إن أي دعوة إلى الإسلام لا تقوم في أسلوبها ووسائلها على اقتفاء منهج القرآن الكريم، فلن يُكتب لها النجاح، لأن الله سبحانه هو وحده العالم بأحوال النفوس البشرية وطبائعها وأمراضها ومفاتحها والتواءاتها ومنعطفاتها. كما أن النفوس تتفاوت من حيث قربها وبعدها من الحق واستحكام الشر فيها من عدمه، ولكل حال من هذه الأحوال أسلوبه ومنهجه وطريقة مخاطباته.
والقرآن الذي يخاطب أعداء الدعوة والمحاربين لها في كل ميدان وبكل وسيلة ممكنة، كان يستمر في التخاطب معهم بألوان الخطاب. وهذا يعني ضرورة حاجة الداعية إلى معرفة أحوال من يدعو، وحسن التخاطب معهم، واختيار الأسلوب والألفاظ التي تتناسب مع كل مقام.
والداعية الناجح هو الذي لا يؤلب الناس على نفسه، ولا يسير في طريق يؤدي إلى تكثير الأعداء عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يعرف أنه مهما كانت عداوة الناس له فهو مسؤول عن دعوتهم وترغيبهم في القرب من الحق والتزامه، ومعرفة أن القلوب بيد الله سبحانه يقلبها كيف يشاء، وأنه عندما يريد سبحانه للعبد الهداية إلى الحق فإن كلمة واحدة قد تحوّل من حياته وتجعله نصيراً للحق محباً متفانياً في الذود عنه بعد أن كان بخلاف ذلك.
الداعية، طبيب رحيم بمن يدعوه
ولا ينبغي للداعية أن يقف ممن يدعوه موقف المعادي الذي يسعى إلى إنزال المكروه بخصمه.. فقد كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئاً بالرحمة، حتى صار يتسع للقريب والبعيد، والصديق والعدو، والمسلم والكافر… ولقد قال في حق من اشتدت عداوتهم وإيذاؤهم له: “لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم” (رواه البخاري)، وقال لملك الجبال وقد أرسله الله سبحانه إليه يستأذنه في أن يطبق على أعدائه الأخشبين بعد أذاهم الشديد له في الطائف: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئا” (وراه البخاري)، وقال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” (رواه البيهقي)، وقال: “رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر” (رواه البخاري)، وقال الله تعالى في شأنه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾(آل عمران:159)، فكل ذلك يدل على أن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم “ما كان يغضب لنفسه قط”.
وقد استمر الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ربه أصناف الناس، وكان فيهم الوثني والكتاب والمنافق والتابع والمتبوع والرئيس والمرؤوس… وكان يسير في خطى دعوته بتوجيه رباني، يؤيده الوحي ويسدد خطاه ويبصره بأساليب الدعوة. واستمر على هذه الحال ثلاثاً وعشرين عاماً، حتى نزل عليه قول الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾(النصر:1-3). وفي هذه الآيات بيان لنجاح دعوته واتجاه الناس إلى الإسلام، وإكرام الله سبحانه له بفتح مكة التي كان أهلها قطب الرحى في التصدي للدعوة والتأليب عليها، والتشكيك فيها وفي حاملها، ونشر الشبهات حولها، وصد الناس عنها، فأقر الله سبحانه وتعالى عين نبيه صلى الله عليه وسلم وشرح صدره بأن مكنه من فتح مكة، حتى صارت دار إسلام، وصار أهلها أنصاراً لدين الله سبحانه وتعالى وهم أصحاب القيادة والسيادة في الجزيرة العربية.
وهذا كله يحمل الدعاة على التأمل في سير الدعوة إبّان نشأتها وتلمس طريقها، انطلاقاً من قول الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(يوسف:108). فليبحث الدعاة عن البصيرة التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليكلل الله أعمالهم في دعوتهم بالنجاح، وليدرسوا دراسة واعية أساليب الدعوة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت ترجمة للتوجيهات الربانية، ولا يحيدوا عنها إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة، وتمليه الضرورة في أحوال الناس المستجدة من ابتكار الوسائل والأساليب النافعة، غير أن هناك ثوابت في منهج الدعوة لا ينبغي تجاوزها، بل الاستمساك بها هو علامة النجاح في الدعوة إلى الله تعالى.
وما نراه اليوم من أسلوب تنتهجه بعض وسائل الإعلام الإسلامية في خطابها مع الآخرين الذين يقفون من أصحابها موقف العداء والخصومة، ما هو إلا واحد من أساليب الدعوة التي ينبغي أن تتجنبها في خطابها. فهي في الغالب تكتفي بتتبع أخطاء الآخر ونشرها بهدف التشهير والفضح، وتدافع عن الدعاة في رد الافتراءات التي تقال عنهم، وتقف عند هذا الحد الذي من شأنه أن يحدث عند الآخر رد فعل للدفاع عن نفسه، والمعاملة بالمثل أيضاً حتى لا يتجاوز الأمر لدى الجانبين حد المنابزة والتراشق بالألفاظ، وكيل الاتهامات ورصد الأخطاء وتلمس المعايب التي لا يخلو منها بشر. وهذا لا شك أنه لا يجدي في مجال الدعوة شيئاً ولا يقطف ثمرة طيبة، إذا لم يتم إحاطته بأمور أخرى من أمور الدعوة، بل يجلب الكثير من الخصوم ويوغر الصدور ويجعل الآخر يتمترس ضد خصمه.
الداعية، رجل جذب لا تنفير
لذلك ينبغي للدعاة أن يعرفوا أنه مهما كانت خصومة الآخرين ومهما وصل الكيد والمكر من جهتهم لخصومهم، فإن الداعية يظل داعية، لا يثأر لنفسه ولا يعالج الأمور بمجرد ردود الفعل الآنية، بل يصبر ويحتسب مع استخدام الأساليب التي قد تجعل من العدو صديقاً ومن المحارب للدعوة نصيراً.
وإذا كان منهج القرآن الذي أشرنا إليه ونصحنا بالاستنارة به، هو المنهج الذي تعامل به الرسول صلى الله عليه وسلم مع أعداء الدعوة وخصوم الإسلام، فمن باب أولى أن يتعامل به الدعاة اليوم مع سائر المسلمين الذين يخالفونهم في رأي أو سلوك أو أهداف أو نحوها مما لا يُخرج عن الملة.
إن الأسلوب الذي تمارسه الصحف الإسلامية اليوم من حصر معايب الآخرين ونشرها، هو نوع من التشهير ومحاولة الحط من المدعو والتنفير منه، وهذا لا يعطي نتيجة طيبة. فالقرآن الكريم عندما استخدم هذا الأسلوب استخدم معه أساليب كثيرة، كلها كانت متعاضدة توصل إلى غاية محمودة وتقطف الثمار المطلوبة، إما في إقامة الحجة بالدليل والبرهان الناصع وإما في الوصول بالآخر للانشراح للحق والاهتداء إليه والاستمساك به، وهذه هي الغاية من الدعوة. والدعاة أطباء رحماء مشفقون بمن يدعونهم، يعرفون أن المدعو مصاب بأدواء وأن التعامل مع الأدواء يحتاج إلى حكمة ورفق ولين وكمال معرفة، وصبر على نفور المريض من الدواء الذي قد لا يقبله -لمرارته- في أول وهلة بيسر وسهولة.
الأسلوب القرآني في الدعوة إلى الله
1-الحوار مع الأعداء: وهذا الأسلوب ورد كثيراً في القرآن الكريم، بدءاً بالحوار مع إبليس الذي استكبر عن الامتثال لأمر الله عز وجل وحلت عليه لعنة الله، وكذا حوار الأنبياء مع أقوامهم، الذي كان من أبرز معالم الدعوة إلى الله تعالى، والذي ظهر من خلاله إقامة الحجة والبرهان على الخصوم، وتساقطت معه كل دعوى وشبهة عند المعاندين الجاحدين ضد الرسل وما أرسلوا به. والأمثلة في القرآن معلومة عند كل قارئ لكتاب الله تعالى، ولا يحتاج هذا الأمر إلى مزيد من الإيضاح ولا إلى ذكر نماذج له.
2-ذكر حجج الأعداء وتفنيدها: من ذلك إنكارهم وحدانية المعبود سبحانه، واستنكارهم إبطال ما كان عليه آباؤهم من عبادة غير الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾(ص:4-6)، وهذه الدعوى الباطلة جاء القرآن بتفنيدها بصور كثيرة منها:
بيان عجز ما يعبدون من دون الله، وأنها لا تملك لنفسها ولا لغيرها ضراً ولا نفعاً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج:73-74).
الاستدلال بما يعترفون به من وحدانية الله سبحانه في الخلق وتصريف أمور الكون، وفي الإحياء والإماتة والرزق وغيرها على صحة ما ينكرونه ويجادلون فيه من وحدانيته سبحانه في العبادة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾(يونس:31-36).
لجوؤهم إلى الله سبحانه وحده عند نزول الضر بهم وعدم التوجه إلى شيء من المعبودات الأخرى، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾(الأنعام:63-64).
التشنيع عليهم في التقليد الأعمى الذي لا يقوم على دليل ولا برهان سوى مطلق المتابعة التي ألغوا معها عقولهم وصادروا تفكيرهم، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾(البقرة:170)، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾(المائدة:104) إلى غير ذلك من الطرق التي جاء فيها إبطال ما هم عليه من الشرك في عبادة غير الله تعالى.
3-إبطال دعواهم أن القرآن من افتراءات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه غير منزل من عند الله سبحانه، قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾(الأنبياء:5). وكان أعظم رد على هذا الافتراء أن تحداهم الله سبحانه وتعالى بأن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل عشر سور منه أو بمثل سورة، فلما عجزوا -وهم أهل الفصاحة والبلاغة- وكانوا شديدي الحرص على إبطال دعواه، وكان ذلك دليلاً دامغاً على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، كما جاءت آيات أخرى مثل قوله تعالى: ﴿الر * كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾(هود:1)، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾(المائدة:104) إلى غير ذلك من الطرق التي جاء فيها إبطال ما هم عليه من الشرك في عبادة غير الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(الأعراف:52)، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾(الفرقان:6)، وقوله سبحانه: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾(النحل:102-103)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(فصلت:41-42). كل هذه الآيات تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن في هذا سوى مبلغ عن الله تعالى والآيات في وصف القرآن، وبيان عظمته والغاية التي من أجلها أنزل القرآن كثيرة جداً.
4-إبطال إنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم: فالمشركون كانوا ينكرون أن يكون الرسول بشراً، فتارة يقولون: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾(الزخرف:31)، وتارة قالوا: ﴿مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾(الفرقان:7)، وأحياناً يطلبون منه آيات خارقة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾(الإسراء:90).
وقد جاء الرد عليهم في صور كثيرة منها: بيان سنة الله تعالى التي جرت في أن يبعث إلى الناس بشراً مثلهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾(يوسف:109).
وهؤلاء الرسل البشر من شأنهم أن يأكلوا الطعام ويمشوا في الأسواق، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾(الفرقان:20)، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾(الأنبياء:7-8).
بيان أن إرسال ملك مكان البشر لا يكون إلا إذا كان المرسل إليهم ملائكة، قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً﴾(الإسراء:95).
عدم قدرة البشر تحمل رؤية الملك على حقيقته في الدنيا، لأنهم إذا رأوه على حقيقته فإما أن يُصعقوا عند رؤيته، وإما أن يجعله الله بشراً يأنسون به ويطيقون التعامل معه، وعند ذلك يحصل اللبس عندهم، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾(الأنعام:8-9).
5-مجادلتهم في أمر البعث والنشور، وجحودهم العودة إلى الحياة مرة أخرى كما قال تعالى عنهم: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾(الجاثية:24)، وقال تعالى: ﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ﴾(الواقعة:47-48)، وأمثال هذه الآيات التي تتحدث عن جدالهم ومكابرتهم في أمر البعث والنشور كثيرة.
وقد جاء الرد على ذلك بصور كثيرة منها:
أ- تنزيه الله سبحانه وتعالى عن العبث في الخلق وبيان أن عدم البعث والنشور لمجازاة المحسن والمسيء ما هو إلى ضرب من العبث، لأن الدنيا ليست دار جزاء ولابد من أن يأخذ كل شخص جزاءه، وهذا لا يتم إلا بعد البعث والنشور. ففي قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾(المؤمنون:115)، وقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾(القِيامَة:36-40)، وقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾(ص:27-28)، وأمثال هذه الآيات كثيرة في القرآن الكريم…
بـ- لفت النظر إلى ما يجريه الله سبحانه وتعالى من الإحياء بعد الموت في هذه الحياة، للإشارة إلى أن من قدر على ذلك فهو كذلك قادر على إحياء الموتى في الحياة الآخرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾(البقرة:243) وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾(البقرة:260).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(البقرة:72-73)، ومما ورد في هذا ما أجراه الله سبحانه وتعالى لعبده ورسوله عيسى عليه السلام من إحياء الموتى بإذن الله، وكذلك إحياء الأرض بعد موتها، والآيات في هذا كثيرة…
جـ- بيان أن الإعادة أهون من البدء -أي في نظر الإنسان- والكل هين في حق الله سبحانه وتعالى. وهم يعترفون بأن الذي بدأ الخلق هو الله وحده، فإذا آمنوا بأن الله عز وجل هو الذي بدأ الخلق فقد لزمهم أن يؤمنوا بما هو أهون من ذلك وهو الإعادة، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾(يس:78-79)، وقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(الواقعة:58-62).
د- لفت النظر إلى بعض مخلوقات الله سبحانه وتعالى التي هي أعظم وأجل من خلق الإنسان، وكأنه قيل لهم: أفيعجز الذي خلق هذه المخلوقات العظيمة أن يعيد هذا المخلوق الضعيف -وهو الإنسان- إلى الحياة مرة أخرى، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾(النازعات:27)، ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(غافر:57).
ومن أساليب الدعوة في القرآن الكريم، استخدام العدل معهم والوصية بالتعامل معهم بالعدل، فالظلم قبيح في منهج الإسلام حتى مع العدو.
من ذلك أن القرآن عندما يذكر بعض مساوئ الأعداء لا يعمم الحكم في حقهم عندما يكون بعضهم أبرياء من ذلك، وإنما يسند السوء إلى بعضهم كقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾(آل عمران:75)، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾(التوبة:58)، ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾(آل عمران:69).
ومن أساليب القرآن الكريم في الوصية بالعدل مع العدو، قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾(المائدة:8)، وفي شأن اليهود يقول سبحانه: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(المائدة:42). ويحذر سبحانه وتعالى من الخيانة حتى مع العدو فيقول: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾(الأنفال:58)، أي أعلمهم بطرح العهد الذي بينك وبينهم، حتى تكون أنت وإياهم مستوين في العلم بذلك وحتى لا تفاجئهم بالقتال، فإن ذلك خيانة والله لا يحب الخائنين.
وقال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾(الأنفال:72)، ويقول تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾(الممتحنة:8).
ومن أساليب القرآن في الدعوة، ذكر بعض محاسن الآخر، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾(آل عمران:75)، ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾(آل عمران:113-114)، ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾(المائدة:82-83)، ويقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾(القصص:52-53).
ويقول سبحانه وتعالى عن صالحي أهل الكتاب: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾(الإسراء:107-109).
ويقول تعالى عن أتباع عيسى عليه السلام: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً﴾(الحديد:27).
ومن منهج القرآن في الدعوة، فتح باب التوبة لكل العباد مهما كانت معاصيهم، وعدم تيئيسهم من رحمة الله سبحانه وتعالى، ورد ذلك بأساليب متنوعة، من ذلك قوله تعالى في شأن المشركين: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة:5)، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾(التوبة:11).
وقال تعالى في شأن المنافقين: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾(النساء: 146-147).
وقال في شأن النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(المائدة:73-74).
وقال سبحانه وتعالى في شأن طوائف الكفر مقرونين بذكر المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(البقرة:62).
وقال تعالى في شأن جميع العصاة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(الزمر:53).
ومن منهج الإسلام في الدعوة والترغيب في الإسلام، التوجيه بحسن التعامل مع كل من أظهر الإسلام وعصمة دمه وماله وعرضه، ومما جاء في ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾(النساء:94).
وأخيراً فإن الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج إلى طول ممارسة وصدق مع الله سبحانه وتعالى وحسن سلوك، يتمثل فيه القدوة الحسنة وثبات على الحق وحكمة في التعامل مع الناس، وعدم يأس وصبرٌ على البلاء، وفهمٌ صادق لنصوص الكتاب والسنة، وزهد عما في أيدي الناس وإبراز لمحاسن الإسلام والسعي في تحويل الإسلام من الجانب النظري البحت إلى الجانب العملي، والاهتمام بالتزكية للنفوس والتدرج في حمل الناس على التكاليف -وبخاصة في المجتمعات التي كثر فيها الانحراف- وحُسن اختيار الأساليب والألفاظ التي تفتح البصائر لمعرفة الحق وترغب فيه، إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يَعدَمَه مَن يصدق مع الله سبحانه وتعالى.