مشروبات الطاقة هل آمنة للأطفال والمراهقين؟

تنتشر مشروبات الطاقة بشكل واسع في مختلف الدول، وترتفع معدلات استهلاكها -خصوصًا بين الشباب والمراهقين- بسبب رغبتهم في الاستفادة من الآثار الإيجابية المؤقتة التي تتركها هذه المشروبات على أدائهم البدني ونشاطهم، إذ أظهرت دراسات عديدة أن نصف المستهلكين لهذا النوع من المشروبات حول العالم، هم من الفئات العمرية التي تقل عن 25 عامًا. كما أظهرت الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، أن 28% من مستهلكي مشروبات الطاقة هم أطفال، وترتفع نسب استهلاك مشروبات الطاقة من قبل الأطفال في عدة دول، منها ألمانيا والنمسا ونيوزيلندا.
وهناك جدل مستمر حول خطورة تناول مشروبات الطاقة على مستوى العالم، حيث تتعدد الآثار السلبية لتلك المشروبات؛ فقد تسببت بالتسمم للكثير من الأطفال دون سن السادسة، وتعمل على زيادة عدد نبضات القلب بشكل غير طبيعي، ناهيك عن إصابتهم بهشاشة العظام وتساقط الأسنان واضطرابات عصبية والأرق، إضافة إلى نقص الفيتامينات اللازمة لنمو الطفل، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حدوث التقزم ومشكلات في النمو الجسدي والذهني(١).
وقد تم منع بيع هذه المشروبات للأطفال دون سن 18 عامًا، كما في بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي وضعت قوانين صارمة لمنع بيع هذه المشروبات للأطفال، بل إن بعضها يصرفها كما تُصرف الأدوية، إلا أن في كثير من الدول العربية لا يوجد أي قوانين صارمة أو مانعة لتناول الأطفال مثل هذه المشروبات، الأمر الذي يسبب أضرارًا سلبية -على المدى القريب والبعيد- على أجسام هؤلاء الأطفال.
فما هي تلك المشروبات؟ ولماذا سميت بذلك الاسم؟ وما الآثار الإيجابية والسلبية لتناولها على صحة الإنسان؟ وما الواجب اتباعه تجاهها؟
نشأة وتطور مشروبات الطاقة
انتشرت مشروبات الطاقة خلال الثلاثين سنة الماضية، وكان أول ظهور لها في اليابان وتايلاند عام 1960م، لرغبة المستهلكين في مشروب يمد الجسم بالطاقة ويكون باردًا وغازيًّا، ويحتوي على كمية من الكافيين. ثم ظهرت في عام 1977م أول علامة تجارية لمشروب الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت في النمسا وأوروبا بالاسم التجاري الشهير “ريد بول” عام 1987. وقد ازدهرت صناعة تلك المشروبات واتسع انتشارها، حتى وصل عددها إلى أكثر من 500 علامة تجارية مختلفة تنتجها أكثر من 200 شركة في عام 2006م، ووصلت أرباحها إلى أكثر من تسعة بلايين دولارًا. وتستهدف حملات الدعاية والترويج لتلك المشروبات على فوائدها والتخلص من الخمول والكسل والتركيز على فئات الأطفال والشباب والمراهقين(٢).
ومشروب الطاقة خليط من المشروبات الغازية، ويتكون من الجلوكوز أو السكروز أو المحليات الصناعية والكافيين، وبعض المكملات الغذائية كالكارنتين لحرق الدهون، وأحيانًا خليط أعشاب الجنسينج التي تسهم في تخفيف الإحساس بالاكتئاب، وبعض الفيتامينات مثل فيتامين ب6، وب12، وحامض البيروفيك، إضافة لبعض الأحماض الأمينية كالتيورين. وتحتوي عبوة المشروب الواحدة على كمية كافيين تعادل فنجان واحد من القهوة، لكن الدراسات أشارت أن تناول القهوة هو الأفضل من الناحية الصحية(٣).
ومن الضروري توضيح الفارق بين كل من المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، من حيث محتوياتها وتركيبها. فجميع هذه المشروبات تحتوي على السكر أو المحليات الصناعية، وبعض الأحماض الأمينية والفيتامينات، إلا أن تركيز الكافيين أعلى بكثير في مشروبات الطاقة. في حين تحتوى المشروبات الرياضية على نسب مختلفة من الأملاح، كالصوديوم والبوتاسيوم، والتي تساعد على تعويض الجسم ما يفقده من أملاح وتحميه من الجفاف.
والكافيين من أكثر المواد المنبهة للجهاز العصبي انتشارًا في غذاء الإنسان، ويصل الكافيين بعد 12-30 دقيقة من تناوله إلى أعلى مستوياته في الدم، أي إنه سريع الامتصاص، وهو بذلك يصل إلى جميع أنسجة الجسم، وبعدها يؤدي إلى رفع ضغط الدم وزيادة إدرار البول ورفع مستوى الأيض، ويزيد حرق الدهون وتحفيز الجهاز العصبي وزيادة حركة الأمعاء الدودية؛ مما يؤدي إلى تنشيط الذاكرة وتحسين المزاج وزيادة مستوى الأداء الإدراكي والأداء الجسدي.
ورغم تلك الآثار الإيجابية التي تصاحب تناول مشروبات الطاقة كتحسين الأداء الجسدي، إلا أنها تُخلِّف أضرارًا صحية لا يستهان بها، وآثارًا جانبية ضارة. وأكبر خطر في مشروبات الطاقة، هو ارتفاع نسب الكافيين الذي ينتج عن وجود بعض المركبات التي تحويه، وهي مركب غوارانا الذي يحتوي على 40 جم إلى 80 جم من الكافيين، ومركب جوز الكولا، ومركب المتة، ومركب الكاكاو، إضافة إلى ارتفاع نسب السكر في تلك المشروبات وما يترتب عليه من آثار سلبية على صحة الإنسان.
مشروبات الطاقة والأطفال
تعد مرحلة الطفولة والمراهقة من المراحل الهامة في حياة الإنسان، ويكون معدل النمو فيها سريع جدًّا، كما أن الدماغ ينمو في هذه المرحلة.. ولكي يصل النمو لأقصى درجاته لا بد من توافر التغذية السليمة والنوم بدرجة كافية، وهنا المشكلة في مشروبات الطاقة لاحتوائها على الكافيين الذي يؤثر على طبيعة النمو وشهية تناول الطعام بصورة سلبية.
وتعد الأضرار التي تتركها هذه المشروبات بمختلف مسمياتها التجارية أكثر شدة على الأطفال، إضافة إلى مَن يعانون أمراضًا في كل من القلب والكبد والكلى والسكر، واضطرابات الغدد الصماء.
وقد حذرت الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (American Academy of Pediatrics) من خطورة تلك المشروبات على الأطفال وصحتهم، وتزداد تلك الخطورة في حالة وجود مشكلات صحية لدى الطفل، كأمراض القلب أو الضغط أو غيرها، وآثارها السيئة على شهية الأطفال(٤).
وقد أكدت دراسة علمية أصدرتها جمعية القلب الأمريكية (AHA)، أن مشروبات الطاقة تسبب مشاكل صحية خطيرة لدى الأطفال، إذ وجد الباحثون أن نسبة 41% من أصل خمسة آلاف مكالمة، وردت إلى مراكز السموم بسبب تعرض الأطفال تحت سن السادسة للتسمم نتيجة تناول مشروبات الطاقة، أو المعاناة من آثار جانبية لها، مثل تزايد نبضات القلب بشكل غير طبيعي، وذلك في الفترة ما بين أكتوبر 2010م إلى سبتمبر 2013م.
وفي دراسة أخرى أجريت في مستشفى مايو كلينك الأمريكية، أكد الباحثون أن تناول عبوة واحدة من مشروبات الطاقة، ترفع هرمون الأدرينالين، وضغط الدم، وترفع خطر الإصابة بأمراض القلب.
وتم تسجيل بعض الحالات المرضية لمتناولي مشروبات الطاقة في ألمانيا تشمل الفشل الكبدي، والفشل الكلوي، واضطرابات الجهاز التنفسي، والاضطرابات النفسية، ونوبات الصرع، واضطراب العضلات وتسارع نبضات القلب، وفشل في وظائف القلب وارتفاع ضغط الدم.
وسجلت حالات في أيرلندا أصيبت بمشكلات التشنجات، واضطرابات التركيز الفكري، وتسارع نبضات القلب، وبعض الوفيات.. أما في نيوزيلاندا فهناك حالات اضطرابات الجهاز الهضمي، وآلام البطن والقيء، ونوبات التهيج واضطراب القلب.
كيف نتعامل مع مشروبات الطاقة؟
ونظرًا لخطورة هذه المشكلات، قامت الهيئات العالمية بوضع أنظمة للحد من استهلاك مشروبات الطاقة، والتوعية بأضرارها، ووضع القوانين واللوائح لمراقبة هذه المشروبات.. فقد قررت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، منع مشروبات الطاقة في وجبات الأطفال الغذائية، وفرض ضرائب إضافية على بيع هذه المشروبات، وحملات توعية في الإعلام للآباء والأمهات والأطفال بأضرار هذه المشروبات، والتفريق بينها وبين باقي الأنواع من المشروبات.. فالأفضل هو الحليب والمشروبات الطبيعية الطازجة، التي تحتوي على الفيتامينات الطبيعية، كفيتامين سي، وفيتامين أ، والفيتامينات الهامة لنمو الطفل.. ومنع مرضى القلب والسكري وكبار السن والحوامل والمرضعات من استعمال مشروب الطاقة؛ حيث إنه سريع الامتصاص، ويصل إلى المشيمة وحليب الأم مباشرة، وبالتالي يصل الجنين وهو في رحم أمه، وكذلك الرضيع يحصل على الكافئين بنفس النسبة التي تحصل عليها الأم، وقد يصاب الأطفال ببعض الإعاقات.

كما أوصت منظمة الصحة العالمية، الشركات المصنعة لمشروبات الطاقة، بألا تزيد نسبة الكافيين في العبوة الواحدة عن 50 ملليجرام، وأن يكتب على العبوة أنها غير مخصصة للأطفال، أو مَن هُم أقل من سن 16 عامًا. وتلتزم شركات مشروبات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، بوضع عبارة “غير مخصصة للأطفال” على عبوات المشروبات. كما قام مجلس الوزراء السعودي بمنع وحظر الإعلان عن هذه المشروبات أو توزيعها مجانًا، وحظر بيعها وتوزيعها في المطاعم الحكومية، وكذلك الأندية الحكومية والخاصة، وإلزام الشركات بكتابة أضرار هذه المشروبات على العبوات المباعة(٥).

(*) كلية التربية، جامعة الإسكندرية / مصر.
المراجع
(١) مشروبات الطاقة خطر داهم، حنين أرجوب (2015م)، جريدة دنيا الوطن، 7 يوليو 2015م.
(٢) مشروبات الطاقة.. الزيادة في الاستهلاك تصل إلى الإدمان، جريدة الرياض (2012م)، العدد:16149، 10 سبتمبر 2012م.
(٣) مشروب الطاقة خارج الرقابة، نيكول طعمة (2011م)، جريدة النهار، 9 يونيو 2011م.
(٤) Cinteza, E. (2011): Update in Pediatrics: To take or not to take soft drinks, sports or energy drinks? A Journal of Clinical Medicine, Volume 6 No.2.
(٥) مشروبات الطاقة، أماني عليوي الرشيدي (2015م)، سلسلة المطبوعات التوعوية، جامعة الملك عبد العزيز، ص:13.