أن تعمر جماعة من الناس بقعة من الأرض معناه أن تحولها إلى مكان حي مستجمع لمقومات الحياة الجماعية المنظمة المنتجة الآمنة المستقرة. وذلك بما تؤسس فيه من أنواع البنيان الذي يجلب لها وينمي كل ما تعتقده مصلحة، ويدرأ عنها ويزيل كل ما تظنه مفسدة من مساكن وأحياء وأسوار وحصون وقناطر وطرقات وأسواق وبساتين وسدود ومصانع وحمامات.. ونحو ذلك من المرافق الحيوية اللازمة لأي تمدين، وكذا بما تنمي فيه من نسلها ووجودها البشري ومواردها الحيوانية والزراعية. ويلحق بذلك مجازاً ما كان من أسبابه من العلم والتخطيط والتنظيم والقوة، وما كان من ثمراته من قدرة على صناعة الأجهزة التي يحتاج إليها العمران والحياة العمرانية وما إلى ذلك.
كل ما أنجزه الناس قبل مجيء الإسلام، مما كان من هذا القبيل وبهذا القدر، القرآن عده عمراناً. وقد تفاوتت الجماعات البشرية فيه كمًّا ونوعاً بحسب تفاوتها فيما أوتيت من الخبرة الفنية والعلم الدنيوي والقوة السلطانية، فمنها من كانت أكثر إعماراً كما قال الله تعالى: ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾(الروم:9)، وفيه إشارة إلى أن الـ”أشد قوة” كان أكثر إعماراً. ومنها من بلغ العمران عندها الذروة في الجمال والتنوع فكانت فارهة بارعة في صناعة العمران. وقد أشار القرآن إلى ذلك في عدة مواطن منها قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾(يونس:24)، وقوله تعالى: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾(الأنعام:44)، وقوله: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل:23)، وقوله في بعض الأمم إنها كانت: ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾(مريم:74)، أي يعيشون في حال أفضل من حال العرب أجود تجهيزاً وأحسن منظراً من الناحية العمرانية.
ووصف القرآن لأعمالهم تلك بأنها عمارة للأرض لا يلزم منه أن ما عداه ليس من العمران، بل كل إنجاز حضاري لاحق جعلت به المجتمعات حياتها آمن وأسهل وأجمل وأرفه مما هو ثمرة لتطور علومها وخبراتها وقدراتها وأذواقها هو أولى شيء بالدخول في مفهوم العمران.
وإن عد القرآن إنجازات غير المؤمنين عمراناً يعني أن مفهوم العمران مفهوم محايد وأنه لا يشترط في تسمية الشيء عمرانا أن يكون سالما من المكدرات الفكرية والأخلاقية. وإن كان العمران بعد ذلك قابلاً لأن ينعت بالصلاح أو بالفساد.
على أن هذا العمران ما كان الإنسان لينجز منه شيئاً لولا أن الله تعالى هيأ له أسبابه.
تهيئة الله لأسباب العمران
هيأ الله للإنسان كل ما يتوقف عليه العمران.
أ- جعل في الأرض قابلية للعمران: فجعلها أولاً صالحة لاستقبال ما يمكن أن يحدثه الإنسان من العمارة، وذلك بما ألقى فيها من الجبال التي تحفظ استقرار قشرتها: ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾(النحل:15)، وكذلك بما قدر فيها من الجاذبية التي تثبت البنيان، فكانت بذلك قراراً: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا﴾(النمل:61)، ولولا ذلك ما استقرت على الأرض لبنة فوق أخرى.
وجعل الأرض أيضاً طوع إرادة الإنسان ذلولا له صالحة لإنتاج ما يحتاج إليه: ﴿وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾(فصلت:10)، ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اْلأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾(الملك:15).
بـ– يسر الله للإنسان حركته في الأرض: فجعل النجوم للإنسان علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾(النحل:16)، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾(الأنعام:97).
وهيأ للإنسان المركب الذي يحمله ويحمل أثقاله إلى أبعد المواطن؛ هيأ له المركب الطبيعي الذي هو الدواب: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾(النحل:7-8)، وهيأ له المركب الصناعي وهو السفينة التي صنعها نوح عليه السلام بوحي من ربه سبحانه فكانت أول سفينة في تاريخ البشرية: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾(المؤمنون:27). وهذا يعني أن حركة الإنسان في الأرض يسرها الله بخلقه وبوحيه معاً فحمله برا وبحراً: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾(الإسراء:70).
وبيّن أن حمله إياهم كان بالمركبين المذكورين فقال في الأنعام: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾(غافر:80). وبذلك استطاع الإنسان في وقت مبكر من وجوده على الأرض أن يخرج من العزلة ويكتشف الأرض كلها قاراتها وبحارها ويستفيد مما جعل الله له فيها من زينة وثروات.
جـ– جعل الله في الأرض الحديد، أنزله من السماء، ليكون للإنسان وسيلة من أهم وسائل إنشاء العمران وحمايته: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾(الحديد:25).
د– وبالجملة فقد سخر الله له سائر ما في الكون ليوظفه لمصلحته إنشاء لها وحفظا وتنمية وتطويرا: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾(الجاثية:13).
هـ- وجعل الله الإنسان مهيأ لإنشاء العمران:
• خلق الله في الإنسان حاجات وشهوات تدفعه إلى إشباعها وتلبيتها فينتج عن السعي لإشباعها إعمار الأرض.
• وخلق فيه ذوقا وإحساسا بالجمال يتمكن به أن يضفي مسحة من الحسن والبهاء على عمرانه.
• وخلق فيه عقلا يقدر به على اكتشاف الكون وقوانين الحياة واكتساب العلم الذي بموجبه يستطيع التحرك في أرجاء السماوات وتسخير ما في الكون لعمارة الأرض: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾(الملك:33).
• وخلق فيه قدرة بدنية يستطيع بها تحمل أتعاب الإعمار ومشاق تحقيق المصالح.
و- ولما كانت مصالح الإنسان كثيرة لا يستطيع تحقيقها وحده فقد جعل الله بين الناس تفاوتا في القدرات وتنوعا في المواهب يحتم اختصاص كل صنف وطبقة منهم في نوع من العمل، ويجعل بينهم تكاملا في الوظائف الحياتية: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾(الزخرف:32)، ولولا ذلك ما كان ثمة إمكان للعمران.
ز- و لما كان العمران لا يتم إلا بالتنظيم وكان التنظيم لا يتم إلا بالملك، فقد جعل الله في الناس قبولا للملك، وهو تدبيرهم لأمورهم تحت قوة سلطانية قاهرة تجلب لهم مصالحهم العامة وتدرأ عنهم شرور أنفسهم وشرور سواهم.
هذه أهم أسباب العمران، وهي أسباب ضرورية وليس للإنسان يد في إيجادها ولا يملك أن يدعي ذلك، بل لما جاء الإنسان إلى الوجود وجد الله قد أعد له كل شيء؛ المواد والدوافع والأذواق والقدرات والعقل والسنن الكونية والسنن الاجتماعية.. وإنما بقي له بعد ذلك أن يوظفها توظيفا تركيبيا، ويستثمرها في إنشاء ما يقدر عليه من العمران في كل زمان ومكان. وبذلك كان الإنسان -المؤمن والكافر سواء- عامرا للأرض وهو ما يدل عليه قوله تعالى على لسان صالح: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾(هود:61).
لما كان الإنسان بطبيعته قد ينـزع إلى الخير وإلى الشر ويدرك بعض مصالح نفسه دون بعض، فإن ما آتاه الله من أسباب العمران تلك كان منذ البداية محتملا لأن يوظفه الإنسان في الشر ولأن يوظفه في الخير، كما كان غير كاف لتلبية كل حاجات الإنسان. ولذلك فإن الله تعالى إلى جانب ما قدره للإنسان من أسباب، قد زوده منذ خلقه بما يجعل عمرانه عمرانا صالحاً، فأرسل إليه رسله بالهدى الذي يؤهله لتسخير تلك الأسباب في تلبية كل حاجاته المشروعة، ولتحقيق السعادة التامة الشاملة التي علمها وأرادها له خالقه اللطيف الخبير وبارئه الرحيم الودود، إلا أن بني آدم لم يستجيبوا كلهم لهذا العرض، فافترقوا في موقفهم من الوحي إلى فريقين فسار العمران بذلك مسارين:
المسار العمراني الأول
سار العمران مساراً مادياً أجوف مختلا لما أشرف عليه فريق من بني آدم اختاروا أن يأخذوا بأسباب العمران بعيدا عن هدى الله، وأصروا بعد نزول الوحي إليهم أن يبقوا متعاملين مع أسباب العمران الميسرة لهم تعاملا حراً لا يتقيد بأي قيد من دين.
هذا الفريق من الناس لم يؤمن بالله واليوم الآخر وجعل الدنيا همه الوحيد ومبلغ علمه وغاية سعيه، وتوسل بأسباب العمران لنيل شهواته (شهوة المال وشهوة النساء وشهوة الجاه)، ومع ذلك لم يحل الله بينهم وبين ما يشتهون، بل فسح لهم المجال ليحققوا لأنفسهم ما يظنون أنه سعادة وخلى بينهم وبين أن يذوقوا نتائج اختيارهم العمراني.. ذلك ما قضاه الله في الأزل وذكره في كتابه فقال: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾(الإسراء:18)، وقال: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾(هود:15)، بمعنى أن من أحب نيل مآربه من غير واسطة الدين ومن غير تحمل لأي كلفة دينية لا يؤمن بها، فإن الله تعالى يحقق له ما يتمناه كاملا غير منقوص. وقد سرد القرآن من هذا المسار نماذج منها:
النموذج الأول: هو عمران “عاد” الذي أشار القرآن إلى أبرز مظاهره فيما حكاه من قول هود لـ”عاد”: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ (الشعراء:128-134)، وقوله لهم أيضاً: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾(هود:52)، وهكذا فقد عرف “عاد” عمرانيا بما يلي:
• بناء علامات تدل على الطريق ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً﴾.
• بناء صهاريج تجمع ماء المطر في الشتاء يشرب منها المسافرون وينتفع منها الحاضرون في وقت قلة المطر ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾.
• تنمية الموارد البشرية والحيوانية والزراعية ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾.
النموذج الثاني: هو عمران “ثمود” المشتهر بالبناء المتميز، قال لهم صالح: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(الأعرافب:74).
وقال لهم أيضا: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾(الشعراء:146-149). فقد كانوا فارهين بمعنى عارفين حذقين بنحت البيوت من الجبال بحيث تصير بالنحت كأنها مبنية. نحتوا في الجبال بيوتا يسكنونها في الشتاء هروبا من أخطار السيول، واتخذوا في السهول قصوراً ينـزلون للسكن بها صيفاً.
النموذج الثالث: هو عمران “سبأ”. فلقد كانت مدينتهم “مأرب” محفوفة بالجنات عن اليمين والشمال يصطافون فيها ويستثمرونها، وكان ذلك بسبب تدبيرٍ ألهمهم الله إياه في اختزان المياه النازلة في مواسم المطر بما بنوا من السد العظيم في “مأرب”، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾(سبأ:15).
النموذج الرابع: هو عمران “مدين” المشتهر بالرخاء الاقتصادي حتى قال لهم شعيب: ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْر﴾(هود:84)، أي إنكم في حال حسنة تجعلكم في غنى عن التطفيف.
هذا ويذكر القرآن في مواطن أخرى أنواعاً عامة من العمران دون أن ينسبها إلى أقوام بعينهم، فيذكر أن الله فتح لأمم كل أبواب التنعم: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾(الأنعام:44).
كما يحكي أن الله آتى أقواماً الأمن من أعدائهم والرخاء في اقتصادهم: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾(النحل:112).
ولقد كان وحي الله عبر التاريخ، يتتبع عمران هؤلاء الأقوام من جهتين اثنتين؛ من جهة أولى كان يبدي لهم ملاحظاته النقدية إزاءه، ومن جهة ثانية كان يدلهم على العمران الذي هو أرشد.
فقد كان رسل الله -عليهم السلام- يقبحون عمرانهم من حيث ما تأسس عليه من دوافع بعيدة عن الرشد وما شابه من شوائب الكفر بأنعم الله، والظلم لعباد الله والفساد في أرض الله، ويطلبون منهم تخليص عمرانهم منها. ثم كانوا في المقابل يعدونهم إن هم استجابوا أن يحفظ الله عليهم عمرانهم ويزيدهم من أسبابه ويبارك لهم فيه، وبعبارة أخرى كانوا يعرضون عليهم عمراناً أفضل من عمرانهم.
فعلى سبيل المثال، ما بنته “عاد” من علامات على الطرق خارج مدنها، كان عملا عبثياً لم تدع إليه حاجة للمسافرين، ولعلها إنما أرادت به أن يكون آية دالة على تفوقها ومبلغ قدرتها ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾.
وما اتخذته “عاد” أيضاً من صهاريج يتجمع فيها ماء المطر كي تستعمله في مقاومة الفناء زمن القحط، قد أخطأت به الظن وضلت الطريق وضيعت الجهد والمال، واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأن الماء الذي أمسكوه إنما هو ماء آسن ليس بالعذب، وقليل لا يمكن أن ينفع كل الناس ولا كل الأرض. بينما كان يمكنهم -لو استجابوا- أن يحصلوا على ماء السماء الذي هو ماء طهور ومبارك، ويرزقوه بالأقدار الكافية وفي الأوقات المناسبة والأراضي المحتاجة، ويعطون معه قوة إضافية تجعلهم أكثر إعماراً وأمناً، وقد قال لهم هود: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾(هود:52).
وكذلك ما نحتته “ثمود” من البيوت في الجبال فإن القرآن سجل عليه ملاحظتين؛ إحداهما تنصيصه على حذقهم في ذلك النحت: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾(الشعراء:149)، وثانيهما ذمه لباعثهم وهو اعتقادهم أن لجوءهم إلى هذه الوسيلة سيؤمنهم من كل الأخطار: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾(الحجر:82)، لكن ذلك لم ينفعهم: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾(الحجر:83).
ومن عمروا الأرض رافضين للوحي غير قابلين لعروض الأنبياء تنوعت مصائر عمرانهم:
المصير الأول هو تدمير العمران. وقد يدمر على من تحته إذا كان بنيان قوم مكروا لدين الله وأنبيائه، وفيه قال الله تعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾(النحل:26)، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(يونس:24). وحصد الزرع؛ قطعه من منابته وهو معنى الاستئصال والتدمير للعمران بما يظن به الناظر كأن الأرض لم تعمر من قبل: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾. لم تعمر بالزرع، يقال غني المكان إذا عمر ومنه المغنى للمكان المأهول.
فقال في سبأ: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾(سبأ:16).
المصير الثاني هو إخلاء العمران. فيصبح خربا معطلا عن منفعته التي شيد لأجلها، بحيث يهلك الله صانعي العمران ويدر عمرانهم غير مستعمل من بعدهم. وهذا مصير عمران من استعجل عذاب الله، وأمن مكر الله واستهزأ بآياته، ومثاله ما جرى لـ”عاد” الذين أرسل الله عليهم ريحا: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾(الأحقاف:25).
ومثاله أيضاً ما جرى لـ”ثمود” كما قال الله تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾(النمل:52)، ومثال أقوام آخرين ممن طغوا في أرض الله وقال فيهم الله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾(القصص:58).
المصير الثالث هو إيراث العمران لغير صانعيه وهو مصير عمران الناكثين لعهودهم. ويمثل له القرآن بمصير بني قريظة من اليهود الذين خانوا عهدهم مع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وقال فيهم الله: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾(الأحزاب:26-27).
وقال عن فرعون وملئه: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾(الدخان:25-28).
على أن سنة الله قد جرت بأن لا يصير الذين ظلموا ولا يصير عمرانهم إلى إحدى هذه المصائر الثلاث، إلا بعد إنذار يتبعه إملاء كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ (الشعراء:208)، وقال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾(الحج:40). ويشمل إملاء الله لهم أن يسلط عليهم البأساء والضراء لعلهم يرجعون، ثم أن يمتعهم إلى أجل مسمى إذا تمادوا في غيهم تنفيذا لوعده بأن لا يحرم مريدي الدنيا من الدنيا كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام:42-45).
المسار العمراني الثاني
لو شاء الله تعالى لَجعل العمران إنجازاً خاصاً بالكافرين ولكنه أبى، لأنه قصد أن يبقى في الأرض إيمان. ولو أنه فعل لاعتقد الناس أن لا عمران إلا مع الكفر، ولتركوا الإيمان جملة، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾(الزخرف:33-34). قال ابن عاشور تعقيباً على تفسير ابن عباس للآية: “ولولا أن يصير الناس كفاراً لخصصنا الكافرين بالمال والرفاهية، وتركنا المسلمين لما ادخرنا لهم في الآخرة، فيحسب ضعفاء العقول أن للكفر أثراً في حصول المال جعله الله جزاء لمن سماهم الكافرين، فيتبعوا دين الكفر لتخيلهم الملازمة بين سعادة العيش وبين الكفر. وقد كان الناس في الأجيال الأولى أصحاب أوهام وأغلاط يجعلون للمقارنة حكم التسبب. ولذلك كان للمؤمنين أيضاً عمرانهم لينفصل العمران عن أن يكون ثمرة كفر أو إيمان. ومن ثم قال الله تعالى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾(الإسراء:20-21).
فقد سار العمران إذن مساراً ثانياً، إلا أنه كان مسارا راشداً. لأنه كان بقيادة “قوم عابدين” اتبعوا هدى الله وجعلوه دليل إعمارهم ومنهاج تدبيرهم. ومما حكى القرآن فيه من النماذج نموذج عمران سليمان عليه السلام ونموذج عمران ذي القرنين..
أما سليمان عليه السلام فقد أوتي علم الحضارة والعمران، وهو ما يشير إليه قوله تعالى على لسان ملأ سليمان: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾(النمل:42). قال ابن عاشور: “أرادوا بالعلم علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته ويشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه، فقد كانوا أهل معرفة أنشأوا بها حضارة مبهتة”.
ومع هذا العلم أوتي سليمان من كل أسباب العمران ومظاهره: ﴿وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل:16). وكان مما أوتيه تقدُّم صناعي فائق وإبداع بنائي باهر.
يذكر القرآن من تقدمه الصناعي، أن الله تعالى يسر له إذابة النحاس وإسالته له على نحو دائم من عيون معينة بما يمكنه من صناعة ما تحتاج إليه أمته؛ من الأسلحة والدرق والآنية والأثاث وسائر الأجهزة.. قال الله تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾(سبأ:12).
ومن تقدمه في البنيان تكفي الصورة المثيرة التي ساقها القرآن مقترنة بدخول ملكة سبأ على سليمان: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾(النمل:44).
فقد كانت أرضية الصرح من زجاج سميك تحته ماء فيه سمك، وهذا “من بديع الصناعة التي اختصت بها قصور سليمان في ذلك الزمان لم تكن معروفة في اليمن على ما بلغته من حضارة وعظمة بناء”.
وقد حكى القرآن أن سليمان عليه السلام انتقل من طور العمران المتميز بالإبداع والحسن والمتانة والوفرة والمحفوظ بالعدل والمزين بالرحمة إلى طور “ما بعد العمران”، فذكر تشوفه لأن يؤتى أقصى ما يمكن من السرعة في إنجاز الخدمات فقال: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾(النمل:38-40).
هذا المشار إليه من عمران سليمان -وإن كان بعضه معدودا من خصوصياته- يشير إلى أن ابتغاءه أمر جائز في ذاته، وأن المؤمنين هم أولى الناس بأن ييسر الله لهم امتلاك بعضه أو ما يقاربه من الوسائل المتقدمة المعينة على تحقيق الجودة والبسطة في العمارة، والوفرة والتنوع في الإنتاج، والسرعة والسهولة في الإنجاز.
وأما ذو القرنين فقد زوده الله بأسباب العمران ووسائل التصرف في الأرض فقال: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾(الكهف:84). وقد استعمل ما أوتي من تلك الأسباب في القضاء على الظلم حيثما وجده إما بمعاقبة الظالمين أو بكف أيديهم عن المستضعفين، فجاب الأرض شرقاً وغرباً، لا ليستعبد شعوباً لصالح لنفسه أو شعبه، ولا ليستغل خيراتهم لأجل مجد نفسه أو رفاهية فئته، ولكن ليملأ الأرض رحمة وعدلا كما ملئت عذابا وجوراً لا يسأل الناس خلالها أجراً على اتعابه، بل لا يقبل منهم مقابلا ماليًّا لما يسدي إليهم من النصرة والحماية. ولذلك كانت إنجازاته العمرانية إنجازات نافعة راشدة لا عبث فيها ولا غي. وكان منها توظيفه ما أوتيه من خبرة صناعية وقوة سلطانية في بناء سد منيع من حديد ونحاس يقي قوما ضعفاء من عدوان يأجوج ومأجوج، ويمنع من إفسادهم في الأرض. فكان عمرانه هذا عمراناً وقائياً حمى عمرانا قائماً من تخريب المخربين، وكان إلى ذلك عمرانا جميلا. فقد جاء في بعض الروايات أن السد كان “كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء”. قال القرآن في عمله العظيم هذا: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾(الكهف:92-97).