مقاطع ريلز (Reels) هي مقاطع فيديو قصيرة يمكن للمستخدمين نشرها على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تصوير الفيديوهات -عادة- في مدة تتراوح من 15 إلى 60 ثانية. تتميز هذه المقاطع بقدرتها على دمج المؤثرات الصوتية، والفلاتر، والنصوص، والرسومات، ما يسمح للمستخدمين إضافة لمسات إبداعية تجعل الفيديوهات أكثر جذبًا. الهدف الأساسي من ريلز هو تقديم محتوى ترفيهي ومفيد بطريقة سريعة وسهلة، مع التركيز على الإبداع في عرض الأفكار.
ولقد حققت مقاطع ريلز نجاحًا كبيرًا فور إطلاقها، وساهمت في إعادة تعريف كيفية إنشاء ومشاركة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.
الأسباب وراء نجاحها
١- المحتوى السريع والمباشر: في عالم اليوم، يفضل العديد من المستخدمين المحتوى القصير والسريع. مقاطع ريلز توفر تجربة مشاهدة سريعة دون الحاجة للانتظار لفترات طويلة، مما يجعلها مثالية للأشخاص الذين ليس لديهم وقت لمتابعة مقاطع الفيديو الطويلة.
٢- سهولة الوصول والإنتاج: إنشاء مقاطع ريلز سهل للغاية، ولا يتطلب معدات تصوير متقدمة أو مهارات احترافية. لذا، يمكن لأي شخص التقاطَ فيديو باستخدام هاتفه المحمول، وإضافة المؤثرات اللازمة باستخدام الأدوات المتاحة في التطبيق.
٣- التفاعل والمشاركة: مقاطع ريلز تشجع على التفاعل بشكل أكبر مع المحتوى، كما يمكن للمستخدمين الإعجاب بالمقاطع والتعليق عليها ومشاركتها بسهولة، مما يعزز من التفاعل بين المنشئين والجمهور. وكذلك، يتم عرض مقاطع ريلز في صفحة الاستكشاف الخاصة بالمنصة، مما يزيد من فرص وصولها إلى جمهور أوسع. بفضل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للمقاطع أن تنتشر بشكل أسرع وتصل إلى ملايين الأشخاص في وقت قصير.
٤- المحتوى الإبداعي: توفر مقاطع ريلز مساحة واسعة للإبداع، حيث يمكن للمستخدمين استخدام الموسيقى والفلاتر والتأثيرات المختلفة، لإنشاء محتوى مبتكر. وهذا التنوع يجعل من ريلز منصة مثالية للمحتوى الترفيهي والتعليم.
تأثير ريلز على وسائل التواصل الاجتماعي
تُعتبر منصات التواصل الاجتماعي، من أبرز الوسائل التي تعكس التغيرات الثقافية والاجتماعية في المجتمعات الحديثة. وتبرز من بين هذه المنصات، مقاطع ريلز كأداة فعالة، ليس فقط للمحتوى الإبداعي والترفيهي، ولكن -أيضًا- كمرآة تعكس المعايير الثقافية والاتجاهات الاجتماعية السائدة.
في حين تُستخدم ريلز في المقام الأول للمحتوى الإبداعي والترفيهي، فإن تأثيرها يتجاوز هذا الاستخدام البسيط، حيث تعتبر ريلز نافذة يمكن من خلالها مشاهدة وفهم المعايير الثقافية السائدة والاتجاهات الاجتماعية المختلفة. تتيح هذه المنصة للمستخدمين عرض محتوى يعكس اهتماماتهم وأفكارهم، مما يجعلها مصدرًا غنيًّا بالبيانات التي تعبر عن الواقع الثقافي والاجتماعي. وتُعد ريلز أكثر من مجرد منصة ترفيهية؛ فهي أداة تعكس نبض المجتمع وتعطي لمحة جيدة عن التغيرات الثقافية والاجتماعية الجارية. ويمكن للعلماء والباحثين الاستفادة من هذه المنصة، للحصول على رؤى دقيقة وشاملة حول المجتمع الحديث، مما يساهم في تعزيز فهمنا للثقافة والتواصل في العصر الرقمي.
لقد أثرت مقاطع ريلز بشكل كبير على كيفية تفاعل المستخدمين مع منصات التواصل الاجتماعي؛ في البداية، كانت الفيديوهات الطويلة هي الأكثر شيوعًا، ولكن مع ظهور ريلز، أصبح الفيديو القصير هو الخيار المفضل للكثيرين. وهذه الظاهرة لا تقتصر على إنستجرام فقط، بل امتدت إلى منصات أخرى أيضًا.
مقاطع ريلز جعلت من الوسائط المتعددة، أكثر سهولة في الوصول إليها. في السابق، كان يتطلب إنشاء محتوى فيديو احترافي الكثير من الوقت والموارد، ولكن الآن يمكن لأي شخص إنشاء مقاطع فيديو جذابة باستخدام هاتفه المحمول فقط.
التأثيرات النفسية والعقلية لمقاطع ريلز
إن مقاطع ريلز توفر مصدرًا للترفيه، ولكن تمتلك في المقابل، القدرة على التأثير سلبًا على الصحة العقلية والفهم. وتأثير ريلز على الصحة العقلية أمر بالغ الأهمية، لتطوير إستراتيجيات لتعزيز علاقة أكثر صحة مع هذه المنصات الرقمية. ويتطلب ذلك الوعي بالآثار النفسية المحتملة لمحتوى ريلز، والحد من الوقت الذي نقضيه في مشاهدة هذه المقاطع، وتخصيص فترات زمنية معينة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع فيديو ريلز، يمنعها من أن تسيطر على يومنا بالكامل. بالإضافة إلى تعزيز التفكير النقدي حول المحتوى المعروض فيها.
والتفاعل المستمر مع هذه المقاطع قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية وعقلية مختلفة، منها الشعور بالقلق والاكتئاب بسبب المقارنات المستمرة مع الآخرين في المقاطع، والشعور بالنقص أو عدم الرضا عن الحياة الشخصية. لذا، يجب التعامل مع محتوى ريلز بشكل مسؤول، من خلال الوعي بأن ما يُعرض ليس دائمًا حقيقيًّا أو شاملاً، والحد من الوقت الذي نقضيه في مشاهدة هذه المقاطع للحفاظ على صحتنا العقلية. ومن خلال فهم التأثيرات المحتملة لمقاطع فيديو ريلز، يمكننا اتخاذ خطوات استباقية للتعامل مع هذه الظاهرة الرقمية بمسؤولية، وضمان ألا تؤثر سلبًا على صحتنا النفسية والعقلية.
تأثير ريلز على الأطفال
تُعد منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي تتيح خاصية ريلز -مثل إنستجرام وتيك توك- جزءًا كبيرًا من حياة الأطفال والمراهقين في العصر الرقمي. هذه المقاطع القصيرة التي تعتمد على الجاذبية البصرية وسرعة التفاعل، تحمل تأثيرات متعددة على الأطفال تتنوع بين الإيجابية والسلبية.
ومن التأثيرات الإيجابية ما يلي:
أ- التعلم الإبداعي: يمكن للريلز أن تكون مصدرًا للتعلم من خلال عرض مقاطع تعليمية ممتعة ومبتكرة. حيث تقدم بعض المقاطع محتوى علميًّا أو ثقافيًّا موجهًا للأطفال، مما يساعدهم على اكتساب معرفة جديدة بطريقة ترفيهية. ويشجع الأطفال على التعبير عن إبداعهم، سواء من خلال إنتاج محتوى بأنفسهم، أو التعرف على أفكار إبداعية جديدة.
ب- تنمية المهارات: تُحفز مقاطع ريلز الأطفال على تطوير مهارات تقنية مثل تحرير الفيديو، واستخدام المؤثرات الخاصة، والتفاعل مع التكنولوجيا. وتساعدهم -كذلك- على تحسين مهارات التواصل من خلال مشاركتهم في إنشاء محتوى، والتفاعل مع جمهورهم. ومن ثم يمكن للأطفال الشعور بالارتباط مع أقرانهم من خلال مشاهدة محتوى مشترك والتعليق عليه.
وأما التأثيرات السلبية فتشمل ما يلي:
أ- إدمان الشاشات: خاصية ريلز تُبنى على خوارزميات مصممة لجذب الانتباه لفترات طويلة. وقد يؤدي هذا، إلى إدمان الشاشة لدى الأطفال، مما يقلل من الوقت الذي يقضونه في الأنشطة البدنية والتفاعلات الاجتماعية المباشرة.
ب- التأثير على الصحة النفسية: المحتوى غير المناسب قد يصادف الأطفال مقاطع تحتوي على محتوى غير ملائم لعمرهم مثل العنف والتنمر أو الرسائل السلبية. المقارنة الاجتماعية يمكن أن تؤدي مشاهدة حياة مثالية مزيفة على ريلز إلى شعور الأطفال بعدم الرضا عن حياتهم.
ج- انخفاض التركيز: تؤدي المقاطع القصيرة إلى تعويد الدماغ على الاستجابات السريعة وقلة الصبر، مما قد يؤثر على قدرة الأطفال على التركيز لفترات طويلة.
د- التأثير على الهوية والقيم: قد يتأثر الأطفال بتوجهات غير واقعية، مثل المثالية في المظهر أو سلوكيات سلبية تُظهرها بعض المقاطع.
نصائح للآباء والمربين
يجب على الآباء مراقبة ما يشاهده الأطفال، ووضع قيود على المحتوى غير المناسب. ولا بد من استخدام إعدادات الرقابة الأبوية على التطبيقات. كما يجب عليهم تحديد وقت معين لاستخدام الأجهزة الذكية لتجنب الإدمان. ولا بد من تعليم الأطفال التفكير النقدي لفهم أن ما يرونه على ريلز قد لا يعكس الواقع. كما ينبغي تعزيز الأنشطة البدنية والهوايات لدى الأطفال، مثل القراءة والرسم، لإيجاد توازن صحي بين العالم الرقمي والحياة الواقعية.
إن ريلز أداة ترفيهية وتعليمية قوية، لكنها سلاح ذو حدين. لذا، يتعين على الآباء والمعلمين توجيه الأطفال لاستخدام هذه التقنية بطريقة بنّاءة، من خلال مراقبة المحتوى، وتحديد الوقت المخصص لها، وتعزيز القيم الإيجابية لديهم. وبهذه الطريقة، يمكن الاستفادة من مزايا ريلز مع تقليل آثارها السلبية على الأطفال.
وأخيرًا، إذا كنا نلاحظ أن ريلز، أو وسائل التواصل الاجتماعي، تؤثر سلبًا على صحتنا العقلية والنفسية، فالتواصل مع الأصدقاء والعائلة، أو المختصين في الصحة العقلية، يمكن أن يوفر إستراتيجيات التكيف والمساعدة في التغلب على التحديات المرتبطة بالاستهلاك الرقمي.
(*) كاتب وباحث مصري.