الحج هو آخر ما فُرض من الشعائر والعبادات، إذ كانت فريضته في السنة التاسعة من الهجرة النبوية على أرجح الأقوال، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفَرْضٌ من الفروض التي عُلِمت من الدين بالضرورة، فلو أنكر وجوبه منكر كفر وارتد عن الإسلام. وقد فرضه الله على كل مستطيع، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[سورة آل عمران: 97]. ولا يكتمل إيمان العبد القادر إلا بأدائه.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور عند الاستطاعة عليه، بينما ذهب الشافعي والثوري والأوزاعي ومحمد بن الحسن إلى أن الحج واجب على التراخي، فيؤدى في أي وقت من العمر، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أدّاه قبل الوفاة.
وقد أجمع العلماء على أن أشهر الحج التي لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها هي: شوال وذو القعدة، واختلفوا في ذي الحجة، هل هو بكماله من أشهر الحج أو عشر منه؟ فذهب ابن عمر وابن عباس وابن مسعود والأحناف والشافعي وأحمد إلى الرأي الثاني، وذهب مالك إلى الرأي الأول، ورجحه ابن حزم، فقال: إن قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾[البقرة: 197] لا يُطلق على شهرين وبعض آخر أشهر.
كما أجمع العلماء على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، إلا أن يُنذر بأدائه فيجب الوفاء بالنذر، وما زاد عن الفريضة فهو تطوّع. فعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا أيها الناس، كُتب عليكم الحج” فقام الأقرع بن حابس، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: “لو قلتُها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع” رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم.
أما العمرة، فقد ذهب الأحناف ومالك إلى أنها سنة، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: “لا، وأن تعتمروا هو أفضل” رواه أحمد والترمذي.
بينما عند الشافعية وأحمد أنها فرض، لقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة: 196]، فقد عُطفت على الحج وهو فرض، فهي فرض كذلك، والرأي الأول أرجح.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت العمرة جميع أيام السنة، فيجوز أداؤها في أي يوم من أيامها، وذهب أبو حنيفة إلى كراهتها في خمسة أيام، هي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة. وذهب أبو يوسف إلى كراهتها في يوم عرفة وثلاثة أيام بعده، واتفقوا على جوازها في أشهر الحج.
ويجوز تكرارها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجته، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بسند رجاله ثقات.
وعن نافع: اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعوامًا في عهد ابن الزبير، عمرتين في كل عام، وعن القاسم: إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات.
ويجوز للمعتمر أن يعتمر في أشهر الحج من غير أن يحج، فقد اعتمر عمر في شوال ورجع إلى المدينة دون أن يحج، كما يجوز له الاعتمار قبل أن يحج، كما فعل عمر رضي الله عنه.
هذا وتُؤدى العمرة بمفردها كما ذكر، أو مع الحج، ووجوه أدائهما معًا ثلاثة، هي:
الأول: القِران، ومعناه أن يُحرم من عند الميقات بالحج والعمرة معًا، ويقول عند التلبية: “لبيك بحج وعمرة”، وهذا يقتضي بقاء المُحرِم على صفة الإحرام إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحج معًا، أو يُحرِم بالعمرة ويدخل عليها الحج قبل الطواف.
الثاني: التمتّع، ومعناه هو الاعتمار في أشهر الحج، ثم يحج من عامه الذي اعتمر فيه، وهذا يقتضي أن يُحرم من الميقات بالعمرة وحدها، ويقول عند التلبية: “لبيك بعمرة”، والبقاء على صفة الإحرام حتى الانتهاء من أعمالها، ويتحلل إلى أن يجيء يوم التروية، فيُحرِم من مكة بالحج.
الثالث: الإفراد، ومعناه أن يُحرِم من يريد الحج من الميقات بالحج وحده، ويقول في التلبية: “لبيك بحج”، ويبقى مُحرِمًا حتى تنتهي أعمال الحج، ثم يعتمر بعد ذلك إن شاء.
وقد اتفق الفقهاء أن للحج والعمرة شروط وجوب وشروط صحة، وهي نفس الشروط فيهما ما عدا وقت الأداء.
ويُشترط لصحتهما: الإسلام، التمييز، الإحرام، والمكان المخصص لأداء كل ركن من أركانهما، والوقت المخصص لأداء كل ركن من أركانهما.
وللحج والعمرة أركان وواجبات ومفسدات
فيجب للعمرة ما يجب للحج، وكذلك يُسنّ لها ما يُسنّ له، وبالجملة فهي كالحج في الإحرام والفرائض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمفسدات والإحصار.
ولكنها تخالفه في بعض الأمور، أنها ليس لها وقت معين، وليس فيها وقوف بعرفة، ولا نزول بمزدلفة، وليس فيها رمي جمار، ولا طواف قدوم، وميقاتها “الحِلّ” لجميع الناس، بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي هو الحرم.
1- أركان الحج
وأركان الحج التي لا يصح الحج بدونها هي:
الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير، وأركان العمرة كذلك، إلا الوقوف بعرفة.
2- واجبات الحج
الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة جزءًا من النهار وجزءًا من الليل، والمبيت بالمزدلفة ليلة النحر أو البقاء بها مدة من النصف الثاني من الليل، ورمي الجمار على الترتيب وبالكيفية المطلوبة، والمبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة وأيام التشريق، وطواف الوداع.
3- محظورات الحج والعمرة
لبس المخيط أو المحيط، كما يحرم لبس الخف والحذاء أو ما يغطي الكعبين، وتغطية الرأس والوجه أو بعضهما بأي ساتر. وقد أجمع العلماء على أن هذا مختص بالرجل، أما المرأة فلها أن تلبس جميع ذلك، ولا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الطيب، والنقاب، والقفازان.
مسّ الطيب أو شمّه أو حمله أو استعماله في البدن أو الثياب، وكذلك استعمال ما فيه طيب، أو شرب أو أكل ما اختلط به طيب.
قصّ الأظفار أو إزالة أي شعر بالحلق أو القص أو النتف أو الحك، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾(البقرة آية 196).
الجماع ودواعيه ومقدماته كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء. عقد النكاح لنفسه أو لغيره.
التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح أو الدلالة عليه أو الإشارة إليه أو إيذاؤه أو إفساد بيضه، كما يُمنع الأكل منه إذا صاده بنفسه أو صاده محرم آخر، لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾[سورة المائدة: 96].
كما يُمنع على المُحرِم اكتساب السيئات واقتراف المعاصي والمخاصمة مع الرفقاء والمشاتمة والكلام الفاحش والجدال.
والأصل في تحريم هذه الأشياء قوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة: 197].
قتل أي شيء ما عدا الفواسق الخمسة، وهي: الحدأة، والغراب، والحية، والعقرب، والكلب العقور.
دهن الشعر أو البدن، وكذلك الخِضاب بالحناء في الشعر أو البدن.
لبس الثياب المصبوغة بما له رائحة طيبة.
التعرض لشجر الحرم أو حشيشه بقطع أو قلع أو إتلاف، كما لا يجوز تنفير صيده.
4- مفسدات الحج والعمرة
ترك ركن من أركانهما، أو الجماع بأي كيفية في قُبُل أو دُبُر مع آدمي أو غيره، قبل التحلل الأصغر في الحج، وقبل التحلل في العمرة.
وينبغي أن تكون نفقة الحج أو العمرة، وكذلك سائر معاملات المسلم المالية من نفقة طيبة، ففي الحديث الصحيح: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا”.
وروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا خرج الحاج بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”.
المراجع
- العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي
- فقه السنة، السيد سابق
- مجلة الحج، العدد الثامن
- إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي
- الإسلام وأركانه، ياسين محمد رشدي
- الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري