حراء (102).. جسر بين الروح والعقل والمعرفة
في عددها الجديد (102)، تواصل مجلة حراء رحلتها في إشعال مصابيح الفكر، واستنهاض الوعي، وإحياء منظومة القيم التي تهدي الإنسان في معراجه الروحي والعقلي، عبر باقة ثرية من المقالات التي تلامس قضايا العصر وتضيء عوالم العلم والتربية والإيمان معًا.
يفتتح العدد بمقال رئيس للأستاذ فتح الله كولن بعنوان “الرحلة المباركة”، يبحر فيه الكاتب في مفهوم الهجرة من معناها العام المتصل بالوجود الإنساني منذ الميلاد وحتى الرحيل، إلى معناها الخاص الذي حمله الأنبياء والمرشدون في مسيرتهم؛ رحلة لا تعرف السكون، يضيئون بها دروب البشرية ويزرعون الأمل في لحظات القنوط.
وفي باب التربية، يقدّم الأستاذ عبد الرؤوف توتي بن حمزة مقالاً بعنوان “الانتباه في التعليم.. أساليب لزيادة التركيز والفعالية”، يوضح فيه أن الانتباه ليس مجرد توجيه للذهن، بل عملية معرفية أساسية تقف وراء التعلم والإدراك، لها خصائصها الدقيقة التي يجب على المربين إدراكها لتنمية فعالية التعليم وزيادة تركيز الطلاب. ومن زاوية أخرى، يتناول الدكتور أحمد محمد القزعل قضية شديدة الأهمية في مقاله “الطفل وبناؤه النفسي سر النجاح”، حيث يبرز دور التربية النفسية في بناء شخصية متوازنة للطفل، ترتكز على الحب والاحتواء والاستقرار الأسري، مستندًا إلى نماذج تربوية من السيرة النبوية وأقوال العلماء، ليبين أن الاستثمار في الصحة النفسية للأطفال هو استثمار في مستقبل المجتمع كله.
أما في القضايا الفكرية، فيكتب الدكتور أحمد تمام سليمان عن “البعد الإنساني للدور العربي في مؤسسية التسامح”، موضحًا كيف أن التسامح ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل ركيزة حضارية تُبنى عليها قيم التعايش والاعتدال. ويضع الدكتور مصطفى محمود بين أيدينا مبدأً عميقًا في مقاله “المسؤولية الذاتية الطريق إلى النصر والعزة”، حيث يذكّر بأن الإصلاح يبدأ من الداخل قبل أن يُطلب من الخارج. ومن زاوية أخرى، يتناول الأستاذ حسن عبد المطلب الأسرج “التجارة.. من آيات الكون إلى أسواق التعايش”, كاشفًا عن بعدها الروحي والأخلاقي، وكيف شكّلت عبر التاريخ الإسلامي جسورًا للتواصل والسلام بين الشعوب.
وفي باب العلوم، يأخذنا الدكتور سليمان أحمد شيخ سليمان إلى آفاق المستقبل بمقاله عن “تقنية النانو تكنولوجي”. يعرض فيه كيف تتحول الروبوتات النانوية إلى أطباء متناهين في الصغر، قادرين على علاج أدق الأمراض دون ألم أو جراحة. بينما يقدّم الدكتور محمد السقا عيد مقالاً مدهشًا بعنوان “الأعجوبة الطائرة”، يوقفنا أمام أسرار الذبابة، تلك المخلوقة الصغيرة التي حيّرت العلماء بقدرتها على المناورة والدفاع وتصنيع المضادات الحيوية، حتى غدت رمزًا لمعجزة الخلق الإلهي.
وفي قسم تحليل الكتب، نقرأ دراسة للأستاذ محمد سفيل عن كتاب “النور الخالد: نظرة جديدة لأحداث السيرة النبوية” للمفكر والمربي الراحل فتح الله كولن، الذي أعاد صياغة السيرة النبوية بلغة إنسانية عصرية، مزجت بين عمق الفكرة ورقّة الأسلوب، لتجعل من حياة النبي ﷺ منارة تهدي القلوب والعقول إلى معاني الرحمة والتسامح.
بهذا التنوع الثري بين الفكر والتربية والعلوم والروح، يضع العدد (102) من مجلة حراء بين يدي قارئها أفقًا رحبًا للتأمل، ونوافذ جديدة لفهم الذات والكون، في رحلة متجددة نحو النور والمعرفة.