لعب “القلب البشري” عبر العصور والحضارات أعظم الأدوار.. فالحضارات منبعها حماس هذا القلب وشهامته واستشرافاته العالية وتطلعاته السامية.. فالفكر والفلسفة والشعر والأدب والفن وكل الوجدانيات في هذا العالم وكل الأفكار، هي من روافد هذا القلب. فهو في الحقيقة صانع الحضارات وباني المدنيّات ورافع الأمم إلى أعلى المقامات… فلا جرم أن نرى الأستاذ “فتح الله كولن” يكرس افتتاحية هذا العدد من “حراء”، للكلام عن ضرورة أن يكون للقلب البشري سلطنة روحية على مجمل حياة الإنسان، لكي يكون قادرًا على الارتقاء في سلّم المعارف عامة وسلّم المعرفة الإلهية خاصة.
والعلم هو واحد من الآيات التي جعلها الله تعالى حجة على الإنسان لكي يتعرّف عليه ويتعبّد له ويقوم بشكره.. فمقال الأستاذ “عبد المجيد بلعابد” “من الإنبات إلى النبات” يشير إلى واحد من نماذج الإعجاز الإلهي في خلقه ومخلوقاته.. وعن “أشواق الروح” يكتب الأستاذ “أديب الدباغ” وكأنه يرفد المعاني الكبرى التي جاءت في مقال الأستاذ “فتح الله كولن”، مبينًا أن مشكلات هذه الأمة ناجمة عن عجزها عن إشباع جوعة روحها قبل جوعة بطنها.. والأستاذ “عماد الدين خليل” يكتب عن “مفارقة الإنسان والتقدم” مستشهدًا ببعض آراء مفكري الغرب في ضرورة إيقاف عجلة الحضارة عن التدهور السحيق في ماديات الحياة الدنيا.. ويأتي الأستاذ “عبد الحليم عويس” ليكتب في “إحياء علوم الدين والدنيا معًا” وليس علوم الدين فقط، كما هو كتاب الغزالي “إحياء علوم الدين”.. وعن “زيت الزيتون” وفوائده الصحية يكتب الأستاذ “حسان شمسي باشا”.. وفي الحضارة يكتب الأستاذ “عبد الإله بن مصباح” “الإنسان والبناء الحضاري”.. والأستاذ “عرفان يلماز” بعد أن انتهى من تشريح الجسم البشري مع تلميذه “عبد الله” فهو الآن يستنطق “عبد الله نفسه” لكي يشكر بلسان البشر جميعًا الخالق العظيم على إنعامه عليهم.. هذا الإنسان الذي تشكل كل جارحة من جوارحه آية من آيات الله تعالى تستوجب الشكر والامتنان.. وعن الإيمان وآثاره الشفائية، كما يقرر ذلك “علم الطب” يكتب “العطري بن عزوز” مستعرضًا شهادات الكثير من أطباء الاختصاص، ومن تجاربهم في هذا الشأن..
ومجلة “حراء” بمحرريها وبالقائمين على شؤونها، تنعي إلى قرائها بعظيم الحزن والأسى واحدًا من الرواد الأوائل الذين ساهموا بالكتابة فيها وهو الأستاذ الراحل “عبد الحليم عويس” الذي وافاه الأجل المحتوم بعد سنين من معاناته من مرضه العضال.. كما تنعي في الوقت نفسه الأستاذ “أحمد بهجت” الصحفي المصري الشهير الذي كان هو أيضًا، من الكتّاب الأوائل الذين ساهموا بكتاباتهم على صفحات “حراء” منذ أعدادها الأولى.. تغمدهما الله برحمته الواسعة وأسكنهما فسيح جناته.