من الترفيه إلى التمكين قوة الألعاب التعليمية

لقد دعا الإسلام إلى التنوع في أساليب التعليم بما يناسب المتعلم وظروفه، رغبةً منه في بناء الإنسان بطريقة متكاملة تشمل الجوانب العقلية والبدنية والروحية. وتُعد الألعاب التعليمية من أنجح الوسائل العصرية المناسبة لتحقيق أهداف تربوية تتفق مع مبادئ الإسلام؛ فاللعب يمكن أن يكون وسيلة لتعليم القيم والمعارف، كما يشير إلى ذلك ما يُنسب إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “رَوِّحوا القلوبَ ساعةً فإنها إذا أُكرهتْ عميتْ”، وهذا يدل على أهمية الترويح عن النفس، خاصةً إذا كان في إطار يعزز التعلم ويحقق الفائدة.
وفي ذلك يقول المثل العربي: “رُبَّ جِدٍّ جَرَّهُ اللَّعِبُ”؛ فاللعب إذا وُجِّه نحو الخير قد يصبح وسيلة تعبدية تُسهم في بناء الإنسان الصالح والمتعلم المبدع. واللعب في الإسلام ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتعليم القيم وبناء النفوس.
والألعاب التعليمية هي أنشطة ترفيهية أو تفاعلية مُصَمَّمة لتحفيز التعلم، وتعزيز المفاهيم الأكاديمية أو المهارات الاجتماعية والنفسية. ويمكن أن تكون هذه الألعاب رقمية تعتمد على الحواسيب والأجهزة اللوحية، أو تقليدية تستخدم أدوات بسيطة مثل البطاقات واللوحات.

الألعاب التعليمية في التربية والتعليم

إن التعلُّم من خلال الأنشطة يُعد أحد إستراتيجيات التدريس الفعَّال، والألعاب التعليمية أسلوب مهم من أساليب التعليم، وعلاقتها بغيرها من الأنشطة علاقة تكاملية، وتظهر أهميتها في النقاط التالية:
١- تحقيق أهم مبادئ التعلم: مثل التعلم بالممارسة، والتعلم التعاوني.
٢- توفير البيئة الآمنة للتعلم والاستكشاف: حيث تكون في مأمن من العقاب، وبعيدة عن درجات التقييم وآثارها السلبية على المتعلمين.
٣- زيادة القدرة على التركيز والاستيعاب والملاحظة: وتعزيز الابتكار والإبداع.
٤- تعزيز التفاعل الاجتماعي بين المتعلمين: حيث تعتمد العديد من الألعاب على العمل الجماعي والتعاون، مما يعزز من مهارات التواصل وبناء العلاقات.
٥- تنمية المهارات الحياتية: حيث تساعد الألعاب على تطوير التفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع، وهي مهارات ضرورية للحياة والعمل في المستقبل.
٦- تنمية المهارات اللغوية للطلاب: مثل القراءة، والكتابة، والاستماع، والتحدث.
٧- تحسين التحصيل الدراسي: حيث تسهم الألعاب التعليمية في تبسيط المفاهيم الصعبة، وتثبيت المعلومات، وتسريع وصولها للأذهان، من خلال ربطها بتجارب عملية أو أمثلة تطبيقية، مما ينعكس إيجابًا على أداء الطلاب الأكاديمي.
٨- تحسين المهارات الحسية: وخاصةً لدى الأطفال، حيث تساهم في إعمال أغلب الحواس.
٩- اكتساب بعض القيم: مثل احترام الآخرين، والتعاون، والانتماء، والثقة بالنفس، من خلال التعامل مع الآخرين داخل إطار اللعبة، والحوار، والمناقشة.
١٠- احترام القوانين: فمن خلال القواعد والقوانين داخل اللعبة، قد يتعلم الطفل كيف يحترم إشارة المرور، أو يتقمص دور الطبيب الذي يلتزم بأخلاقيات مهنته.
١١- التسلية وكسر حاجز الملل: وإدخال البهجة والسرور أثناء العملية التعليمية.

دمج الألعاب التعليمية في المناهج الدراسية

بفضل تطور التكنولوجيا وانتشار التطبيقات الرقمية، أصبح من الممكن دمج الألعاب التعليمية في المناهج الدراسية؛ لتحسين التحصيل الأكاديمي وتعزيز المهارات الحياتية للطلاب. وهي تُستخدم في جميع مجالات التعليم، مثل تعلم اللغات، والرياضيات، والعلوم، والتاريخ، والجغرافيا، والفنون.. إلخ.
ولتحقيق الغاية المنشودة منها ينبغي مراعاة الآليات المناسبة، وهي: اختيار الألعاب المناسبة وفق معايير معتبرة مدى تحقيقها للأهداف، ودرجة ملاءمتها للمتعلمين من حيث العمر والقدرات، ومدى توفر المواد المستخدمة في اللعب، وكونها اقتصادية، ومناسبة للوقت والمناخ، ومدى مساهمتها في تسهيل عملية التعلم.
كما ينبغي مراعاة التوقيت المناسب، بحيث تكون الألعاب جزءًا من خطة الدرس، سواء في عملية التمهيد للدرس، أو عند المراجعة، أو في نهايته، أو عند تلخيص ما تم تعلمه. كما ينبغي توفير البيئة المناسبة؛ لتكون بيئة التعلم مهيَّأة لاستخدام الألعاب، سواء من حيث المساحة أو الأجهزة التكنولوجية.
وينبغي كذلك، الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي تتميز بالقدرة على تخزين حجم هائل من المعلومات، والسرعة في المعالجة وعرض النتائج، والعرض المرئي والمسموع للمعلومات بأساليب جذابة والتحكم في ذلك، إضافةً إلى تقديم بيئة افتراضية تحاكي الواقع.
ومن هذه الآليات المناسبة أيضًا، التقييم المستمر، حيث يُفضَّل تقييم مدى تأثير الألعاب التعليمية على التحصيل الدراسي للطلاب بشكل دوري لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

نماذج ناجحة للألعاب التعليمية

• ألعاب الحروف والكلمات: مثل الألعاب التي تعتمد على تكوين الكلمات أو ترتيب الحروف، وهي مناسبة لتعليم اللغة.
• ألعاب الرياضيات: مثل لعبة “Math Shark Educational Insights”، التي تُعلِّم الأطفال عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، وغيرها من وظائف الحاسبة. وتحتوي كل عملية على ثمانية مستويات، إضافةً إلى الأصوات والأضواء المرافقة للخلفيات.
• الألعاب الرقمية التفاعلية: مثل التطبيقات التي تحاكي التحديات الرياضية أو العلمية، مثل “Kahoot” ولعبة “Quizizz” التي تعزز المشاركة وتنمية الفهم.
• ألعاب جيولوجية: مثل لعبة “Scientific Explorer My Geology Kit”، التي تُعلِّم الطفل كل ما يتعلق بطبقات الأرض، وتمكِّنه من بناء مجموعات صخرية، واستخدام أدوات حقيقية للكتابة على الصخور.
والجدير بالذكر أن الألعاب التعليمية تواجه عدة تحديات لا بد من التغلب عليها، ولكن كيف ذلك؟
يجب أن تحقق الألعاب توازنًا بين المتعة وتحقيق الأهداف التعليمية، مع تجنب التركيز المفرط على التسلية. هذا، وقد يواجه بعض الطلاب صعوبة في فهم الألعاب أو المشاركة فيها، ويمكن التغلب على ذلك من خلال تصميم مستويات مختلفة تناسب الجميع. ويمكن -كذلك- دمج الألعاب بشكل مخطط كجزء من الأنشطة اليومية أو الواجبات المنزلية، نظرًا لضيق الوقت في الحصص الدراسية.

ضوابط شرعية عند استعمال الألعاب التعليمية

عند استخدام الألعاب التعليمية، يجدر بالمعلمين وأولياء الأمور، مراعاة بعض الضوابط الشرعية؛ على سبيل المثال، يجب أن تكون هذه الألعاب خالية من المحرمات أو المضامين المخالفة للشريعة، كالعنف المفرط، أو الإساءة للدين، أو التسبب في أضرار نفسية أو بدنية. كما يجب أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف تعليمية نافعة وليست مضيعة للوقت، وأن تُستخدم باعتدال دون أن تلهي عن الفروض والواجبات الدينية أو الأسرية.
هذا وقد أظهرت الدراسات حول الألعاب التعليمية، أن حوالي 67% من المعلِّمين في المدارس الابتدائية، يستخدمون الألعاب التعليمية لتحفيز الطلاب على التعلم. كما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 50% من المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة، تستخدم الألعاب كجزء من مناهجها.
واللافت للنظر أن الطلاب الذين يستخدمون الألعاب التعليمية، يتذكرون 90% من المواد الدراسية، مقارنة بـ50% باستخدام طرق التعليم التقليدية. كما أن 74% من الطلاب، يرون أن الألعاب التعليمية تساعدهم على تحسين مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
وأيضًا، في المجالات الشائعة، بيَّنت الدراسات أن الألعاب الأكثر استخدامًا، هي التي ترتبط بمجالات الرياضيات (40%)، واللغات (30%)، والعلوم (20%). كما تشير الإحصاءات إلى أن أمريكا الشمالية تقود السوق التجاري في هذا المجال، تَلِيهَا أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، مدعومةً بتطور البنية التحتية الرقمية، واعتماد المدارس والشركات للألعاب التعليمية.
وختامًا؛ إن الألعاب التعليمية ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة فعالة في تعزيز التحصيل الدراسي وتحفيز الطلاب إذا تم استخدامها بشكل مدروس ومخطط. ومع استمرار تطور التكنولوجيا وتوسع تطبيقات الألعاب في التعليم، يتعين على المعلمين تبنِّي هذه الإستراتيجية ودمجها بطرق مبتكَرة، لتحقيق تجربة تعليمية ممتعة وفعالة. وعندما يتم توجيه هذه الوسيلة بما ينسجم مع تعاليم الإسلام، تصبح وسيلة تكميلية لتحقيق رسالة الدين في بناء الإنسان المتوازن علميًّا وجسديًّا وروحيًّا.

(*) كاتب وباحث مصري.
المراجع:
(1) الألعاب التعليمية في التدريس، مجلة البحوث التربوية، كلية المعلمين في الباحة، السعودية، العدد:5، ص:283-285، عام 2005م.
(٢) إستراتيجية الأنشطة: الألعاب التعليمية، مجلة رسالة المعلم، وزارة التربية والتعليم، الأردن، المجلد:50، العدد:2-3، ص:46-48، عام 2012م.
(٣) الألعاب التعليمية: الواقع والتطلعات، مجلة الممارسات اللغوية، الجزائر، العدد:3، ص:315-330، عام 2011م.