في مقاله لهذا العدد من “حراء” يشير الأستاذ “فتح الله كولن” إلى خاصية “الإثنينية” في طبيعة “النفس البشرية”، فقد فطرت هذا النفس على الجمع بين الشيء ونقيضه، بين الخير ونقيضه، والحق ونقيضه، والعدل ونقيضه، والجمال ونقيضه… والصراع بين هذه الأضداد قائم ودائر، وقد يفضي في خاتمة الصراع إلى انتصار أحد النقيضين على الآخر، ولما كانت “الفطرة” لها في سحيق الروح مكانة عظيمة، تؤثر فيها وتتأثر بها، تعطيها وتأخذ منها، لذا فأيُّ استلاب أو طمس أو مسخ أو تخريب للفطرة، يؤثر في الروح، ويضعف قدرتها على إحداث التغيير المطلوب في الفرد والمجتمع.فانجذاب الأرواح إلى معسكر الخير أو معسكر الشر، هو نتيجة ما يؤول إليه الصراع بين الأضداد، فإن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وهذا هو الذي يميز الروح الطيبة عن الروح الخبيثة.
ومسألة أخرى هي الأعظم من كل المسائل، ألا وهي مآل كل من الروحين ومصيرهما الأخروي. فالفطرة إذن إما أن تكون عامل بناء وإعمار في الدنيا وسعادة في الآخرة، أو تكون عامل تدمير وتخريب في الدنيا وشقاء في الآخرة.
أما مقال “رحلة في مقامات الوصال” للدكتور “الحسن الغشتول” فهو قطعة أدبية وفنية رائعة، يتحدث من خلالها عن رحلته إلى الأماكن المقدسة في “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة”، ويقف عند غار “حراء” في جيَشان فكري وروحي يدل على عمق هذا المكان المبارك في ذاكرته الدينية، وعمق ما يستثيره من ذكريات حبيبة عن نبي “الغار” صلى الله عليه وسلم.
والدكتور “عمار جيدل” يتحفنا بمقال قيم عن المفكر الداعية محمد البشير الإبراهيمي، وعن فقه بعث الفاعلية الفكرية والروحية في كتابات هذا المفكر العملاق.
وعن ابن زهر، أحد أعلام رجال الطب في الحضارة الإسلامية وعن أبحاثه القيمة ودراساته في علم الأورام، سبقه في ذلك نجده في قلم الدكتور “بركات محمد مراد”. وعن مرض “الاكتئاب” مرض العصر وطرق التعافي منه، تحدثنا “سعاد الولايتي” عن خبرتها بهذا الخصوص في مقالها الطبي “إضاءات للتعافي من الاكتئاب”.
والدكتور “محمد جكيب” يحدثنا في مقاله القيم عن سلطة الكلمة وقوتها، وعن الأدب في ظل البيان، فيبدع أيما إبداع فيقول: “إن مادة الأدب هي اللغة بكلماتها وآفاقها الدلالية وصورها الفنية البلاغية، لكن الغذاء الذي يغذيها يقطف من عالم المشاعر والوجدان والأحاسيس ومن كل جميل”.
ونود التنويه بمقال الدكتور حامد إبراهيم الموصلي “التنمية الذاتية” وعلاقة ذلك كله بنهضة الأمة، فالجهد الذاتي، أحد أهم أسباب النهوض للأفراد والأمم، لأن تثوير الطاقات الذاتية الأصيلة هو القاعدة الأساس في أي استنهاض أو نهضة.