هل يبكي الرجال؟ نعم، يبكي الرجال إذا ما آدتهم الأحزان وسحقتهم الآلام واعتصرتْ دموعَهم الفواجعُ والنوازل… ويبكي الرجال إذا شفّهم الوجد، وعلَتْ صراخات أرواحهم، وصدقت تضرعاتهم إلى الله تعالى في محاريبهم وصلواتهم… فهذا البكاء لا ينقص شيئاً من رجولة الرجال، ولا هو مما يعيب إذا كان صادقا طاهراً لا تشوبه شائبة رياء أو سمعة.
ومثل هذه الدموع تتفجّر عن فرط قوة خزينة في النفس ورحمة مزجاة في الضمير، وعن رهافة في الحس ورقة في الشعور.. فهي شديدة التأثر بالخطب اليسير، ناهيك عن الخطب الجسيم، فلا عجب إذا ما رأينا كاتب القلب الحزين والروح الجريح، الأستاذ “فتح الله كولن” وهو يفتح موسم الأحزان بمقال رئيس يعلن فيه أنْ لابد لأصحاب الرسالات الكبرى من مواسم بين وقت وآخر، يعودون فيها إلى نفوسهم، ويستخرجون من كوامنهم ما تراكم فيها من أحزان وآلام لمزيد من التطهر النفسي والروحي، فلا شيء يطهر النفس من خطاياها وأخطائها كما تطهرها الدموع والآلام.
ولا عجب كذلك إذا ما رأينا “حراء” في هذا العدد وقد أظلّتها سحابة حزينة، وغشيتها ظلال من كآبات بعض الأقلام. فعلى الرغم من التكريم الإلهي العظيم للإنسان كما يقول الدكتور “البوشيخي”، إلا أن هذا الإنسان يدير ظهره لله وينحدر غير آبه إلى أسفل دركات الانحطاط بوعي منه أو بغير وعي… وفي “روح الأمة” حزن آخر يغشانا ويملأ جوانحنا كما يجليه لنا الأستاذ “فتح الله” في قصيدة رائعة ترجمها إلى العربية مشكورا الأستاذ “نوزاد صواش”.. أما “الإنسان بين الشيطان والقرآن” للأستاذ “أديب الدباغ”، فتصور مأساة الإنسان المعاصر الذي فقد قلبه وروحه وهو يحاول العثور عليهما.. وفي “الأقصى” مسجدنا الحزين لا زال للعثمانيين الأشاوس بصمات واضحات تشي بعمق الإيمان لديهم.. وعن الفروسية في الإسلام يحدثنا الدكتور “محمد عمارة” فإنها بحق صفحة من صفحات تاريخنا المؤثل المشرق، وإلى هذه الفروسية الأخلاقية يعزى ما نَعِمَ به معظم أطراف الكرة الأرضية من سلام وأمان إبان حضارة الإسلام.
فـ”السِّلم في الإسلام” للدكتور “رمضان البوطي” وكأنه رديف ومتمم لمقال “الفروسية الإسلامية” فهو يتحدث عن هذا السلام مصدره وضماناته بشيء من الإسهاب… و”السنن الإلهية في المنظومة الكونية” للدكتور “علي جمعة” إشارة إلى سنن التوافق الكوني والتعاون والتساند بين أجزاء الكون وكلياته… وعن الحوار بين الحضارات يكتب الدكتور “أحمد عبادي” مبيناً أهمية “الوحي” في حياتنا الفكرية والوجدانية وضرورة العودة إلى “الوحي” واستمدادنا منه، فهو يمنحنا من القوة والثقة ما نستطيع معهما خوض التحديات التي تواجهنا دون خوف أو وجل..