ترتبط الأديان بعادات وطقوس؛ تختلف من ملة لأخرى، ومن نحلة لنحلة، ومثال ذلك في الإسلام ظهور الموالد ومواكب الصوفية، ومظاهر الاحتفال بشهر رمضان وعودة الحجيج، وأماكن التبرك والنذور.
ومن أشهر المظاهر الاجتماعية التي كانت سائدة في مصر إلى عهد قريب: ظاهرة المحمل وموكبه ورحلته.
والمحمل: هو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملاً كسوة الكعبة، وظل هذا المحمل يخرج منذ عهد شجرة الدر (ت1257م/655 هـ) وعهد المماليك حتى بداية عهد جمال عبد الناصر (ت1970).
وفي الدولة المملوكية وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس أصبحت الكسوة ترسل من مصر، حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد، حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، فقد أراد ملك اليمن “المجاهد” في عام 751هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدًا في الأغلال إلى القاهرة.
كما كانت هناك أيضًا محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قبل الفرس والعراق، ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأي أحد أن ينازعهم في هذا، وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر في عام 751هـ وقفًا خاصًّا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وهذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويًّا.
واستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل.
وفي عهد السلطان سليمان القانونى أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة، وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.
وفي عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية في عام 1222هـ الموافق عام 1807م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في العام 1228هـ.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن دور مصر في كسوة الكعبة بدأ فقط مع الخلافة الفاطمية التي اتخذت القاهرة عاصمة لها، بل بدأ الدور المصري قبل ذلك بقرون وفي عهد ثاني خلفاء المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يوصي بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف بالقباطي الذي اشتهرت بتصنيعه الفيوم. والقباطي نسبة إلى قبط مصر، وكان المصريون ماهرين في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.
وكان المحمل يطوف الشوارع قبل الخروج إلى الحجاز، وكان يصاحب طوفانه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالي أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه الذي يحمل كسوة الكعبة التي تعتبر أقدس الأماكن عند المسلمين.
وموكب المحمل عبارة عن جمل يحمل المحمل ويمر في شوارع القاهرة، وتخرج خلفه الجمال التي تحمل المياه وأمتعة الحجاج، وخلفه الجند الذين سيحرسون الموكب حتى الحجاز، وخلفهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات. والمحمل نفسه عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج شجرة الدر، أما الكسوة نفسها فكانت توضع في صناديق مغلقة وتحملها الجمال.
وبعد الحج يعود المحمل حاملاً الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء، وما زالت هذه القطع موجودة في متحف كسوة الكعبة، وبعضها في قبور العائلة الملكية في مصر حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك.
وقد تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي “الخرنفش” في القاهرة عام 1233هـ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين السورين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م، إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
المراجـــــــــــــــــــــــع
ـ سعاد ماهر: مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وزارة الأوقاف، القاهرة، 1983م.
ـ عبد العزيز كامل: الجغرافيا والدين، سلسلة رسائل جغرافية، رقم 140، الجمعية الجغرافية الكويتية، الكويت، يناير 1992م.
ـ عبد العظيم أحمد عبد العظيم، جغرافية الأديان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2014م.