سرطان الثدي من الأمراض المنتشرة بكثرة عالميًّا حاليًا، ويعد المرض الأكثر شيوعًا بين النساء من عمر 40 ـ 69 عامًا، وحيث إن العمر الافتراضي للنساء قد طال مع تطور الحياة المدنية هذه الأيام، فقد تم الكشف عن المزيد من حالات الإصابة به، خاصة وأن نسبة الوفيات بين النساء بسبب سرطان الثدي هي ثاني أكبر نسبة موت بعد سرطان الرئة.
يزداد خطر الإصابة بسرطان الثدي عند المرأة مع التقدم في العمر، وهناك خطر الإصابة بسبب العدوى الذاتية، أي انتقال المرض من أحد الثديين إلى الآخر، وهنا يأتي دور الجراح والمريضة أيضًا في ملاحظة أية تغييرات على الثدي، إذ تنبئ بعض التغييرات التي قد تكون في بدايتها غير ضارة الجراح إلى احتمال إصابتها بالسرطان. كما وجد أيضًا أن الهرمونات الأنثوية تلعب دورًا في تطور السرطان، حيث يحفز الأستروجين بعض الأورام.
لهذا فإن البداية المبكرة للدورة، والتغيير المتأخر لنمط الحياة، وعدم الزواج والولادة كلها عوامل تزيد من خطر التعرض لسرطان الثدي.
طرق التعرف على المرض وسبل التخلص منه
يتم التعرف المبكر إلى المرض من خلال الطرق التالية:
1- الفحص الذاتي للثدي، وهذه عملية سهلة يمكن تعلم تقنيتها وعملها في المنزل بطريقة لا تثير قلقًا عند المرأة إذا ما اكتشفت أن لديها درنة، ويذكر أنه في غالبية الحالات التي تم الكشف عنها في العيادة لم يكن هناك أي ورم، وفي 80 % من الحالات كان الورم حميدًا.
2- الكشف على الثدي باستخدام أشعة إكس للنساء ممن هن فوق الخمسين، وهذا النوع من التصوير بالأشعة يكشف أماكن (الخلايا) التي قد يحدث فيها اضطراب قبل أن تتطور إلى ورم سرطاني، وعند الإحساس بوجود ورم في ثدي، يتم استخدام الماموجرافي للكشف على الثدي الآخر، ولأن هذه التقنية لا تكون نتائجها صحيحة 100 % فقد يلجأ الطبيب إلى إجراء اختبار بالأشعة فوق الصوتية.
3- يستخدم النشاط الإشعاعي لتعقب الأماكن التي يحدث فيها اضطراب في الخلايا، والمنطقة التي يرى المختص أن بها اضطرابًا في الخلايا يتم فحصها والتحقق من خطر تعرضها للمرض فيما بعد.
4- التعرف إلى الورم في عيادة الطبيب من خلال شفط بعض الأنسجة باستخدام إبرة وتخدير موضعي. ويتم أخذ عينة من الورم ووضعها على شريحة ودراستها، وبالتالي يتعرف الجراح الطريقة المناسبة للتخلص من الورم وإزالته.
5- إذا كان شفط بعض الأنسجة بالإبرة غير مجدٍ، يلجأ إلى استخدام إبرة أكبر لاستئصال عينة أكبر من أنسجة الورم لفحصها تحت المجهر.
6- يتم وضع سلك خطافي وتتم مراقبته الماموجرافي للتعرف المبكر إلى المرض قبل أن تبدأ الخلايا بالنمو المضطرب، ويتم حاليًا تطوير تقنيات لإزالة الخلايا التي قد تكون عرضة للمرض من دون الحاجة لإجراء عملية جراحية.
7- يمكن التخلص من الورم عن طريق الجراحة، إذ يتم إجراء اختبار بسيط للمجهر للتعرف إذا ما كان حميدًا أم خبيثًا.
الهدف من العملية الجراحية هنا هو التخلص من الورم، وقبل إجراء العملية يتحدث الطبيب مع المريضة بشكل مفصل حول ما إذا كان سيتم التخلص من الورم فقط أو إزالة الثدي بالكامل.
طرق العلاج المتوفرة
لا تعد الجراحة الحل الوحيد المتوافر حاليًا، فهناك العديد من العلاجات الأخرى تلعب دورًا في التخلص من هذا المرض، ولكن بعد الجراحة واستئصال الثدي تحديدًا تبحث المرأة عن طرق إعادة جمال الثدي مرة أخرى، من هذه الطرق كانت زراعة السيليكون داخل الثدي. ولكن بعد اكتشاف خطورته والعديد من الأمراض التي يتسبب بها، تغير الموقف تمامًا.
انتهت أخيرًا الحرب الشرسة التي نشبت على مدى السنوات الماضية بين علماء المناعة من جانب، وأطباء وجراحي التجميل والشركات المنتجة لمادة السيليكون المستخدم في جراحات تجميل الثدي من جانب آخر، حيث تأكد لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية أن زرع السيليكون في أثداء السيدات يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض المناعية، ويشكل خطورة شديدة على الجسم، وبناء على ذلك تم النزاع إلى ساحات المحاكم الأمريكية وانتهي الأمر بأن اقتنعت محكمة مدينة برمنجهام بولاية ألاباما بوجهة نظر هيئة الغذاء والدواء وعلماء المناعة، وأصدرت حكمًا يقضى بقيام الشركات الأمريكية الرئيسية المتخصصة في إنتاج مادة السيليكون المستخدمة في هذه الجراحات بتعويض جميع المتضررات من استخدام هذه المادة بكل أنحاء العالم خاصة أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وأمريكا الجنوبية.
ولتنفيذ ذلك ألزمت المحكمة هذه الشركات بإنشاء صندوق للإنفاق على التعويضات يبلغ حجم مخصصاته 4.25 مليار دولار كما يقضى حكم المحكمة الأمريكية بأن حجم التعويض الذي ستحصل عليه السيدات الضحايا سيتقرر على أساس كل حالة على حدة، وستستفيد منها كافة السيدات اللائي قمن بزراعة الثدي حتى وإن كان قد تم إزالة الثدي المزروع فيما بعد.
ما هي الدوافع التي أدت إلى هذا التطور
الحاصل أنه بعد سلسلة أبحاث عديدة أعلن علماء المناعة أن السيليكون قد يصيب الجهاز المناعي بالجنون فيجعله يدمر الجسم بدلاً من الدفاع عنه، وقد خرجت أول التقارير التي تحذر من السيليكون في أوائل الثمانينات من الولايات المتحدة واليابان، وأشارت إلى أن بعض عمليات زرع السيليكون كانت مصحوبة بأمراض مناعية، ووجد بعض الباحثين أن المتاعب تبدأ أثر ارتشاح أو تسرب أجزاء من كرة السيليكون إلى الخارج نتيجة عيوب في التصنيع أو لأسباب أخرى، والبعض الآخر لاحظ أن هذه المتاعب تنشأ من مجرد وجود السيليكون في الجسم سواء ارتشح أو تمزق داخل الكبسولة أم لا.
في دراسة أخرى أجريت على 24 سيدة في مركز أبحاث لاجولا بكاليفورنيا ظهرت عليهن أعراض أمراض مناعية كالتهاب المفاصل والإجهاد والصداع وغيرها، بعد أن زرع لهن سيليكون وجد أن 13 منهن لديهن أجسام مضادة من التي تصاحب حدوث الاضطرابات المناعية و7 منهن مصابات بتيبس في جميع طبقات الجلد رغم أنه مرض يصيب 9 فقط من بين كل مليون شخص و13 منهن لديهن شكوك من أشياء لها صلة بالمناعة.
النتيجة التي خرج بها العلماء من هذه الدراسة أن ظهور هذا النوع من الأجسام المضادة يعد تحذيرًا مبكرًا بأن هؤلاء السيدات قد يقعن مستقبلاً ضحايا للاضطراب المناعي الشامل، وأخيرًا نصح الأطباء السيدات اللائي زرعن السيليكون بإزالته من صدورهن إيثارًا للأمان والسلامة، لأن السيدة في هذه الحالة يكون عليها المفاضلة والاختيار بين المظهر الأنثوي الجذاب أو خطر التعرض لأمراض عديدة باتت هناك دلائل شبه مؤكدة على أن لها صلة بوجود السيليكون في الجسم.
تطور الأمر بعد أن نضجت الدراسات المناعية بدرجة أقنعت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية بأن تطلب رسميًّا من الجراحين وصانعي السيليكون بيانات حول درجة الأمان داخل الجسم، لكن ذلك لم يمنع 100 ألف سيدة سنويًّا في الولايات المتحدة من إجراء العملية، واكتشفت المحكمة الفيدرالية الأمريكية أن أكبر مصنع لمنتجات السيليكون، قد قام لعدة سنوات بإخفاء التقارير والأبحاث العلمية التي ربطت بين تمزق أو اتساع كبسولة السيليكون المزروع وبين الأمراض المناعية.
وهو الأمر الذي سدد أول ضربة موجعة لإمبراطورية السيليكون إذ حدث تراجع فجائي وكبير في عدد السيدات اللائي يطلبن إجراء مثل هذه العملية، وخلال العام الماضي نشر العلماء تقارير عن أن السيدات اللائي قمن بعملية زراعية السيليكون ظهر عليهن العديد من الأمراض المناعية مثل التهاب الأعصاب وتيبس طبقات الجلد وحالات الضعف التي تؤثر على الجلد والرئة والكلى والمفاصل، وهذه الأمراض جميعها تتصف بالأزمات والانتشار وتنشأ لأن الجهاز المناعي يفقد عقله ويقوم بمهاجمة أنسجة الجسم نفسها فيبدو وكأنه يمارس ضد نفسه نوعًا من الانتحار البطيء.
توالت بعد ذلك سلسلة من النتائج العلمية كان من نتيجتها أن قامت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية بحظر زراعة السيلكون المنتج على هيئة جلي، ووافقت عليها فقط بالنسبة لعدد محدود من السيدات اللائي أجريت لهن عمليات استئصال كامل للثدي للأسباب الطبية كالسرطان شرط أن تجرى لهن دراسات الأمان المناسبة، وطلبت الهيئة أيضًا من المصانع اختبار مدى أمان زراعة السيلكون المنتج في صورة مشتركة مع المحلول الملحي بالرغم من أنه كان ما زال موجودًا في الأسواق.
لكن النتائج العلمية التي توالت بعد ذلك جعلت العديد من الأطراف تشن حملات من أجل إيقاف السيليكون نهائيًّا حفاظًا على صحة السيدات، وتطور الأمر إلى نزاع قضائي تدخلت فيه أطراف عديدة واستمر لعدة أشهر إلى أن تأكدت المحكمة من أن السيليكون خطر على الصحة، وينبغي معاقبة الشركات النتيجة له لأنها ظلت لفترة طويلة توزعه دون إجراءات أمان كافية، كما أخفت لفترة النتائج التي تربط بينه وبين بعض أمراض المناعة.
وجه العلماء لومًا شديدًا إلى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، لأنها سمحت للشركات والجراحين بالاستمرار في إنتاج هذه المادة، وزرعها في صدور السيدات على مدار سنوات عديدة دون أن تطلب من المصنعين تطوير بحث درجة الأمان بها حتى أدخل الجراحون ما يقرب من 2 مليون قطعة سيليكون في صدور السيدات داخل الولايات المتحدة وحدها.
بدأ العلاج بزراعة السيليكون منذ أكثر من أربعين عامًا واندفعت ملايين السيدات لزراعة أثداء السيليكون بحثًا عن مظهر أكثر أنوثة ولأغراض التجميل، وتربع السيليكون لسنوات عديدة على عرش هذه العمليات،
عند إجراء العملية تجرى جراحة خاصة لشق الثدي من الداخل وإيجاد مكان لهذه الكرة أو الثدي السيليكوني وزرعه فيها ثم إعادة الإغلاق وعادة ما تتم العملية بشكل فني لا يترك أثارًا أو يشوه الثدي وفي أحيان أخرى تجرى العملية عن طريق الحقن.
مراجعنا:
= Screening for breast cancer with mammography”. The Cochrane database of systematic reviews.
= Cochrane database of systematic reviews.
= Johnson KC, Miller AB, Collishaw NE, Palmer JR, Hammond SK, Salmon AG, Cantor KP, Miller MD, Boyd NF, Millar J, Turcotte F.