منذ أن تفاقمت الحيرة الذهنية أو “نصف الجنون” الذي أدخل العالمَ في فوضوية فكرية عارمة وسلوكية أخلاقية هابطة، منذ ذلك الوقت والمفكرون الإصلاحيون يحاولون جهد إمكانهم إعادة البشرية إلى شيء من الموازنة والاتزان، وذلك بإيقاظ قواها الذهنية الراقدة، وحفز قواها الروحية الساكنة، وإعادة الإنسان إلى الوسطية والاعتدالية. هذا الإنسان الذي تعتصره الحيرة، وتذهب به بعيدًا في شطط من القول وشطط من الفعل، والموازنة بين جانبيه المادي والإلهي، فالكون الذي نحن جزؤه الأهم والأعظم، يضبطه النظام ويشدُّ أَصْرَه الميزان. وهذا هو ما يعالجه الأستاذ “فتح الله كولن” في مقاله الافتتاحي المعنون بـ”من الفوضى إلى النظام”.
ثم ونحن نقلِّب صفحات “حراء”، يطالعنا “عصام أحمد البشير” في مقاله القيم عن أثر الشباب الناهض في صناعة مستقبل أممهم، غير أنه لا ينسى أن يذكّرنا ببعض الأزمات والمعوقات التي كثيرًا ما تعترض طريقهم في مشاريعهم النهضوية، ثم يعود ليربط ذلك كله بمفهوم ” الأمن القومي”، الذي يرى الكاتب أن الشباب يمثلون الجانب الأكبر من جوانب هذا الأمن… صفحة مترعة بالمشاعر ومفعمة بالأحاسيس يسطّرها قلم “محمد باباعمي” في “حبيبتي يا زهرة اللاّله”، وهي تنمّ عن جمالية نفس الكاتب وتَحسّسه لمكامن الجمال في الحياة والطبيعة.
وعن” ذات الرقبة الطويلة” يكتب “عرفان يلماز” بحثًا علميًّا عن رقبة “الزرافة” وطولها، وعن سرِّ ذلك وأهميته في إعانتها على التأقلم مع الحياة الطبيعية التي تعيش فيها… وإذا كانت قوة عُملة أي دولة دليلاً على قوة هذه الدولة ومكانتها بين الدول، فـ”بركات محمد مراد” يكتب عن “سَكّ العملة في الحضارة الإسلامية” ومدلولات ذلك من الناحية الثقافية والحضارية والسياسية لأمم الإسلام… وأما “أحمد مختار مكي”، فقد كتب يذكّرنا بأهمية القصص الهادفة في ترسيخ القيم والمثل الأخلاقية والسلوكية عند الأطفال، وأهمية ذلك في غرس هذه القيم في نفوسهم بشكل قصصي ممتع.
وعن الوعي الحضاري والانتقال به من مرحلة الوعي الفكري إلى مرحلة الفاعلية في النباء الحضاري، فقد كتب عن ذلك “جاسم سلطان” مبيّنًا أسس هذا الوعي وطريقة تكوينه ثم تفعيله في المجتمع والأمة.
وفي بحثه الشيق يكتب “أحمد عبادي”، “المسلمون وحقوق الإنسان”، وهو تتمة للجزء الأول من هذا المقال، وهو بحث جيد ككل أبحاثه التي يتحف بها قرّاء “حراء” بين وقت وآخر… وعن صفحة من صفحات فكر “النورسي” رحمه الله، يتحدث “حمدادو بن عمر” عن اعتماد الحوار الإقناعي في فكر “النورسي”، مع إيراد أمثلة ونماذج من هذه الحوارات… و”نور الدين صواش” وكما هي عادته دائمًا، يكتب عن إحدى مَبَرّات السلطان “عبد الحميد الثاني” في بعض رعاياه.
وختامًا نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العدد من “حراء” بمقالاته زادًا للفكر ونبعًا للروح والوجدان.