من المعروف أن المادة الأساسية في صناعة الحبر هي السخام، اللهم الحبر الذي استحدثه المعماري سنان من السخام المنبعث من القناديل إلى فضاء مسجد السليمانية بإسطنبول. والملفت للنظر في هذا الحبر تسميته بـ”حبر الحاج”، حيث كان السخام الذي يجمع في السليمانية، يوضع في البراميل المعبأة بالصمغ العربي والماء الصافي، ثم يرسَل إلى الحج على متون جمال قافلة المحمل النبوي الشريف ليسير في رحلة تستغرق -ذهابًا وإيابًا- ستة أشهر تقريبًا إلى الأراضي المقدسة، إذ ينخضّ خلال الرحلة انخضاضًا متواصلاً فيختمر فيتحول إلى حبر إذا ما جرى على الورق تغلغل في مساماته وظل على سطحه أبد الدهر لا ينمحي ولا يزول حتى وإن مسه ماء أو أية مادة سائلة. هذا وقد استخدم العثمانيون هذا الحبر في خط القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة أو الفرمانات السلطانية السياسية والدينية والإدارية من قبل خطاطين بارعين.
لقد استحدث المعماري “سنان” فتحات صغيرة أسفل قبة جامع السليمانية جعلها في اتجاهات مختلفة ليتمكن من الحصول على تيار صاعد يجذب وراءه السخام المتصاعد من القناديل -البالغ عددها 275 قنديلاً- فيجمعه عبر هذه الفتحات في مكان معين للإفادة منه في صناعة الحبر. ولهذا الغرض قام المعماري “سنان” بحسابات هندسية دقيقة، فأنشأ غرفة فوق المدخل الرئيسي لجامع السليمانية، ثم وضع فيها العديد من المصافي حيث ضمِن عن طريقها امتصاص السخام المتصاعد من القناديل، وبعد ذلك أخذ هذه المصافي فغمسها في الماء فذاب السخام وتحول إلى حبر. وبهذه الطريقة وفِّق المعماري “سنان” في اجتياز مشكلةِ تراكم السخام على نقوش الجامع العليا ونجح في حماية الجدران من السخام الناتج من قناديله.