” في كتابه “فضولي البغدادي”، أميرا على الشعر التركي وفوق الشاعر “باقي”. و”فضولي” شاعر ملتزم، يسند شعره بالعلم والفن. يقول في مقدمة ديوانه الفارسي: “إن الشعر بغير علم جدارٌ من غير أساس، وغايته ألاّ يُعتَدَّ به”. ويقول في بيت له: “إن من يرفع كلامه يرفعه بالصدق. وإن قَدْر الكلام بقَدْر أهله”. شعره عابق بالتصوف، ومعمور بالعلم، ومشحون بالعشق والعاطفة وخطاب القلب. مضطرب بالهجر والجفاء وغير متنعم بالوصل واللقاء. يرفع العشق في أحاسيسه الإنسانية إلى مدارج تصوفية راقية، حتى يَعُدّ بعض الباحثين ديوانه في “مجنون ليلى”، شعرا صوفيا. إن المعاني وأسلوب التعبير عنها، متلازمان في الأدب وفي الشعر خاصة. ومن قوة الشعر، التعبير عن معنى رائقٍ، بإفادةٍ موجزة وبليغة، في صور من الكلام مبتدعة ومركبة. و”فضولي” خير من جمع هذه الشؤون في شعره. بل يكاد أن يرفع المعاني إلى العلياء في كل بيت من أبيات شعره. فمِثلُه قليل وعزيز في التاريخ.

القصيدة المائية

هذه القصيدة عروضية و”نعتية”. و”النعت” غرض من أغراض الشعر التركي، يعني مدح النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ألزم الشاعر فيها نفسه بحرف الراء رَوِيًّا، يتبعه كلمة “صُوْ” (الماء). فالتزم بصعب لا يُلزمه، ليصعد بقوة القصيدة. فإن تكرار كلمة الماء في قافية كل بيت، يحصر الشاعر في معنى لا يرتبط بالمدح بطبعه. لقد اتخذ من “الماء” محورا وغرضاً للقصيدة. ثم سخّر المشاعر والإيحاءات الحائمة حول “الماء”، ليهيّجها ويقودها إلى عشق النبي صلى الله عليه وسلم السلسبيل الطاهر. فدل ذلك على روح التحدي عند “فضولي” في خوض أمر شديد يحجم عنه غيره. فتمكن في زج معان وطيدة “بالماء”، في صور بديعة بلسان بليغ، في غرض المديح. (تمعن في البيت الثالث والعشرين ملياً، وجمعه لعصي المعاني وجَمِّها في بيت واحد). ولعل التزامه بقافية الماء بعد الراء جاء لمناسبة الماء مع مقام النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه. فالماء عزيز وشهي، وقوام الحياة ومدد الظمآن ورمز الطهارة ولهفة الصادي… ولفظه التركي “صُوْ” يسير اللفظ، نغمه يطرب الأذن. وتكرار صوته يقرب من هسهسة الماء. وكأني بسامع القصيدة حاسا بالعطش وباحثا عن الماء، لتكراره في آخر كل بيت، مع نعومة النغم في “صُوْ” بعد الراء المفتوحة. هذا، ماعدا قوة المعاني وبراعة التصوير وبلاغة اللسان. وقد وَضَعْتُ “الماء” في الترجمة في أول كل جملة، لضرورات اللسان، ولاستحضار شيء ضئيل من روح الأصل.
إن معاني العشق والهجر والشوق بإيحاءاتها ورموزها الصوفية ظاهرة في القصيدة. حتى لا تكاد تفطن في الأبيات من مطلع القصيدة إلى البيت الخامس عشر: “هل المقصود ذات النبي صلى الله عليه وسلم بزخم صوفي المباني؟ أم إن الشاعر ينحو منحى شعراء العرب بافتتاح قصائدهم بالنسيب… ليجاري “البردة” مثلاً؟” وأزعم أنه اتخذ طريقه سربا بين الأمرين بأسلوب فريد في “النعت النبوي صلى الله عليه وسلم”. فإن نَقُل بأنه جارى الأقدمين من شعراء العرب في أسلوبهم، مخالفا تقاليد شعراء الترك، فقد فعل. وإن نقُل أنه لم يخرج عن أصول وأساليب الترك، فقد فعل. فإنّ دمعه الذارف شوقٌ إلى الحبيب الذي يهفو إلى لقائه ووقوع بصره عليه، غير مبالٍ حتى إنْ كان وصاله كتلقي حدائد السيوف وثواقب النبال، ما دام في حَدّها وصلٌ به. فهو يجوب في هذه الأبيات الأولى من القصيدة في عالم من العشق العُلوي الوجداني المجرد. ولكن زخما من الاستعارات والإشارات مستَخدَمةً في الأدب الصوفي، تومئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأبيات الأولى… كالنبيه والسكران، والزاهد والكوثر، والعندليب والوردة الحمراء، بل الورد في الأدب الصوفي قرين رمزي للنبي صلى الله عليه وسلم. غير أن هذه الإيماءات لا تستلب من تلك الرموز والإشارات معاني العشق الوجداني الإنساني في معالجة الشاعر لهذه المعاني. ومما يشد من أزر “ثنائية الانتقال” بين النعت النبوي وبين العشق الوجداني، أن اللسان التركي لا يميز في قواعد خطابه بين المذكر والمؤنث.
فالواقع أن “فضولي” انتهج طريقا اقترب فيه من “البردة” وأسلوب شعراء الجاهلية في الافتتاح، ولكنه لم يتطابق معهم ولم يغادر تقاليد الشعر التركي أيضا. وإنه زاد على انتهاجه أُسلوبا وسطا مبتدعا بين الأسلوبين، بأنه أعدّ مناخا عاطفيا خفيا وعشقا وجدانيا ساميا، يتجهز به المرء في تولية وجهه نحو الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والشوق والحاجة واللهف إليه في البدايات. ثم انتقل إلى الأصل المقصود الصريح ابتداء من البيت السادس عشر، في وحدة نفسية للقصيدة، وإعداد حسي متسق، وانسجام روحي ونفسي منصهر في بودقة واحدة، قوامها الشوق والتوق إلى المحبوب العزيز على الوصال، بأسلوب يوحد بين الحسي والعلوي.
فالتصاعد في وتيرة العشق والشوق، الثنائي الانتقال إلى الذهن بين الحسي والنعتي، المحافظ على الوحدة النفسية، يستل السامع من واقع مادي أصم إلى فضاء الوجد والهيام العلوي الفسيح، مهيئا النفس للارتقاء في المدارج إلى أجواء المشاعر النقية العلوية في العشق، صعودا إلى الأصل، وهو العشق المحمدي والشوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم في لهف كلهف صريع في هجير الصحارى إلى قطرة ماء… في أحوال شعورية ونفسية موحدة ومتماسكة ومنـتظمة كحبات المسبحة بالخيط. إن معاني القصيدة كلها تحوم في أجواء وجدانية علوية واحدة من العشق والشوق والتوق إلى الوصال، وترفع الإنسان إلى مراتب عشق النبي صلى الله عليه وسلم في حال محسوس بها في المشاعر القريبة، ولكن بالتحليق السامي في فضاء النقاء والصفاء والبهاء.
إن الشاعر يرقى بنا إلى ذرى المعاني للعشق الصوفي المجرد… ثم يمسك بزمام قيادنا نحو العشق النبوي ونحن في أرق أحواله الدافقة بالحيوية. عشق ملتهب في حنايا النفس، لكنه شهي ولذيذ تهفو إليه النفس وتتوق. وتسعد بلهيبه الذي يحرك ولا يحرق. وهو لشدة أواره النوري يستعصي أن يذوي أو يخمد بالماء الذي يغمر الكون والأفلاك كلها. بل النفس تأبى وتكره أن يخمد فيها هذا اللهيب أو يستكين. الماء هنا يفقد طبعه في إخماد حر اللهيب، فليس من شأنه في هذا الحال تسكين لوعة العشق. وله أن يكون دمعا ذارفا ونازفا في اللهف إلى الوصل، وطهرا يسري في النسغ ليزدهر ورداً لأجمل وجه، ورِيًّا يروي الصادي الظمآن الذي تشقق شفتيه رمضاء فيافي الحب، ورضابا للحبيب يروي الغليل، ونورا في جِبِلّة الطينة النبوية الطاهرة يزخ الحياة بالاقتداء بهديه. فهو السلسبيل الدفاق الذي تهفو إليه النفوس في رخائها ومَحْلها. وكذلك، هو مظهر معجزات الحبيب حين يطفئ نار الشر في الكون، ويتدفق زلالاً من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ليغيث بالنضرة والحياة، ويتقلب بين يدي معجزاته الباهرات سماً للشر وعسلاً سرمدياً للخير.
ولئن كان الماء في القصيدة معينا دفاقاً، لذيذا وعزيزاً، ووسيلة ومحرّضا، يحض على المضي في سبل الشوق إلى الحبيب بلا فتور ولا ونى، فإنه يستحيل إلى عاشق بذاته، يسعى حثيثا في الدروب الموصلة إلى النبي المعشوق صلى الله عليه وسلم، مجذوبا وغائباً عن الشعور إلا الحب، يضرب برأسه الأحجار في السفوح إذ يسيل، عساه أن يسعد بلقاء التراب الذي داسته قدم الحبيب، لا يكل ولا يمل وإن تشابكت الأعصر عليه. ولنقل إنه خاب في الوصول إلى تراب قدميه، فلا رجوع ولا عودة!.. يذوب إذن ويذوي، ويتفتت، سعيداً، لأنه يعاود الكرة بعد الأخرى، عمرا بعد عمر. فلا شكوى ولا ملل. بل ما أجدى السعي في هذه الدروب، ما دام الشوق إلى الحبيب أشهى حتى من الوصل نفسه؟!.
وهذه المعاني السامية والصور الزاخرة أسلوب بديع في النعت (المدح) المحمدي صلى الله عليه وسلم. نسيح بها في هيام العشق النبوي الذي هو قوام الحياة الحقة في آفاقها الروحية المنسابة من الأزل الغابر إلى الأبد السرمد، كالماء… عشقٍ رقراقٍ وحيٍّ، كالماء. قصيدة “الماء”، شعر مفعم بأفياء معان للعشق رفرافةٍ لا أشك في عجزي عن نقل ظلال البلاغة والعلو فيها، وعن استحضار رونق عواطفها وتلألؤ جواهرها، وقد آثرت ألا أبتعد عن معانيها القريبة حتى أضع بين يدي القارئ نصاً ملتزماً بالأصل. فلعل ذلك يجعل دراسة القصيدة أيسر للباحث. وعسى أن يكون الالتزام بأصل المعاني في الترجمة أجدى في تصور ظلالها الدائرة في محور الأدب الكلاسيكي وعلى إتمام المعنى في البيت الواحد، وفي الاستلهام بآثار أدبية تنطلق منها، وفي الحث على تراجم لها، شعريةٍ أو نثرية أدبيةٍ، أبلغ وقعاً في النفس وأعظم إثارة للضمير والشعور من هذه الترجمة التي أحسب أنها الأولى إلى العربية..

ترجمة القصيدة المائية

1- الماء، دع الماء لا تهرقه دمعاً على نيران قلبي. الماء، كل الماء، يقصر عن هذا اللهيب.
2- والماء، هل لونه هو الذي في القبة الدوارة، أم الذي في الأفلاك بحر من ماء عيني؟
3- والماء يشقق الصخر شروخاً بمر الزمان… فهل عجبٌ إن تفتت قلبي بسيوف نظرك، نشواناً؟
4- والماء يشربه الجريح متوجساً حذراً. وقلبي الجريح متوجس حذر، أن ينطق ببنت شفة عن سنان أهدابك.
(يشفق الشاعر أن ينطق بشيء عن أهداب عين الحبيب وإن كانت أسنتها الجارحة كالماء له، وهو الجريح. كخشية الجريح أن يشرب الماء حتى لا يزيد نزفه فيهلك).
5- والماء إن سقى ألف جنة، ما تفتحت عن وردة كوجهك، فلا تَشْقَ يا زارع عبثاً، ودع الرياض غرضاً للسيول!
(يعني لا جدوى من سقاية الزرع وإن سالت سيولاً إن كان القصد مضاهاة الجمال في الزهور، وقد تفتحت أجمل الورود طراً).
6- والماء الأسود حتى إن تَقَطّر على عين المحرر (فأعماها) لطول تأمله في خطوطك، كما يتقطر (الحبر) في القلم، فإن خطه الغباري الدقيق يستعصي أن يضاهي دقيق ملامحك.
(الماء الأسود الذي يذهب البصر. والخط الغباري هو نوع من أدق الخطوط كتابة).
7- والماء ما ضاع سدى، حتى إن سقى الشوكَ رجاءَ الوردِ. فلست أبالي، إذن، مهما بلت جفوني لعارض من خاطرك.
(يعني أن البكاء على الحبيب ليس هباءً، وإن لم يبلغ الباكي المراد. كما أن الماء لا يذهب سدى ما دام الورد رجاء).
8- والماء إن يرو العليل في ظلمة الليل، تكن صدقة. فتصدق ولا تحرم قلبي العليل في يوم الغم من سيف نظرك.
(يحسب الإنعام بالنظر، وإن كان حديدا كالسيف، ريًّا يروي ظمأه في بلوى الفراق، كما يرتوي العليل الظامئ الساهر بأوجاعه).
9- والماء، ما ضرك -يا قلبي- أن تطلبه لي مرة في هذه الصحراء؟! فاستدع -يا قلب- في الهجر نباله، فيسكن شوقي إلى وصله!.
(هنا أيضاً، يستجلب نبال الحبيب في الهجر ويطلبها، كالماء في هجير الصحارى).
10- والماء يستسيغه النبيه، والخمر يستسيغه السكران. وإن الزهاد طلاب الكوثر، وأنا مشتاق إلى شفاهك!
11- والماء ينساب في مسالكه إلى ربوع رياضك بلا كلل.. فأظنه عاشقاً لذاك السرو البهي القويم.
12- والماء هذا غريمي، فلأكنْ تراباً في طريقه مانعاً إياه عن تلك الربوع. (حتى أحوزها حصراً).
13- والماء، قدِّموه إلى (يد) الحبيب في جرة، تصنعوها من ترابي، إن مت يا أخلاّئي، فمرادي أن أقبل يديه، إذ لم أبلغ مرادي! (حين يمس الحبيب الجرة).
14- والماء تراه مُقبّلاً أذيال ثوب السرو، واقعاً على أقدامه، متوسلاً به… لأن السرو زاه وشامخ، لتوسل القُمريّ به.
(هنا يسمو بالحبيب ويجعله عزيزا عن الوصول، مهما توسل القمري. ففي عزه لتوسل المحبين إليه، يقبّل الماء أذيال أثوابه ويسيل ذائبا تحت قدميه ويتواضع له).
15- والماء عساه أن ينقذ البلبل، إذ يختلط بمزاج غصن الورد… فإن الورد يهوى امتصاص دم البلبل في لونه.
(يعني أن الماء قد يخفف من غلواء الورد المستمد لونه من دم العندليب بالسريان في مزاج الغصن).
16- والماء في طهر طينتك نورٌ لأهل العالم، واقتداءٌ لطريق الأحمد المختار صلى الله عليه وسلم.
17- والماء أغرق نار الشر بمعجزات سيد البشر وبحرِ دُرِّ الاصطفاء.
18- والماء تفجر من جلمود الصخر بمعجزة، ليخلّد نضارة روضة النبوة.
19- والماء أكفأ ألف ألف بيت نارٍ للكفار، إعجازه في العالم بحر محيط مديد.
20- والماء تفجر من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم الشدة، في إعجازٍ من يسمع به يعض الأصابع عجباً.
21- والماء إن يذقه عدوٌ له، يكن سم أفعى، وإن يرتشف خليلٌ له سُمّ أفعى يكن ماء السرمدية وإكسير الحياة.
22- والماء المرفوع إلى وجهه بكف الوضوء، كل قطرةٍ منثورةٍ منه ألفُ بحرٍ للرحمة، متلاطمِ الأمواج.
23- والماء هيمانٌ، لا يفتأ يسيح في الأرض أعماراً متواصلةً، يرطم رأسه بالأحجار، حجراً حجراً، متلهفاً لتراب أقدامك.
(مع عموم المعنى، فقد ينصرف إلى نهرَي دجلة والفرات النابعين من فجاج الجبال في تركيا. ثم يسيحان حتى يلتقيان في شط العرب الذي يصب في الخليج. فكأنهما يريدان أن يبلغا تراب جزيرة العرب، موطيء قدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا ينالان المرام، مع إصرارهما في السيلان آماداً طويلة. ويعزز البيت الذي يليه هذا المعنى).
24- والماء لن يرجع القهقري عن مأواك وإن فُتِّتَ فَتاتاً. فمرامه أن يشع نوراً في كل ذرة من تراب مأواك.
25- والماء يشربه السكران دواءً يعالج ذهول عقله. كذلك يداوي الخطاة آثامهم بذكر نعتك (مناقبك) وِرداً لهم.
26- والماء لهف الصادي، المتشقق شفتاه عطشاً. كذاك لهفي إليك يا حبيب الله، يا خير البشر.
27- والماء الفياض من قطر نداك، يا بحر الكرامة، أوفت الثوابت والسيارات في ليلة معراجك.
28- والماء إن ابتغاه للتجديد معمار مرقدك، ففيض الزلال يصب أبداً من معين نورك.
29- والماء رجائي أن يُرش من غمام إحسانك، على نارٍ يلهبه خوفُ الجحيم حريقاً من الغم، في قلبي المشتعل.
30- والماء في مطر نيسان يغدو لآلئ. كذلك صارت كلمات “فضولي” جواهر بيمن نعتك (مدحك).
31- والماء، أرجو أن يهبه عين وصلك لهذا الظمآن. فإن رجائي ألا أُحرم يوم الحشر. (استلهاما من أسطورة تقول بأن قطرة مطر الربيع تغدو لؤلؤة).
___________
المصادر
(1) موسوعة الأدب التركي خارج تركيا، الأدب التركي في كركوك، للدكتور صبحي ساعتجي، ص 302.
(2) تاريخ الأدب العربي في العراق، لعباس العزاوي، ص: 255.
(3) د. منى منكي، بحث في ملتقى “فضولي” في عامه الخمسمائة المنعقدة بإسطنبول سنة 1996م.