في المقال الرئيس للأستاذ “فتح الله كولن” غذاء مجزٍ للعقل والوجدان لمن يلزم نفسه بالتأمل والتفكير. وهو يرسم طريقاً سهلاً للمعرفة والعمل معاً، والولوج إلى فجاج الفكر بقلب ملؤه الاطمئنان والثقة. فالمؤمن -كما يصفه الأستاذ- قد تعصف به العواصف وتتناوشه المحن والخطوب، وقد يهتز بعض الشيء وقد يترنح، لكنه يظل متماسكاً فلا يسقط أرضاً ولا يركع ذلاًّ ورعباً. فالألم مهما طال فهو إلى انحسار، أما الخوف فلا يقف عند حد، بل يظل ممتداً في النفس حتى يفرغها من الشهامة والغيرة والشجاعة. ثم إذا اهتزّ المؤمن كان ذلك دليلاً على وفرة الحياة عنده وعلى رهافة شعوره وثقافة حسِّه ويقظة ذهنه، لأن ميتي الشعور وغليظي الأحاسيس ومتخشبي الأصلاب، لا يهتزون لشيء لأنهم موتى وإنْ كانوا يمشون على قدمين.
والأستاذ “عماد الدين خليل” يتحفنا بواحدة من مقالاته الجادّة عن “غائية الوجود في الأدب الإسلامي” في تحليل رائع للرؤية الإسلامية لغائية الكون ووحدة الحياة، متخذاً من بعض الصراعات الدرامية التي تدور عليها محاور رواياته ومسرحياته نماذج لتقديم هذه الرؤية الإسلامية. وهو يختم بحثه عن “الدراما الإسلامية” فيقول: “إنها الصراع بين العقل والروح والوجدان والجسد، ولن يقدّر لأحد فيها الخلاص إلا من خلال بذل جهد استثنائي للتحقق بالوفاق. أما الأستاذ “البوشيخي” رجل الفكر الرصين، فإنه يحدثنا عن “مفهوم الحياة في القرآن الكريم”. هذا المفهوم الذي كثيراً ما يغيب عن أذهان المسلمين أو يختلط بتصورات فاسدة تفقده جوهره وحقيقته، كما أنه لا ينسى أن يحلل لنا حقيقة الموت في التصور الإيماني، ومراحل الحياة والموت، مؤكداً على المعنى الحقيقي للحياة وكيف يصير هذا المعنى دافعاً إلى إيثار الآخرة، ثم يمضي إلى أكثر من ذلك فيعزو سبب الوهن الذي يعاني منه المسلمون اليوم إلى فساد التصور لمفهوم الحياة كما يصورها القرآن الكريم.
أما الأستاذ “رمضان البوطي” فيؤكد في مقاله الموسوم “لا سلام مع الظلم ولا إرهاب مع العدل” على أن ما يعاني منه العالم اليوم من اضطرابات وقتول وسفك دماء، يعود بالأساس إلى جملة من المظالم التي يتجرعها ضعاف البشر من الأقوياء المتسلطين، وإلى فقدان “العدل” الذي يورث اليأس. وفضيلة الأستاذ “علي جمعة” يقدم لنا على صفحات “حراء” دراسة قيمة عن لوازم العقل التفسيري للقرآن الكريم، مع استعراض شامل وعميق لآراء جمهرة من كبار المفسرين.
وبعد، فإن “حراء” تعتذر للأساتذة الذين لم يسعفنا ضيق المجال للتنويه بمقالاتهم التي تظل مهمة في تشكيل الإطار العام لهذا العدد من “حراء” والله من وراء القصد..