تلعب الدافعية دورًا محوريًّا في العملية التعليمية، فهي المحرك الأساسي الذي يدفع الطلاب نحو تحقيق أهدافهم الأكاديمية وتطوير قدراتهم الذاتية. ومن خلال فهم المعلمين لطبيعة الدافعية، يمكنهم توظيفها بفعالية لتحفيز الطلاب وإشراكهم في بيئة تعليمية ملهمة. والدافعية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي عامل ديناميكي ينبع من داخل الفرد أو من بيئته المحيطة به، ويدفعه للعمل بجدية لتحقيق النجاح. كما يُعدُّ الدافعُ المحركَ الأساسي وراء كل سلوك بشري بما في ذلك التعلم، حيث يتعلق بالسؤال المحوري: “لماذا نتصرف؟”. ويُشكل الدافعُ حجرَ الزاوية في النجاح، سواء في الحياة العملية أو الأكاديمية، إذ يحفّز الفرد ويوجه سلوكه نحو تحقيق الأهداف. ووفقًا لما ذكره أحد علماء النفس: “يُعتبر الدافع إثارة للاهتمام بالتعلّم، وهو العامل الأساسي في تحقيقه”.
لذلك، فإن فهم طبيعة الدوافع وأنواعها، مع القدرة الإبداعية على استغلالها بفعالية، يُعد من أولويات المعلمين الذين يسعون إلى تسريع عملية التعلّم، وتمكين التلاميذ من استثمار إمكاناتهم الكامنة إلى أقصى حدودها. ومن خلال هذا الفهم، يستطيع المعلم أن يطور حساسيةً تجاه احتياجات التلاميذ وشهواتهم ورغباتهم، مما يتيح له إيجاد بيئة تعليمية ملهمة تحفّز الإبداع والتفوق. فالتحفيز لا يقتصر فقط على كونه أداة لتوجيه السلوك، بل هو عملية مستمرة تدفع الإنسان لاستكشاف طاقاته وتجاوز التحديات، مما يجعله عاملاً حيويًّا في بناء مجتمع قائم على التعلم والابتكار.
تعريف الدافع
يعرَّف الدافع على أنه الميل الطبيعي للفرد للتصرف بهدف إحداث تأثير أو تحقيق هدف معين، كما أشار “أتكينسون”: “الدافع هو الميل إلى التصرف لإحداث تأثير أو أكثر”. ويُعد الدافع إحدى القضايا المحورية في علم النفس التربوي، حيث يُؤكد “جيتس” أن: “الدافع هو المشكلة الأساسية في علم النفس التربوي”. وفي سياق التعلم المدرسي، يعرِّف “ب. أف. سكينر” الدافع بأنه: “عملية تشمل إثارة السلوك المرغوب فيه، والحفاظ عليه، ودعمه وتوجيهه نحو تحقيق غايات تعليمية”. من خلال هذه التعريفات، يمكننا استنتاج أن الدافع ليس مجرد محفِّز عابر، بل هو عملية ديناميكية تُوجّه الجهود الإنسانية نحو أهدافها، مما يجعله ركيزة أساسية في مجالات التعليم وعلم النفس والتنمية الشخصية.
أنواع الدافع
يمكن تقسيم التحفيز إلى نوعين رئيسيين: الدافع الداخلي والدافع الخارجي، وكلاهما يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك الإنسان وتحقيق التعلم الفعّال.
١- الدافع الداخلي:
الدافع الداخلي هو القوة التي تنبع من داخل الإنسان، ويعتمد على مشاعره وقيمه الذاتية التي لا تتأثر بالعوامل الخارجية. إنه يُعبّر عن الحاجة الطبيعية والرغبة الفطرية التي تدفع الفرد لتحقيق أهدافه؛ فعلى سبيل المثال، حين يسعى الإنسان العطشان للحصول على الماء، يكون الدافع هنا داخليًّا نابعًا من حاجته البيولوجية. وهذا النوع من الدافع يرتبط بغرائز الإنسان ومشاعره الداخلية، ويُعتبر أساسًا في تحقيق التعلم بأعمق استدامة وأكثرها. فالطالب الذي يتعلم بدافع داخلي، لا يسعى فقط للحصول على درجات، بل لتحقيق ذاته وفهم العالم من حوله.
٢- الدافع الخارجي:
أما الدافع الخارجي فهو القوة التي تأتي من الخارج وتحفّز الإنسان على العمل. وينشأ هذا النوع نتيجة المحفزات الخارجية، مثل المكافآت أو التقدير أو العقاب. وفي هذا السياق، يمكن أن يكون الدافع حلًّا لتعزيز اهتمام الشخص الذي يفتقر إلى الحماس أو الالتزام بعمل معين. ويلعب الدافع الخارجي دورًا مهمًّا في عملية التدريس والتعلم، حيث يمكن للمعلمين استخدام وسائل تحفيزية مثل الجوائز أو المديح، لتعزيز أداء التلاميذ وحثهم على المشاركة الفعّالة في العملية التعليمية.
تصنيف الدوافع
تُصنّف الدوافع أيضًا بناءً على احتياجات الإنسان الأساسية، لفهم طبيعتها وأدوارها بشكل أعمق. ويمكن تقسيمها إلى خمس فئات رئيسية:
أ- الدوافع الأولية (البيولوجية أو الفسيولوجية): الدوافع الأولية تنبع من الاحتياجات العضوية التي ترتبط بالبقاء، مثل الجوع والعطش والجنس. فالشعور بنقص الغذاء يُحفّز الجوع ويدفع الفرد للبحث عن الطعام، بينما ينشأ دافع العطش من جفاف الحلق والفم، مما يجعل تلبية هذه الاحتياجات أولوية ملحّة لدى الكائن الحي.
بـ- الدوافع الثانوية: الدوافع الثانوية تُشكّل نتيجة التعلم والخبرة، حيث ترتبط بأهداف أو حوافز مكتسبة. تصبح هذه الحوافز -مع الوقت- دوافعَ ثانوية تسعى لتلبية احتياجات معززة، مثل الرغبة في النجاح أو التقدير، وهي دوافع تُكتسب مع التفاعل مع البيئة المحيطة.
جـ- الدوافع النفسية: ترتبط الدوافع النفسية باحتياجات الفرد النفسية، مثل الحاجة إلى الأمان والحرية والمغامرة. وغالبًا ما تتداخل هذه الاحتياجات مع الاحتياجات الاجتماعية، وقد تؤدي النزاعات بين الاحتياجات النفسية إلى سوء التكيف أو السلوك المعادي للمجتمع. فالشعور بالأمان -على سبيل المثال- يُعدّ من أهم العوامل التي تدفع الإنسان لتطوير ذاته والتفاعل الإيجابي مع المجتمع.
د- الدوافع الاجتماعية: تتكون الدوافع الاجتماعية من خلال التفاعل مع الآخرين، وتشمل التنشئة الاجتماعية، وحب التملك، والعدوان، وتأكيد الذات، والسعي للموافقة الاجتماعية. وهذه الدوافع تعكس رغبة الكائنات الحية في العيش ضمن جماعات، حيث يُشكّل الانتماء إلى المجموعة، حاجة اجتماعية قوية تُحفّز الفرد على العمل لاستعادة مكانه إذا شعر بالانفصال عنها.
هـ- الدوافع الشخصية: الدوافع الشخصية تتعلق برغبة الفرد في تحقيق الذات والإنجاز والاعتراف بالقدرات. وتشمل دوافع التقدير، ودوافع الإنجاز، ودوافع تحقيق الذات. تسعى دوافع الـ”أنا” إلى دفع الفرد لتجاوز التحديات واكتساب المهارات والإتقان، مما ينعكس على تقديره لذاته وتعزيز مكانته الشخصية في المجتمع.
من خلال هذا التصنيف، يمكن فهم كيف تعمل الدوافع بمختلف أنواعها في تنسيق السلوك البشري، لتحقيق أهداف متنوعة على المستويات الفسيولوجية، والنفسية، والاجتماعية.
الدافعية في التعليم
الدافعية في التعليم تشير إلى العوامل التي تدفع الطلاب لبذل جهد إضافي في عملية التعلم بفاعلية. إنها سلوك داخلي موجه نحو هدف محدد لدى المتعلم. ومن الجدير بالذكر، أن الدافعية ليست غاية في حد ذاتها، بل هي أداة تسهم في تسهيل عملية التعلم. في هذا السياق، يُعتبر المعلم العامل الأساسي الذي يُحفّز المتعلم، ويشجعه على تحقيق المزيد من الجهد والتفوق الأكاديمي. تلعب الدوافع أيضًا دورًا محوريًّا في عملية التدريس، حيث يُعدّ فهم مبادئها وأبعادها شرطًا أساسيًّا لتوفير تعليم فعّال ومثمر.
العوامل المؤثرة على الدافع
١- المصالح: الاهتمامات الشخصية تُعتبر من أقوى عوامل التحفيز للطلاب، وفي غياب الاهتمام يضعف التعلم بشكل كبير. على سبيل المثال، الطالب الذي يهتم بعلم النبات، سيجد متعة وحماسة في اختيار مواضيع مرتبطة بمراقبة النباتات والزهور، مما يعزز دافعيته لدراسة هذا المجال.
٢- الرغبات الشخصية: الرغبة الشخصية للطالب تشكّل دافعًا قويًّا للتعلم. عندما يشعر الطالب بأن موضوعًا ما يحقق له فائدة مباشرة، فإنه يتحفز لتعلمه. على سبيل المثال، طالب جامعي يكرّس وقتًا أطول لتعلم اللغة الإنجليزية؛ لأن تحسين مهاراته فيها يخدم أهدافه في التواصل الفعال.
٣- الأهداف: الأهداف الشخصية للطالب تُعد محفزًا رئيسيًّا، إذ عندما تتطابق الأهداف التعليمية مع طموحاته، يصبح أكثر التزامًا. على سبيل المثال، إذا أراد الطالب أن يُصبح مهندسًا، فإن إدراكه لأهمية المواد التقنية، يدفعه إلى بذل جهد إضافي لتحقيق هذا الهدف.
٤- النجاح: النجاح السابق يُعزّز الثقة بالنفس ويعمل كدافع قوي للطالب، لمواجهة تحديات التعلم الجديدة. على سبيل المثال، الطالب الذي نجح في حل عدد من المسائل الرياضية، سيشعر بالحماس لحل المزيد، مما يعزز من تطوره الأكاديمي.
بهذه العوامل وغيرها، يمكن للدافعية أن تُصبح القوة الدافعة وراء التعلم الفعال، مما يجعلها عنصرًا أساسيًّا لتحقيق نجاح العملية التعليمية.
الدافع ودور المعلم
يلعب المعلّم دورًا محوريًّا في تحفيز الطلاب على التعلم داخل الفصل الدراسي. ومن خلال تبنّي إستراتيجيات مدروسة، يمكنه إنشاء بيئة تعليمية محفّزة تسهم في تعزيز رغبة الطلاب في التعلم وتنمية إمكاناتهم. وفيما يلي مجموعة من الأساليب التي يمكن للمعلمين -سواء المبتدئين أو المتمرسين- اتباعها لتحفيز الطلاب:
– تحديد أهداف واضحة لكل حصة دراسية: يجب أن يشعر الطلاب أن العمل الذي يقومون به، له قيمة حقيقية وهدف واضح.
– تنويع الأنشطة والأساليب التعليمية: استخدام مجموعة متنوعة من الأنشطة والمواد يجعل الحصص الدراسية أكثر إثارة وفاعلية.
– تشجيع المشاركة الشاملة: ينبغي أن يكون كل طالب جزءًا فعّالاً من العملية التعليمية، مما يعزز شعورهم بالانتماء.
– تعزيز المسؤولية الذاتية: يجب على المعلّم منح الطلاب مزيدًا من المسؤولية فيما يتعلّق بتعلمهم الذاتي، مما يُنمّي استقلاليتهم.
– تقديم تغذية راجعة مستمرة: يُفضَّل تسليم أوراق الاختبارات وإبلاغ الطلاب بنتائجهم بشكل فوري، حيث تسهم الملاحظات في تعزيز التواصل الفعّال بين المعلّم والطالب.
– ربط التعليم بالحياة العملية: عندما ترتبط الدروس بحياة الطلاب اليومية أو قضايا مجتمعية، فإنها تُثير اهتمامهم وتجعلهم أكثر تحفيزًا.
– توفير فرص للنجاح: ينبغي توفير مواقف تعليمية تمكّن كل طالب من تحقيق مستوى معين من النجاح، لأن النجاح يولّد الحافز للاستمرار.
– تهيئة بيئة مريحة وجذابة: على سبيل المثال، مختبر الأحياء المُجهّز جيدًا بالمجاهر والعينات، يشجّع الطلاب على استكشاف الموضوعات العلمية بحماس.
– إظهار الحماس للمادة الدراسية: عندما يُظهر المعلّم شغفه بالمادة، ينعكس ذلك إيجابًا على الطلاب ويزيد من اهتمامهم.
– تخصيص المهام والواجبات: يجب أن تتناسب الواجبات مع احتياجات وقدرات كل طالب، لضمان تحقيق الفائدة للجميع.
– تعزيز روح الفريق: التعاون يُعتبر أكثر فاعلية من الاعتماد على المنافسة الفردية فقط، حيث يُنمّي ذلك شعور الجماعة والعمل الجماعي.
– إشراك أولياء الأمور: إبلاغ الأهل بتقدّم أطفالهم وصعوباتهم بشكل مستمر، يجعلهم شركاء في العملية التعليمية، ويعزز الدعم المقدَّم للطلاب.
من خلال اتباع هذه الأساليب، يمكن للمعلمين تحقيق تأثير إيجابي على دافعية الطلاب للتعلم، مما يؤدي إلى تحسين أدائهم الأكاديمي، وتطوير شخصياتهم بحدٍّ ما. ومن خلال فهم طبيعة الدافعية وأنواعها والعوامل المؤثرة عليها، يمكن للمعلمين تبنّي إستراتيجيات فعّالة لتحفيز الطلاب، مما يوفر بيئة تعليمية ملهمة ومثمرة. وبناء الدافعية لدى الطلاب ليس مجرد مهمة تعليمية، بل هو استثمار في مستقبلهم الأكاديمي والشخصي. فالمعلم الذي يخصص جهده لتقديم تجربة تعليمية محفّزة، يسهم في بناء جيل من المتعلمين القادرين على مواجهة التحديات وتحقيق طموحاتهم. وبالتالي، تبقى الدافعية في قلب العملية التعليمية، وهي الجسر الذي يربط بين التعلم والإبداع والنجاح.
(*) كاتب وباحث أكاديمي / الهند.


