قالوا: لكلّ شخص من اسمه نصيب، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر. ولا شك أن الاسم الجميل الحسن، يضفي على الشخصية هيبة وكمالاً. والاسم عنوان للمسمى ودليل عليه، وهو علَم يميزه عن غيره. ولقد أمر الإسلام باختيار الاسم الحسن للولد؛ حفاظًا على شخصيته مستقبلاً، وبغية استقرار نفسيته وقدرته على التكيف مع الآخرين. وقال عليه الصلاة والسلام: “إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فحسِّنوا أسماءكم” (رواه الإمام أحمد)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحبّ أسمائكم إلى الله تعالى: عبد الله، وعبد الرحمن” (رواه مسلم).
التسمية بأسماء الأنبياء فضيلة
التسمية بأسماء الأنبياء فضيلة اعتادت فعلها بعض الأمم السالفة، فقد كانت تسمّي أبناءها بأسماء أنبيائها وصالحيها، وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون “يا أخت هارون” وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: “إنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم”. وكان عليه الصلاة والسلام ينادي المولود بكنيته لا باسمه، فيقول لأبي عمير: “يا أبا عمير، ما فعل النغير؟” (رواه الإمام أحمد).
وقد روى أبو داود عن أبي شريح: أنه كان يسمّى أبا الحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكم”، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني؛ فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: “ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟” فقلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال: “فمن أكبرهم؟”، قلت: شريح، قال: “فأنت أبو شريح”.
سرّ استحباب تسمية المولود بالاسم الحسن
قال الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي في “حجة الله البالغة”، في تسمية المولود ما نصه: اعلم أن أعظم مقاصد الشريعة، أن يدخل ذكر الله في تضاعيف ارتفاقاتهم الضرورية؛ ليكون كل ذلك ألسنة تدعو إلى الحق، وفي تسمية المولود بذلك إشعار بالتوحيد، وأيضًا فكان العرب وغيرهم يسمّون الأولاد بما يعبدونه، ولمّا بعث النبي عليه الصلاة والسلام مقيمًا لمراسم التوحيد، وجب أن يُسنّ في التسمية مثل ذلك، وإنما كان الاسمان “عبد الله، وعبد الرحمن” أحبّ من سائر ما يضاف فيه العبد إلى اسم من أسماء الله تعالى، لأنهما أشهر الأسماء، ولا يطلقان على غيره، بخلاف غيرهما. وأنت تستطيع أن تعلم من هذا، سرّ استحباب تسمية المولود بمحمد وأحمد، فإن طوائف الناس أولعوا بتسمية أولادهم بأسماء أسلافهم المعظّمين عندهم، وكاد يكون ذلك تنويهًا بالدين، وبمنزلة الإقرار أنه من أهله”.
الابتعاد عن الأسماء المكروهة
كما ينبغي على الوالدين الابتعاد عن الأسماء المكروهة، وكذلك الأسماء التي لا تتناسب مع خشونة الرجل أو مع أنوثة البنت، فيُختار للطفلة الاسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبّه بالرجال. ولقد ثبت بالسُّنة النبوية الشريفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غيّر بعض الأسماء المكروهة، ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيّر اسم “عَاصِيَة”، وقال: “أنت جميلة” (رواه أبو داود)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت جُوَيْرِيَةُ اسمها بَرَّة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمَها جُوَيْرية، وكان يكره أن يقال: خرج مِن عند بَرَّة.
وإذا أردتم أن تعرّفوا تأثير الأسماء في مسمياتها، فتأملوا ما رواه الإمام مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممّن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرَّة النار، قال: بأجتها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا. فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ختامًا، لا يمكننا تجاهل التأثير العميق الذي يمكن أن يتركه الاسم على حياة الفرد منذ لحظات ولادته، فالاسم ليس مجرد مجموعة من الحروف، بل هو هوية تلازم الشخص طوال حياته، وتساهم بشكل كبير في تشكيل شخصيته وتصوراته عن ذاته، ومن خلال اختيار الأسماء بعناية يمكن للآباء أن يعمقوا من ثقة الأبناء بأنفسهم ويشجعوهم على التفاؤل والسعي نحو النجاح، بل وقد يساهمون في تعزيز مكانتهم الاجتماعية في المستقبل؛ لذلك يجب أن نحرص على اختيار الأسماء التي تحمل المعاني الإيجابية وتُعزز من القيم الأخلاقية التي نود أن نغرسها في أبنائنا، فالاسم الحسن هو هدية ثمينة تُقدم للأطفال، تمثل بداية مشرقة لحياة مليئة بالأمل والطموحات.
(*) دكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله / سوريا.