الخطر المدمر للمؤسسات والدول
الشخصية السيكوباتية تُعد واحدة من أكثر الشخصيات تعقيدًا وصعوبة في الاكتشاف، حيث يُمكن أن تظهر بأشكال متعددة وتخفي نواياها الحقيقية وراء سلوكيات جذابة ومبهرة. بل وتبدو هذه الشخصيات محبوبة ومؤثرة في البداية، ولا أحد يكتشف مخاطرها وتهديدها الحقيقي في بيئات العمل إلا الواقعين تحت يدها.
بينما تظل البيئة الخارجية، أو القيادات العليا بالمؤسسات لا تتمكن من اكتشاف الشخصيات السيكوباتية التي تحتل مواقع قيادية صغرى، إذ من الصعب تمييز السيكوباتيين بأنهم يميلون إلى التلاعب بالآخرين، ويستخدمون أساليب خادعة، مما يجعلهم يشكلون خطرًا على استقرار المؤسسات أو تحقيق النتائج المرجوة، أو نهضة المجتمعات.
لأن السيكوباتيين بطبيعة الحال، يستخدمون الزملاء أو القيادات لتحقيق مصالحهم الشخصية، مما يؤدي إلى تدهور الروح المعنوية، وزيادة التوتر، وتدمير الثقة داخل الفرق العاملة، وإظهار نتائج وهمية للمؤسسات، وصناعة بريق إعلامي لا يعكس الحقيقة أو الأداء النهضوي المرجو، أو التخفي وراء بعض الأعمال البسيطة مقابل ما يحدث في الخفاء.
لذا، فنحن نرى أهمية فهم الشخصية السيكوباتية في بيئة العمل تحديدًا، وكيفية اكتشافها برغم ما تتبعه من أساليب التخفي والتنكر، وأيضًا كيفية التعامل معها في بيئة العمل والحد من مخاطرها، ومن ثم تحقيق ما نرجوه من نهضة مجتمعاتنا.
أولاً: صعوبة اكتشاف السيكوباتي في بيئة العمل
– إجادة العبارات المتميزة: يمكننا أن نوضح صعوبة اكتشاف السيكوباتي من خلال العبارات التي يستخدمها، إذ تتقن الشخصية السيكوباتية فن استخدام العبارات التي تبدو للوهلة الأولى محبة أو دعمًا. على سبيل المثال، قد يُطلق السيكوباتي عبارات مثل “الله يبارك لك” أو “ربنا يوفقك” في محاولة للتلاعب بمشاعر الآخرين وكسب تعاطفهم، فيبدو للآخرين أن هذه العبارات قد تبدو في ظاهرها دعاء بالخير، إلا أنها تُستخدم في كثير من الأحيان كأداة لخداع الآخرين وكسب ثقتهم، وكأنهم يقولون: نحن نحمل الخير للجميع، أو نريد الخير ونرتبط بالدين، حيث الدعاء عبادة دينية.
لكن، وفي الوقت ذاته لا يستطيع السيكوباتيون التنكر من العبارات التي تعكس شعورًا بالأنا العالي مثل “أنا الذي فعلت كل شيء” أو “لا أحد يفهمني”، مما يعزز من إحساسهم بالاستحقاق والغطرسة. هذه العبارات تؤدي إلى توجيه الانتباه نحو شخصهم بشكل إيجابي، بينما هم يواصلون في الخلفية تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الآخرين.
– الخداع باسم الخير والفضيلة: الشخصية السيكوباتية تُظهر مظهرًا من الطيبة والمساهمة الاجتماعية لخداع الآخرين واكتساب مكانة اجتماعية. قد يُشارك السيكوباتي في أعمال خيرية، أو يُظهر نفسه كمساهم في المشاريع الاجتماعية الكبرى لجذب الانتباه وتعزيز صورته العامة.
فقد يتطوع لحضور مؤتمرات خيرية أو يعرض دعمًا ماليًّا للمحتاجين، ولكن الهدف الأساسي ليس تقديم العون، بل استخدام هذه الأعمال لرفع مكانته الاجتماعية وكسب الثقة التي تمكنه من التسلط على الآخرين.
حيث تكون الأعمال الخيرية ليست إلا ستارًا يُخفي وراءه نوايا سيكوباتية تهدف إلى إيذاء الآخرين والتسلط عليهم عندما يحصل على فرصة.
ثانيًا: كيفية صعود الشخصيات السيكوباتية في العمل
هنا، يجدر بنا معرفة كيف تتعامل الشخصية السيكوباتية مع القيادات العليا: إذ السيكوباتيون يتعاملون بمهارة مع القيادات العليا وأصحاب المكانة الاجتماعية.
في البداية، قد يظهر السيكوباتي كموظف مخلص ومتحمس ولديه أفكار مبتكرة تهدف لتحسين العمل، هذا الظهور الخارجي يُمكّنهم من كسب إعجاب أصحاب القرار.
لكن مع مرور الوقت، يبدأ السيكوباتي في استخدام علاقاته مع هؤلاء الأشخاص للوصول إلى مناصب قوية، بل وقد يستغل ثقتهم لتحقيق أهداف شخصية.
من الأمثلة الشائعة في بيئة العمل، قد تجد موظفًا ما يتقرب من المديرين والقيادات العليا بابتسامة كبيرة ونوايا زائفة، ليحصل على فرص أكبر، بينما يعمل خلف الكواليس لتحقيق مصالحه الخاصة من خلال التلاعب بالحقائق، أو التآمر ضد الآخرين.
ثالثًا: أسباب تشكل الشخصية السيكوباتية
تتعدد الأسباب التي قد تساهم في تكوين الشخصية السيكوباتية. فقد تكون العوامل البيولوجية أو الوراثية لها دور كبير، مثل وجود عاهات أو تشوهات في الدماغ أو الوجه، وقد أظهرت بعض الدراسات أن هناك ارتباطًا بين بعض التشوهات العصبية وبين ظهور السلوكيات السيكوباتية.
إضافة إلى ذلك، قد تساهم العوامل الاجتماعية في ظهور هذه الشخصية؛ فعلى سبيل المثال، قد تؤدي تجارب التنمر أو العيش في بيئة مليئة بالعنف إلى تطور الشخصية السيكوباتية.
كما أن بعض السيكوباتيين قد ينشؤون في بيئات قروية أو شعبية وعشوائية فقيرة جدًا، حيث يشعرون بالإحباط، مما يدفعهم لاستخدام الخداع كوسيلة للسيطرة على المواقف.
هذا، بمعنى أن هؤلاء الأفراد قد يكونون قد نشؤوا في بيئات صعبة، أو حتى نشؤوا تحت تأثير شخصيات عنيفة، مما قد يساهم في تعزيز هذه السلوكيات العدوانية والمراوغة، أو تعزيز تلك الرغبات لديهم.
رابعًا: كيفية اكتشاف الشخصية السيكوباتية في بيئة العمل
في بيئة العمل، قد يصعب اكتشاف الشخصية السيكوباتية في البداية، خاصةً عندما يكون الشخص في مرحلة مبكرة من حياته المهنية.
إذ في البداية، قد يظهر السيكوباتي في صورة الموظف المخلص الذي يتمتع بروح طيبة ويظهر كصديق للجميع. لكن بعد أن يكسب ثقة الزملاء، يبدأ في إظهار سلوكياته الخادعة.
بل وقد يظهر في هذه المرحلة البدائية ووفق الدراسات العلمية وكأنه “الطفل المدلل” الذي يحصل على الامتيازات بسهولة، أو يتجنب المسؤوليات الكبيرة.
خصوصًا وأن مثل هذه الشخصيات تعمد لاستخدام ذكاءها الاجتماعي للتقرب من الأشخاص ذوي النفوذ، بينما يسعى لتحقيق أهدافه الشخصية خلف الكواليس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السيكوباتيين غالبًا ما يتمتعون بقدرة على استغلال نقاط ضعف الآخرين وتحويل المواقف لصالحهم.
خامسًا: توصيات لمواجهة الشخصية السيكوباتية
لمواجهة الشخصيات السيكوباتية في بيئة العمل، يجب أن تكون هناك استراتيجية منظمة للكشف عنها وإبعادها عن مواقع القوة، ويمكن القول إن من أهم التوصيات الواجب اتباعها، هي ما يلي:
– التدريب على الوعي السيكوباتي: من الضروري تدريب الموظفين على كيفية التعرف على السيكوباتيين والتمييز بين سلوكياتهم الخادعة.
– الشفافية والمحاسبة: يجب أن يتم وضع آليات مراقبة دقيقة على الأداء الوظيفي، مع تشجيع بيئة تتيح الإبلاغ عن أي سلوكيات غير لائقة أو تلاعب.
– التحقيق في الحالات المشبوهة: عندما يظهر أن شخصًا ما يحقق تقدمًا مفرطًا أو يبدي تصرفات غريبة، يجب أن يتم التحقيق في نواياه وأساليبه في التقدم في العمل.
– عزل السيكوباتيين عن السلطة: يجب العمل على عزل هؤلاء الأفراد عن مناصب القيادة أو التأثير، خاصة إذا ثبت أنهم يتلاعبون بالقوانين أو يحققون مصالحهم الخاصة على حساب الآخرين، لأن في ذلك خطورة بالغة على الأداء وتدمير لإمكانية التقدم.
وختامًا:
الشخصية السيكوباتية في بيئة العمل تشكل تهديدًا كبيرًا لا يُمكن تجاهله. هذه الشخصيات القادرة على التلاعب والخداع قد تخلق بيئة سامة، تقلل من فعالية الفريق، وتدمّر الثقة بين الأفراد.
لكن يمكن للمؤسسات أن تحمي نفسها من تأثيراتها السلبية، سواء من خلال توعية العاملين، وتطوير آليات للكشف عن هذه الشخصيات، والتفاعل المبكر مع السيكوباتيين، واكتشافهم في مراحل مبكرة، مما يساهم في الحفاظ على بيئة العمل سليمة، وتحقيق النجاح المستدام للجميع، والاستفادة من قدرات جميع العاملين، وتحقيق النهضة المرجوة.