يتكون جسم أو جدار المعدة من طبقتين رئيستين: طبقة عضلية مكوَّنة من ثلاث طبقات من الألياف العضلية (خارجية طولية، ووسطى دائرية، وداخلية مائلة). ووظيفة عضلات المعدة؛ طحن الطعام وخلطه بعصارة المعدة حتى يصبح سائلاً غليظ القوام هو “الكيموس”، ثم دفعه نحو الأمعاء الدقيقة بفضل موجات من التقلص، تسري في المعدة من أعلاها إلى أدناها مرة كل عشرين ثانية، وهو ما نسميه “التمعج”.
أما الطبقة الأخرى، فهي الغشاء المخاطي الذي يتجمع في ثنيات طويلة عندما تخلو المعدة، ولكنه ينبسط عندما تمتلئ وتكسو الغشاء طبقة من المخاط، لها أهمية كبيرة في حماية جدار المعدة، وتنتشر بالغشاء المخاطي المبطن لجدار المعدة (35) مليون غدة معدية، وهي المعروفة بـ”الليزوسوم” (Lysosomes)، وهي عبارة عن تركيب خلوي (Organelle) يفرز أنزيمات لتكسير وتفكيك المواد الغريبة في داخل الخلية، حيث يقوم بإفراز العصارة المعدية بواقع ثلاث لترات يوميًّا. هذه العصارة المعدية تتكون من خميرة أو أنزيم “الببسين” (Pepsin)، وأنزيم الرينين، وحمض الهيدركلوريك، بالإضافة إلى العامل الداخلي المنشأ اللازم لامتصاص فيتامين (ب12).
يعمل أنزيم الببسين على هضم البروتينات -فقط- هضمًا جزئيًّا على هيئة ببتونات، وبعد ذلك تعمل أنزيمات الأمعاء على إتمام الهضم. والببسين يفرز في المعدة على شكل غير فعال، حتى إذا وصل إلى تجويف المعدة، حوله حمض الهيدركلوريك إلى الشكل الفعال، وذلك للحيلولة دون قيام هذا الأنزيم بهضم البروتينات في الخلايا التي تفرزه وهي الليزوسوم.
وظيفة المعدة
وظيفة المعدة الأساسية هي هضم المواد الغذائية التي نتناولها وخاصة المواد البروتينية، أي تكسيرها إلى جزيئات صغيرة، حيث تقوم جدران المعدة القوية بالضغط على الطعام لأربع ساعات يتحول بعدها الطعام إلى شبه سائل.
ومعنى الهضم، أن يتم تكسير كل الأجزاء الكبيرة إلى أبسط صورها، إما ليتم امتصاصها مباشرة إلى الدم، أو أن يقام عليها عمليات أخرى ليتم هضمها إلى أبسط ما يمكن أن يمتص بالدم.
فإن لم يتم ذلك التكسير بصورة جيدة، وجدنا المشكلات الصحية الكبيرة؛ كسوء التغذية والأنيميا، وعدم هضم البروتين والانتفاخات، وغيره من أمراض الجهاز الهضمي التي كثيرًا ما تؤرق الناس كلهم. وللمعدة أربع وظائف أخرى، هي التخزين، والخلط، والإفراز، والتخلص من البكتريا؛ إذ تعتصر جدران المعدة الطعام وتطحنه، وتعجنه وتخلطه بالعصارة المعدية.
والمعدة دورها حيوي ليس فقط في هذه الصورة، وإنما أيضًا لأنها تعادل المواد التي تدخل إليها معادلة “أس هيدروجينية”، بمعنى أن تنظم المعدة الرقم الهيدروجيني بما يناسب الحامضية التي يكون عليها الدم. لأنه لو ابتلع الإنسان شيئًا حامضيًّا أو قلويًّا، كيف يسير إلى تيار الدم بهذه الصورة؟ فهو خطر على جميع الخلايا والأنسجة الأخرى. لذا فدور المعدة، معادلة هذه الحامضية إلى أن تصل لنفس درجة حامضية الدم، هذه المعادلة هي ما يطلق عليها “PH”.
لماذا لا تهضم المعدة نفسها؟
المعدة من لحم… والمعدة تهضم اللحم… فلمَ لا تهضم المعدة نفسها؟!
المعدة لها غشاء مخاطي يقوم بوقاية بطانة المعدة من حمض الكلور وأنزيم “الببسين”، ولكن لا يوجد غشاء يحمي باقي عضيات الخلية من تأثير هذه الأنزيمات، لأن الأنزيمات الهاضمة موجودة فقط داخل هذه العضيات: الليزوسوم وهي تقوم بابتلاع الأجسام الغريبة المراد هضمها إلى داخلها ثم تقوم بهضمها، وبذلك تبقى الأنزيمات معزولة عن باقي أجزاء الخلية؛ وذلك عامة أحد طرق موت الخلايا المريضة أو الخلايا التي انتهى عمرها عن طريق انفجار هذه العضيات، وتسرب الأنزيمات إلى باقي أجزاء الخلية وتحللها، ثم موت الخلية (Apoptosis).
ولماذا لا تقوم هذه الأنزيمات بهضم الليزوسوم وباقي التراكيب الخلوية (Organelle) الموجودة داخل المعدة؟
إن الانحناءات في جدار المعدة الداخلي والتعرجات، موجودة في القناة الهضمية، ويختلف عمقها من مكان لآخر حسب الوظيفة للمكان التي توجد فيه. نراها في المعدة تكاد تكون معدومة، وهذا لأن الطعام هنا يُهضَم، أي لابد أن يكون الوعاء أملس تمامًا لجودة العملية واختلاط الطعام تمامًا بالعصارة المعدية ليتم هضمه جيدًا.
والمعدة فيها تعاريج بسيطة جدًّا، وفيها معادلة للأحماض والقلويات (PH) التي تدخل الجسم، معنى هذا أن المعدة بها آلية خطيرة جدًّا لتحميها من الأحماض والقلويات؛ لتحمي جدارها أولاً، ولا تهضم نفسها من عصارتها الذاتية التي تفرزها، ومن الأحماض والقلويات التي ترد إليها من الخارج. كما أن المعدة بها غشاء سميك جدًّا من المخاط (Mucus)، هذا المخاط يعمل كعازل بين ما هو داخل المعدة وخلايا المعدة.
هذا الغشاء متصل متساوي السُّمْك في الجدار الداخلي للمعدة، إلا من بعض المناطق التي تُخرج منها المعدة عصارتها المعدية، سنجد عندها أن الغشاء المخاطي خفيف، وعادة ما يكون مركز هذه القنوات للداخل في التجاويف البسيطة جدًّا لسطح المعدة الداخلي.
أما هذا المخاط فتفرزه خلايا متخصصة اسمها “الخلايا المخاطية” (Goblet Cells) التي تفرز كمية كبيرة جدًّا من المخاط يوميًّا، وهي منتشرة بكثرة في الجدار الداخلي للمعدة لتجدد تلك الطبقة العازلة للمعدة.
يرجع ذلك إلى أن الله سبحانه وتعالى قد بطّن جدار المعدة من الداخل ببطانة عجيبة معجزة، تتجدد خلاياها بسرعة مذهلة تصل إلى نصف مليون خلية في الدقيقة، بحيث تتجدد في فترة تتراوح بين يوم إلى ثلاثة أيام. وهي بذلك تفوق السرعة التي تعمل بها العصارة المعدية بما تحتويه من حمض الهيدروكلوريك والأنزيمات الهاضمة الأخرى لإذابة تلك البطانة، كما أن هذه الخلايا المتجددة دائمًا، تعمل على تكوين حاجز سميك تفصل به غشاء المعدة وجدرانها الداخلية عن الحمض والأنزيمات الهاضمة، وهذا ما يُطلق عليه “الحاجز الميكانيكي”.
في الوقت الذي تتدفق فيه العصارة المعدية إلى تجويف المعدة لتختلط بالطعام، فإن بطانة المعدة تقوم بإفراز المخاط وهو قلوي التأثير، إذ يلتصق هذا المخاط بغشاء المعدة وكأنه مرهم أو كريم، ويقوم بمعادلة الحمض ويمنع تأثيره. والمخاط بذلك يعمل كحاجز كيميائي يحمي غشاء المعدة وجدرانها من التآكل أو الهضم.
خلايا المعدة قلوية التأثير، وهي بذلك غير مناسبة لنشاط وعمل أنزيم الببسين، كما أن الغشاء الذي يغلّف الخلايا المبطنة للمعدة له خاصية عجيبة، حيث لا يسمح هذا الغشاء بنفاذ أنزيم الببسين وكذلك حمض الهيدروكلوريك.
تحتوي خلايا بطانة المعدة على مضادات للأنزيمات الهاضمة، وتقوم هذه الخلايا بالالتصاق مع بعضها التصاقًا وثيقًا، بحيث لا تسمح بالنفاذ لأي مادة هاضمة من تجويف المعدة إلى جدران المعدة الداخلية.
إذن، كلما توغلنا في أسرار خلق الله وعايناه كلما شعرنا بمدى جهلنا وضآلة علمنا… وصدق الله حين قال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(الإسراء:85)، ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(المؤمنون:14).