ينقسم الهدي إلى مستحب وواجب، فالهدي المستحب للحاج المفرد والمعتمر المفرد، والهدي الواجب أقسامه كالآتي:
واجب على القارن والمتمتع، وواجب على من ترك واجبًا من واجبات الحج كالإحرام من الميقات، ورمي الجمار، والجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة أو منى، أو ترك طواف الوداع.
والفدية هنا: ذبح شاة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد العودة.
وهناك أمور توجب ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، وهي: لبس المخيط أو المحيط للرجال، تغطية الرجل رأسه والأنثى وجهها، استعمال الطيب، دهن شعر الرأس أو اللحية بأي نوع من الدهان، إزالة أكثر من شعرتين من الرأس أو الجسد أو أكثر من ظفرين إن كان ذلك عمدًا، مقدمات الجماع كالقُبلة والمباشرة، وكذلك الملامسة التي تنقض الوضوء، والنظر بشهوة أو التفكير إن أعقبه إنزال، وكذلك الاستمناء.

وواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو قطع شجره.
والفدية: جزاء قتل الصيد على الترتيب التالي: أن يُذبح مثل الصيد من النَّعم ويُتصدَّق به على فقراء الحرم، أن يُشترى بقيمته طعامًا يُتصدَّق به، لكل مسكين ما يوازي نصف صاع من القمح، أن يصوم أيامًا بعدد المساكين الواجب إطعامهم، فلو كانت القيمة توازي صاعين من القمح مثلاً صام أربعة أيام، ولا يلزم في هذا الصيام التتابع.
هذا إن كان الصيد غير مملوك لأحد، أما إن كان مملوكًا للغير فعليه مثلان للمصيد: أحدهما الجزاء المتقدِّم، والثاني العوض لمالكه.
وتنطبق هذه الأمور على شجر الحرم وحشيشه، فمن قطع أو أتلف منها شيئًا وجبت عليه الفدية بالذبح أو الإطعام بقيمة ما أتلفه أو الصيام.

ولأصحاب المذاهب الفقهية آراء أكثر تفصيلاً وتوضيحًا لموجبات الهدي في شتى مناسك الحج والعمرة منذ بداية الإحرام والتلبية إلى نهاية طواف الوداع إذا لم تُؤدَّ بالكيفية المحددة لها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: يرى الأحناف أن ترك التلبية يُوجب دمًا، وكذلك مشهور مذهب مالك أنها واجبة، يلزم بتركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول دم.

وعن الحسن: في الحجامة فدية وإن لم يقطع شعرًا.
وفي إزالة المحرم للشعرة من جسمه مدّ، وفي الشعرتين مدّان.
ويرى الحنفية أن الطهارة من الحدث في الطواف ليست شرطًا، وإنما هي واجب يُجبَر بالدم، فلو كان محدثًا حدثًا أصغر وطاف صح طوافه، ولزمه شاة، وإن طاف جنبًا أو حائضًا صح ولزمه بدنة، ويعيده ما دام بمكة.
من ترك ركعتي الطواف عليه دم.

وذهب أبو حنيفة والثوري والحسن إلى أن السعي بين الصفا والمروة واجب وليس بركن، لا يُبطل الحج أو العمرة بتركه، وأنه إذا تركه وجب عليه دم، ورجح صاحب “المغني” هذا الرأي.
عند المالكية: من سعى راكبًا من غير عذر أعاد إن لم يفت الوقت، وإن فات فعليه دم، لأن المشي عند القدرة عليه واجب، وكذا يقول أبو حنيفة.

وقالت الأحناف: الواجب الحضور بالمزدلفة قبل فجر يوم النحر، فلو ترك الحضور لزمه دم، إلا إذا كان له عذر.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن لم يُراع الترتيب التالي في أعمال يوم النحر، حيث يبدأ بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت، فقدم نسكًا على نسك، فعليه دم.

وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير، فذهب أكثرهم إلى أنه واجب يُجبَر تركه بدم.
ويرى أبو حنيفة أن ركن الحج من طواف الإفاضة أربعة أشواط، لو تركها الحاج بطل حجه، وأما الثلاثة الباقية فهي واجبة وليست بركن، ولو ترك الحاج هذه الثلاثة أو واحدًا منها فقد ترك واجبًا ولم يبطل حجه، وعليه دم.
وعند أبي حنيفة ومالك أن وقت طواف الإفاضة يدخل بطلوع فجر يوم النحر، واختلفا في آخر وقته: فعند أبي حنيفة يجب فعله في أي يوم من أيام النحر، فإن أخره لزمه دم، وقال مالك: لا بأس بتأخيره إلى آخر أيام التشريق، وتعجيله أفضل، ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة، فإن أخره عن ذلك لزمه دم وصح حجه.

وقالت الأحناف والحنابلة ورواية عن الشافعي: إن طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم.

وإذا جامع المحرم زوجته قبل التحلل الأول، فقد أفتى أبو العباس الطبري بفساد حجه، سواء أكان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعده، ويجب عليه أن يمضي في فاسده، ويجب عليه بدنة والقضاء من قابل.
فإن كانت المرأة محرمة مطاوعة فعليها المضي في الحج والقضاء من قابل، وكذا الهدي عند أكثر أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أن الواجب عليهما هدي واحد، وهو قول عطاء.
وإذا عجز عن البدنة وجب عليه بقرة، فإن عجز فسبع من الغنم، فإن عجز قُوِّمت البدنة بالدراهم، والدراهم طعامًا، وتصدّق به، لكل مسكين مد، فإن لم يستطع صام عن كل مد يومًا.
وقال أصحاب الرأي: إن جامع قبل الوقوف فسد حجه وعليه شاة أو سبع بدنة، وإن جامع بعده لم يفسد حجه وعليه بدنة.
والقارن إذا أفسد حجه يجب عليه ما يجب على المفرد، ويقضي قارنًا، ولا يسقط عنه هدي القِران.
والجماع الواقع بعد التحلل الأول لا يفسد الحج، ولا قضاء عليه عند أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى وجوب القضاء، وهو قول ابن عمر، وقول الحسن وإبراهيم، ويجب به الفدية.
وتلك الفدية: بدنة أو شاة؟ اختلف فيه، فذهب ابن عباس وعطاء إلى وجوب البدنة، وهو قول عكرمة وأحد قولي الشافعي، والقول الآخر: يجب عليه شاة، وهو مذهب مالك.

ومن أحرم بحج أو بعمرة ثم حُبس عن الطواف في العمرة أو عن الوقوف بعرفة أو طواف الإفاضة في الحج لوجود عدو أو مرض يزيد بالانتقال والحركة أو خوف أو ضياع النفقة أو موت محرم الزوجة في الطريق وغير ذلك من الأعذار المانعة، سُمِّي ذلك بالإحصار.

وقد حُصر النبي صلى الله عليه وسلم ومُنع هو وأصحابه في الحديبية عن المسجد الحرام، فنزل قوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)[البقرة: 196].
فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن حلق وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عامًا قابلاً، فيما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد استدل بهذا الجمهور من العلماء على أن المحصر يجب عليه ذبح شاة أو بقرة أو نحر بدنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية السابقة يقول: من أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن البيت، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يُذبح عنه، فإن كان حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كان حجة بعد حج الفريضة فلا قضاء عليه.

وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال:

  • الأول للجمهور: أنه يذبح هديه حيث يُحل في حرم أو حل.
  • الثاني للحنفية: أنه لا ينحره إلا في الحرم.
  • الثالث لابن عباس وجماعة: أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ولا يحل حتى يُنحر في محله، وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحر في محل إحصاره.

وذهب كثير من العلماء إلى جواز أن يشترط المحرم عند إحرامه أنه إن مرض تحلل، فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضُباعة: “حُجِّي واشترطي أن محلي حيثُ تحبسني”.
فإذا أُحصر بسبب من الأسباب من مرض أو غيره إذا اشترطه في إحرامه، فله أن يتحلل، وليس عليه دم ولا صوم. 

أحكام الأضحية

كما يُسن لكل قادر أن يُضحي (أي يذبح أضحية تقربًا إلى الله تعالى)، سواء كان قائمًا بأعمال الحج أو لا، باتفاق الشافعية والحنفية والحنابلة، وخالف المالكية فقالوا: لا تُطلب من الحاج.

ويُضحي بشاة من الضأن أو المعز تُجزئ عنه وعن أهل بيته، فهي سنة كفاية، يُكره تركها عند القدرة عليها.
ففيما روى البخاري ومسلم عن أنس، قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبَّر.

وتجوز المشاركة في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، وتُجزئ البقرة أو الجمل عن سبعة أشخاص.
فعن جابر قال: “نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة” رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

والهدي أو الأضحية سواء، لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم، فلا تُجزئ من غير هذه الثلاثة.
قال تعالى في سورة الحج آية 34: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ).
واتفق العلماء على أن الأفضل هذا الترتيب باعتبار ما هو أنفع للفقراء.
ويُشترط إن كانت من الإبل أن يكون لها خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة، ومن الضأن ما له سنة أو ستة أشهر على خلاف بين الأئمة، وأن يكون سليمًا من العيوب.

والهدي، سواء أكان واجبًا أم تطوعًا، لا يُذبح إلا في الحرم، أما الأضحية فتُذبح في مكان تواجد المُضحي.

واختلف العلماء في وقت ذبح الهدي:

– فعند الشافعية أن وقت ذبحه يوم النحر وأيام التشريق، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “وكل أيام التشريق ذبح” رواه أحمد.
فإن فات وقته ذُبح الهدي الواجب قضاءً.

– وعند مالك وأحمد: وقت ذبح الهدي، سواء أكان واجبًا أم تطوعًا، هو أيام النحر، وهذا رأي الأحناف بالنسبة لهدي التمتع والقران، وأما دم النذر والكفارات والتطوع فيُذبح في أي وقت.

– وحُكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي أن وقتها من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة.                                         

شروط الأضحية

كما يُشترط في الأضحية ألا تُذبح إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد، ويمر من الوقت قدر ما يُصلَّى العيد، ويصح ذبحها بعد ذلك في أي يوم من الأيام الثلاثة في ليل أو نهار، ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام.
فعن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، ليس من النسك في شيء”.

وقد أمر الله بالأكل من لحوم الهدي فقال: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
وهذا الأمر يتناول بظاهره هدي الواجب وهدي التطوع، وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك:

  • فذهب أبو حنيفة وأحمد إلى جواز الأكل من هدي المتعة وهدي القران وهدي التطوع، ولا يأكل مما سواها.
  • وقال مالك: يأكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه، ولفوات الحج، ومن هدي المتمتع، ومن الهدي كله إلا فدية الأذى وجزاء الصيد وما نذره للمساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله.
  • وعند الشافعي: لا يجوز الأكل من الهدي الواجب مثل الدم الواجب في جزاء الصيد، وإفساد الحج، وهدي التمتع والقران، وكذلك ما كان نذرًا أوجبه على نفسه، أما ما كان تطوعًا فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق.

وللمهدي أن يأكل من هديه الذي يُباح له الأكل منه أي مقدار يشاء أن يأكله بلا تحديد، وله كذلك أن يُهدي أو يتصدق بما يراه.
وقيل: يأكل النصف ويتصدق بالنصف.
وقيل: يُقسمه أثلاثًا، فيأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث.

سنن الأضحية

كما يُسن للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويُهدي الأقارب، ويتصدق منها على الفقراء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا وأطعموا وادخروا”.
وقد قال العلماء: الفضل أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويدخر الثلث.
ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر، ولا يجوز بيعها، ولا بيع جلدها، ولا يُعطى الجزار من لحمها شيئًا كأجر، وله أن يُكافأ نظير عمله، وإنما يتصدق به المُضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به.

وعند أبي حنيفة: أنه يجوز بيع جلدها، ويتصدق بثمنه، وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت.

وتيسيرًا على الحجاج وتحقيقًا للمصلحة العامة، يقوم البعض منهم بدفع ثمن الهدي والأضاحي نقدًا، وتقوم المملكة العربية السعودية بتوزيع لحومها على الفقراء هناك، ويتم شحن باقي الكميات جوًا وبرًا وبحرًا إلى عدد من البلدان الإسلامية.

المراجع:

  • فقه السنة – السيد سابق، ج1
  • الإسلام وأركانه – ياسين محمد رشدي
  • أحكام القرآن – لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي