نعم الإدام الخل

في سنن ابن ماجه عن أم سعيد رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “نِعْمَ الإدامُ الخلُّ، اللهم بارك في الخلِّ. ولم يفتقر بيت فيه الخلُّ”.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نِعْمَ الأُدمُ أو الأَدامُ الخلُّ” (رواه مسلم).

يشير النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين إلى فضل الخل كإدام يُؤكل مع الطعام، ويمدحه لأنه طعام بسيط متوفر وغير مكلف. في ذلك توجيه إلى الاقتصاد والقناعة بما هو متاح، مع التأكيد على التواضع في الطعام. يبيّن هذا الحديث أن الإنسان لا يحتاج إلى تكلّف أو إسراف في الطعام، بل يمكنه الاكتفاء بما هو بسيط ومتوفر. ويتفق ذلك مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتدال والتوازن في جميع الأمور. ولا يعني الحديث الاقتصار على تناول الخل وحده، بل يشير إلى أنه من الجيد استخدامه كجزء من الطعام.

الخل هو سائل ذو طعم نافذ، يتكون من الماء وحمض الخل (5%) إضافة إلى مواد صلبة وطيارة وعضوية تعطيه الطعم والرائحة. يتميز الخل بإبراز نكهة بعض الأطعمة وجعلها أشد قبولًا ومذاقًا، كما يساعد في تحسين عملية الهضم. لذا، يضاف الخل إلى العديد من الأطعمة مثل اللحوم والسلطات، حيث يثير الشهية ويفتح القابلية للطعام.

أنواع الخل

يتم إنتاج الخل الطبيعي من ثمار بعض الفواكه، مثل التفاح (خل التفاح)، الذي يُعد أفضل أنواع الخل لاحتوائه على العديد من الأحماض العضوية والمعادن المفيدة للجسم، مثل البوتاسيوم والكالسيوم. كما يُصنع الخل من ثمار أخرى مثل المشمش، الخوخ، البرتقال، العنب، وبعض الخضراوات مثل البطاطا، بالإضافة إلى قصب السكر الذي يُعد الأشهر عالميًّا في إنتاج الخل.

الخل قديمًا

كان الخل غذاءً ودواءً معروفًا منذ القدم. قال عنه ابن القيم:
“الخل ينفع من المعدة الملتهبة، ويقمع الصفراء، ويدفع ضرر الأدوية القتّالة، ويحلل اللبن والدم، وينفع الطحال، ويدبغ المعدة، ويعقل البطن، ويقطع العطش، ويعين على الهضم، ويلطّف الأغذية الغليظة، ويرق الدم. وإذا تمضمض به مسخّنًا نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة”.

أما الرازي فقال:
“الخل يلطف الأخلاط الغليظة، وييبّس البطن، ويقطع العطش، وهو بارد، يطفئ حرق النار أسرع من أي شيء آخر. وهو مولّد للرياح، منشّط لشهوة الطعام، معين على الهضم، ومضاد للبلغم”.

فوائد خل التفاح العلاجية

استفادت البشرية منذ القدم من فوائد خل التفاح العلاجية. خلال الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الأميركية، تم استخدامه لعلاج الجروح. وكان محاربو الساموراي في اليابان يشربونه طلبًا للقوة، بينما شربه الفرس القدماء لتجنب تراكم الأنسجة الدهنية في أجسامهم. أما الرومان، فلم يكن خل التفاح بالنسبة لهم علاجًا صحيًا فقط، بل كان أيضًا أداة لاختراق الصخور أثناء غزوهم لجبال الألب.

مؤخرًا، افتتح المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة فرعًا خاصًّا بالطب الذي يعتمد على خلاصة النباتات والأعشاب، حيث يحتل الخل مكانة مهمة في أبحاثه بعد التحقق من فوائده في علاج العديد من المشكلات الصحية.

الاستخدامات التاريخية لخل التفاح

في الصين وإفريقيا، استُخدم خل التفاح كطب بديل. وتشير بعض الروايات إلى أن قبيلة “الآريين”، وهي قبيلة بدوية قديمة، أنتجت نبيذ التفاح الحامض، ومررت هذه الوصفة إلى الرومان والإغريق، مما ساهم في تطوير صناعة خل التفاح. كما أوصى الطبيب الإغريقي الشهير أبقراط بتناول الخل لعلاج السعال ونزلات البرد.

خلال تفشي الطاعون عام 1348، كان الطبيب الإيطالي تومازو ديل غاربو يغسل يديه ووجهه وفمه بالخل على أمل أن يحميه ذلك من الإصابة بالعدوى. كذلك، كان الجنود الرومان يستخدمون مزيج الماء والخل كمشروب منعش لتخفيف ظمأهم، وهو تقليد استمر حتى يومنا هذا، حيث يتناوله الرياضيون للترطيب

فوائد الخل الصحية

ثبت علميًّا أن للخل فوائد عظيمة؛ فهو يقلل من دهون الدم، ويحد من الدهون المترسبة على جدران الشرايين، مما يؤدي إلى خفض نسبة الكوليسترول في الدم، وبالتالي يساعد في علاج ارتفاع ضغط الدم. كما يعزز الجسم في التعامل مع الدهون بكفاءة أكبر، إذ يحول الدهون المعقدة المخزنة في أماكن مختلفة من الجسم إلى دهون بسيطة يسهل تفكيكها وهضمها، ما يقلل الدهون المخزنة في الجسم، ويخفض الوزن الزائد ويخفف من السمنة.

يحتوي الخل على خمائر حيوية تعزز عمل الجهاز الهضمي والجهاز المناعي، كما يساعد في تجنب حدوث فقاعات الحروق وآثارها، بما في ذلك الحروق الناتجة عن التعرض لفترات طويلة لأشعة الشمس. يقضي الخل على الجراثيم لاحتوائه على البوتاسيوم، الذي يمنع الجراثيم من امتصاص الماء من جسم الإنسان، مما يؤدي إلى موتها.

يساهم الخل أيضًا في التخلص من آلام مفاصل اليدين والقدمين من خلال استعادة الحموضة الطبيعية للجسم. ويمكن استخدام محلول الخل بالماء لتلطيف آلام المفاصل الملتهبة. ومن خلال مزج الخل والعسل وتدليك فروة الرأس، يُمكن الحد من تساقط الشعر والقشرة والحكة.

كما أن الخل يمنع الإسهال بفضل احتوائه على مادة قابضة، وينشط عملية الهضم إذا تم تناوله بين الوجبات. ويساعد في منع تخلخل الأسنان، ويشد اللثة ويوقف نزيفها عند التمضمض بكوب ماء دافئ مضاف إليه ملعقتان من خل التفاح.

يقضي الخل على الطفيليات في الأمعاء، وينشط العمليات الحيوية في الجسم، كما يقوم بتطهير الأمعاء، ويعالج المغص والقيء والإسهال. ومن فوائده أيضًا تطهير الفم من الجراثيم والميكروبات عند استخدامه كغرغرة. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم كترياق للتسمم بالقلويات، ويمكن مسح جبين المريض المصاب بالحمى به لتخفيف الصداع. كما يمكن طلاء الرأس بالخل لعلاج الصلع، أو إضافته إلى النشاء واستخدامه كدهان لعلاج الحكة.

يساعد الخل في غسل القروح والجروح الجلدية، وقد وُصف في الطب الحديث بأنه مرطب ومنعش ومدر للبول والعرق. يُعد فعالًا في معالجة القوباء والثعلبة ودوالي الساقين، وثبتت فعاليته في معالجة لدغات النحل.

فوائد أخرى متنوعة

يُستخدم الخل في العديد من المجالات التي لا تُعد ولا تُحصى. على سبيل المثال، يساعد في التخلص من الصدأ، وتطهير فلاتر مكيفات الهواء، وفقًا لمقالة طويلة ومهمة في موقع “جدران عربية”، التي تذكر أكثر من 70 فائدة للخل بالتفصيل.

من بين تلك الفوائد: رش بيوت النمل للتخلص منه في المنزل، والتخلص من الأعشاب غير المرغوب فيها بين الصخور والحجارة، وإزالة بقع الزيت من الجلد. كما يُعيد الخل شد الملابس الصوفية المنكمشة، ويساعد في التخلص من صفار الملابس البيضاء وتبييض الغسيل بشكل عام، وتعقيم الملابس وتنظيف الغسالة، وتنظيف الحمام والمراحيض وفتح ثقوب الدش.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الخل لتلميع السيراميك والبورسلين، ومنع تجلد الزجاج في المناطق الباردة، والتخلص من الحشرات في خزائن المطبخ، وتعقيم الترمس وأباريق الشاي. كما يُستخدم لإزالة بقع الفاكهة من اليدين، وإزالة روائح الطلاء، وغسل الأغطية ذات الوبر الناعم للحفاظ على ألوان الأقمشة. يُعد الخل أيضًا مادة فعالة لإذابة العلكة (اللبان) التي تلتصق بالملابس.

أضرار الخل
ينصح بتجنب تناوله على الريق للأشخاص الذين يعانون من قرحة المعدة أو الأمعاء. كما يُنصح أيضًا بتجنب الإكثار من تناوله على الريق حتى للأشخاص الأصحاء، إذ إن الإفراط في استخدامه قد يؤدي إلى: التهابات المعدة والكبد، وتغيير حموضة الدم، وتهيج المعدة والكبد، بالإضافة إلى عسر الهضم والمغص، وقد يتسبب أحيانًا في حدوث قرح.

وأضاف العلماء أن الكمية المسموح بها والتي لا تسبب أضرارًا صحية هي ملعقتان كبيرتان يوميًا، يمكن إضافتهما إلى طبق السلطة أو إلى الأطعمة الأخرى، أو إذابتهما في كوب من الماء وتناولهما يوميًا للاستفادة من فوائد الخل المتنوعة.

أبحاث ودراسات
يُعتبر الخل من المواد الغذائية التي حظيت باهتمام كبير في الدراسات العلمية نظرًا لفوائده الصحية المتعددة. فيما يلي بعض الأبحاث والدراسات التي تناولت فوائد الخل:

  • أظهرت دراسة نُشرت عام 2004 في مجلة رعاية مرضى السكري (بالإنجليزية: Diabetes Care) أن تناول الخل يمكن أن يحسن حساسية الإنسولين لدى الأشخاص المصابين بالسكري أو المعرضين للإصابة به، مما يساعد في تنظيم مستويات السكر في الدم.
  • أظهرت دراسة أخرى أن تناول الخل يمكن أن يُحسّن مستويات الغلوكوز في الدم بعد تناول الطعام لدى المصابين بحالة مقاومة الإنسولين، وهي حالة يصبح فيها الإنسولين أقل فعالية في خفض مستوى السكر في الدم.
  • أشارت دراسة نُشرت في جامعة طرابلس إلى أن للخل فوائد صحية متعددة، منها تحسين الدورة الدموية وعلاج السعال. كما يُعتبر الخل مضادًا لنمو بعض الأحياء الدقيقة ومضادًا للأكسدة.
  • أظهرت دراسة لبنانية أن تناول ملعقة من خل التفاح يوميًا قد يؤدي إلى فقدان يصل إلى 8 كيلوغرامات من الوزن لدى الشباب.
  • أظهرت دراسة أخرى أُجريت على بالغين يعانون من البدانة أن تناول خل التفاح أدى إلى انخفاض ملموس في الوزن وكتلة الدهون، بالإضافة إلى خفض مستوى ثلاثي الغليسريد، وهو نوع من الدهون الموجودة في الجسم. كما تشير بعض الدراسات التي أُجريت على الحيوانات إلى أن الخل قد يساهم في خفض ضغط الدم وتقليل مستويات الكوليسترول، مما يُعزز صحة القلب.

تحذيرات بشأن الخل الصناعي

تتوافر في الأسواق العديد من زجاجات الخل الصناعي، وهو ضار جدًّا بالصحة. يُعد هذا النوع مادة كيميائية تنتج من تحويل السكر إلى كحول الإيثانول، ثم يتحول الكحول في وجود الأكسجين وبعض الإنزيمات إلى حمض الخليك، وهي مادة ضارة جدًا بالصحة. لذلك، يجب التأكد من أن زجاجة الخل موضح عليها أنه خل طبيعي مستخرج من ثمار معينة. أما إذا كُتب على الزجاجة أنها “خلطة خل” أو “خل صناعي” دون الإشارة إلى النبات المصنع منه الخل، فلا يُنصح بشرائها، خاصة مع انتشار حالات الغش.

الخلاصة
تم الترويج للخل باعتباره علاجًا متعدد الأغراض، بدءًا من الأمراض البسيطة وصولًا إلى الأمراض المزمنة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد أبحاث علمية مدعمة ومستوفية لمعايير البحث العلمي تؤكد أو تنفي جميع هذه الفوائد بشكل قاطع. لذا، فإن فوائد خل التفاح التي ذُكرت تُعد في الغالب تقاليد متداولة أكثر منها حقائق علمية مثبتة. ومع ذلك، هناك القليل من الدراسات والأبحاث التي تدعم بعض الفوائد الصحية التي ذُكرت، مما ساهم في زيادة شعبيته وانتشاره عبر وسائل الإعلام.

مصادر:

  • نعم الإدام الخل – د. مروة عزمي جنينة، اليوم السابع، السبت 29 يونيو 2013.
  • نعم الإدام الخل – د. محمد نزار الدقر، مجلة الإعجاز.
  • الخل … ألف فائدة وفائدة – جريدة الشرق الأوسط.
  • العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية، مثل: موقع الكونسلتو، موقع الطبي، موقع الجزيرة نت، وغيرها.