القضية المضنية التي أضنت العقول، وأقضَّت المضاجع هي قضية معنى الحياة وغاية الوجود، وقد كرَّس لها “الأستاذ فتح الله كولن” العديد من كتبه ومقالاته، وراح يتأملها متجاوزًا الحلول السطحية التي لا تلامس الوجدان البشري ولا تتعمق في طواياه.
فمطالب هذا الوجدان رفيعة جداً، وأشواقه ومطامحه عالية جداً، تتجاوز المحدوديات ولا تتوقف إلاّ عند اللامتناهي والمطلق الإلهيين… ومن هذه النقطة يأتي مقال الأستاذ “كولن” الموسوم بـ”الخصوصيات الأساسية للفكر الإسلامي” ذاهباً معه إلى جذوره في أزليته الأولى وأبديته اللانهائية، وفي هذا الفكر تكمن الأجوبة على كل التساؤلات التي يثيرها العقل، ويشعر بها الوجدان.
وجذور هذا الفكر الماورائي لا يعني بأي حال من الأحوال أنه لا يحسن معالجة إشكاليات الواقع الاجتماعي، فمقال الأستاذ “محمد عمارة” عن الفرد والطبقة والأمة، يأتي رداً على مَنْ يذهب به الوهم إلى حدّ اتهام الإسلام بالقصور عن معالجة إشكاليات المجتمعات البشرية أفراداً وطبقات وأمماً، لأن “الوحي” بنظره الشمولي والجمعي لا يمكن أن يُغْفِلَ الجوانب الاجتماعية وما تتردّى فيه من إشكاليات.. وكما للفرد أحلامه فإنّ للأمة كذلك أحلامها، ولعلّ واحداً من أعظم أحلامها هو “سكة حديد الحجاز”، هذا الخط الذي كرست الدولة لإنجازه والسلطان عبد الحميد الثاني نفسه كل الإمكانات الفردية والشعبية من مال وجهد وعرق وتعب. وقد كتب الأستاذ “صالح كولن” عن هذا الخط المهم، وكيف بدأ حلماً ثم انتهى واقعاً.. والدكتور “عمار جيدل” في مقاله الموسوم “الطريق السريع، المسلك والسالك” يهدينا إلى أقصر الطرق كما هو عند الأستاذ النورسي لنفعم وجودنا الأرضي بالجهد والعرق وتجاوز العقبات بأسرع ما يمكن للوصول إلى ذلك الشعور المشتق من الإيمان كأفضل ملاذ للروح التي تناضل من الخروج من ظلمة الشرور الدنيوية إلى نور الأخروية الأبدية… وفي باب “دراسات إسلامية” يتحفنا الأستاذ “فريد الأنصاري” بمقاله الموسوم “كلمة الله في معركة السلام” مبيناً فيه أنّ عصرنا عصر “الكلمة” وأنها مفتاح لكل المغاليق والإشكالات، فالكلمة فكر متحرك، ووجدان مشع، فالكلمة القرآنية يمكنها أن تغذي روح الخليقة بأجمعها ومن جذوتها الخفية تتقد شعلة الخلود والأبدية منيرة عوالم الإنسان الفكرية والوجدانية وباعثة للسلام والأمان في أرجاء الروح…
وبعد، نرجو أن نكون قد وفقنا في إعطاء قرائنا الأعزاء ملامح من موضوعات هذا العدد المتنوعة، مع الاعتذار للأخوة الأساتذة الذي لم يُتَح لنا التنويه بمقالاتهم على أهميتها، والله الموفق…