تعرف الثقة بالنفس بأنها سمة شخصية يشعر معها الإنسان بالكفاءة والقدرة على مواجهة الظروف المختلفة، مستخدمًا أقصى إمكاناته وقدراته لتحقيق أهدافه، وهي مزيج إيجابي من الفكر والشعور والسلوك الذي يعمل على تشجيع النمو النفسي السوي، والوصول بالطفل إلى المستوى المطلوب من الصحة النفسية والتكيف النفسي والاجتماعي.
كشفت دراسة جديدة أن اكتئاب الأب خلال السنة الأولى من حياة طفله، تسبب صعوبات في التربية ومشاكل في سلوك الطفل في سن 5 سنوات. وكشف الباحثون أن إصابة الأب باكتئاب بعد الولادة، يؤدي إلى تعرض الطفل لـ 3 تجارب طفولة سلبية، تشمل: سوء معاملة الطفل، ومشاكل صحية، والخلل الوظيفي الأسري، وانخفاض الأداء الدراسي. تم مناقشة الدراسة وعرض المزيد من تفاصيلها خلال مؤتمر الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال 2024، الذي عقد واشنطن.
قالت الدكتورة كريستين شميتز الباحثة الرئيسية من جامعة روتجرز: “لا يتم تشخيص الاكتئاب الأبوي بشكل كافٍ، وأطباء الأطفال في وضع فريد، يتعلق بربط الآباء بالدعم المناسب الذي يمكن أن يفيدهم هم وأسرهم”.
وقامت شميتز بتحليل بيانات 1,933 زوجًا من الآباء والأطفال من دراسة مستقبل العائلات ورفاهية الطفل، وهي مجموعة مواليد وطنية في المناطق الحضرية في الولايات المتحدة.
وأظهرت النتائج وجود علاقة قوية بين اكتئاب الأب بعد الولادة والمشاكل اللاحقة لأطفالهم، وأن هذا الخطر يتجاوز العوامل الاجتماعية والديموجرافية واكتئاب الأم بعد الولادة.
إن الثقة بالنفس هي الإيمان بالقدرات الشخصية والقدرة على التعامل مع التحديات والصعاب. إنها ذات أهمية كبيرة لأنها تساعد الأطفال على تطوير مهارات الاستقلالية والاعتماد على الذات. إذا كان الطفل يشعر بالثقة بنفسه، فإنه سيكون أكثر عرضة لمواجهة التحديات وتحقيق النجاح في مختلف جوانب حياته.
أما تعريف ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال، فهو عكس هذا تمامًا، حيث يمتلك الأطفال الذين يتمتعون بثقة النفس الرضا عن أنفسهم، وتيسّر لهم سبل النجاح والوصول إلى مراتب جيدة سواء في الوسط الاجتماعي أو الأكاديمي أو غيره، ولكن في المقابل يعاني الأطفال فاقدو الثقة بالنفس من خلل في تقدير الذات، إذ في اعتقادهم أنهم غير مقبولين اجتماعيًّا، الأمر الذي يدعوهم إلى الانعزال والابتعاد عن الآخرين، والسماح للآخرين بأن يعاملوهم معاملة سيئة، إلى جانب التخبط في العديد من الأمور الحياتية اليومية الاعتيادية، ومواجهة صعوبة في كيفية التعامل مع التحديات.
ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال مشكلة شائعة تواجه العديد من أطفال العالم في مراحل نموهم. وضعف الثقة بالنفس عند الأطفال يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياتهم الاجتماعية والتعليمية والعملية، خاصة ما يتعلق بنجاحهم في المدرسة وعلاقاتهم الاجتماعية في المحيط أو البيئة التي يعيشون بها، أو في أماكن عملهم فيما بعد.
إن اكتئاب الأبوين، يتسبب في قتل براءة الطفل، خاصة بعد وقوع الطلاق الذي يسبب لديه الكثير والكثير من المشاكل النفسية كفقدان الثقة بالنفس، والإحباط والاكتئاب والرغبة الملحة في العزلة وعدم الرغبة في الجلوس أو الحديث مع الآخرين.
كما أن الطفل يتعرض لبعض السلوكيات غير الجيدة، منها أنه يصبح شخصية ضعيفة لا تستطيع ممارسة حياتها، ويفقد الثقة بالأم والأب ولا يرغب في التعامل مع الأشخاص الآخرين، أو مع العالم الخارجي، وهذا يتسبب في مرور الطفل بمرحلة شديدة من الخوف تتمثل في القيام بالتبول اللاإرادي، ويمر بهذا الأمر لفترة زمنية وجيزة قد تتعدي الـ6 أشهر بعد مرحلة الانفصال.
عندما تكون ثقة الأطفال بأنفسهم ضعيفة، فإنهم قد يعانون من العديد من المشاكل والتحديات، وقد يعانون من صعوبات في التعلم والتحصيل الدراسي. لذا من المهم أن ندرك تأثير ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال ونساعدهم في بناء ثقة قوية بأنفسهم.
هناك أسباب أخرى عديدة لتعرض الطفل لفقدان ثقته بنفسه منها:
التعرض للإهمال أو الإساءة من قبل الأهل أو المقربين
إذ يمكن لذلك أن يؤثر بشكل سلبي على ثقته بنفسه، هناك أيضًا عوامل جسدية قد تساهم في ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال، فقد يكون للمظهر الشخصي والوزن تأثير كبير، وأحد أسباب ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال. فقد يشعر الأطفال الذين يعانون من مشاكل في المظهر الشخصي أو الوزن، كأن يكون الطفل يعاني من عيوب جسدية أو فروق في الشكل الجسدي، يشعره بالاختلاف وعدم الارتياح وبعدم الثقة بنفسه وتجلب شعورًا منخفضًا بالرضا الذاتي.
هذا بخلاف الضغوطات الدراسية، سواء كانت مرتبطة بالمدرسة أو الأنشطة الاجتماعية، فيمكن لهذا النوع من الضغوطات أن يجعل الطفل يشعر بعدم الكفاءة وينعكس الأمر سلبًا على نفسيته.
التعرض للتنمر من قبل الآخرين
فالتنمر بالمدارس أصبح واحدًا من المشاكل الشائعة بشكل كبير وتؤثر على نفسية الطفل وتقبله لنفسه. كما أن التجارب السلبية، كموت أحد أفراد الأسرة، طلاق الوالدين، الانتقال إلى مسكن أو مدرسة جديدة، وما إلى ذلك من التجارب، التي قد تؤثر على الطفل ونفسيته. مع صعوبة في تكوين الصداقات أو الحفاظ عليها.
الشعور الدائم بالوحدة
يميل الطفل إلى تجنب تجربة الأشياء الجديدة، ويجد صعوبة في تغيير الروتين اليومي. لا يستطيع الطفل التفاعل مع الفشل بالطريقة الصحيحة، فيميل إلى التقليل من شأن نفسه، كأن يقول أنا غبي، أو لا أستطيع القيام بذلك أو ما إلى ذلك من الكلمات السلبية. ولا يشعر طفلك بالفخر تجاه إنجازاته. يقارن نفسه مع الآخرين بطريقة سلبية.
يحتاج الأطفال بشكل خاص إلى الشعور، بأنهم حصلوا على دعم الأسرة والأصدقاء، وهم ينتقلون من مرحلة الطفولة إلى البلوغ. قد يكون الأطفال محاطين بالأصدقاء والعائلة، ومع ذلك يبدو عليهم الشعور بالوحدة والضياع، وذلك لعدم شعورهم بثقة المحيطين بهم، فكيف يمكن إذن علاج ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال؟
يجب إحاطته بالحب والحنان المتوازن، ومد جسر من الحوار معه؛ فإحساسه بقربه من والديه سيشكل أفضل تشجيع له للتغلب على خجله. وفي هذا يقول دكتور “دودسون” مخاطبًا الآباء: (ينبغي للأب أن يمارس مع ولده أسلوب “الارتجاع الشعوري” كأن يقول لابنه: ” أعرف أنك خائف بعض الشيء من اللعب مع فلان؛ لأنه صاخب جدًّا ومشاكس جدًّا”، بهذه الطريقة يُرجع فيها الأب مشاعر الخوف والقلق التي يعاني منها الطفل إليه مرة أخرى، فيثبت له أنه يفهمه.. وهذا أفضل سبيل للتغلب على الخجل أو الخوف؛ وهذا أفضل من إهمال الخجل أو دفع الطفل للسيطرة عليه؛ إذ يزيد ذلك من احتماء الطفل بقوقعته).
بالطبع قد تكون عملية تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال واحدة من الأمور الصعبة بعض الشيء، ولكن بالحفاظ على تعزيز الطفل بشكل دائم يمكن نجاح تعزيز ثقته بنفسه، ويجب ألا يكون هناك أي تردد بطلب المساعدة من الأخصائيين عند الحاجة إلى ذلك.
إن الأطفال الذين يشعرون بالثقة وبالرضا عن أنفسهم لديهم القدرة على تجربة أشياء جديدة وبذل قصارى جهودهم فيما يقومون أو يكلفون به.
ولأن الثقة بالنفس ضرورية للأطفال، فإن مساعدة الطفل على تعلم القيام بالمهام -وعند القيام بذلك- يجب اتباع ما يلي:
إظهار الدعم والمساعدة له في البداية: ثم ندعه يفعل ما في وسعه حتى لو ارتكب أخطاء.
في البيت يجب على الوالدين مدح الطفل بحكمة: لأن بعض طرق المديح يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. ويجب تجنب أن يكون المديح على الصفات الثابتة مثل الذكاء، الأفضل أن يكون معظم الثناء على الجهد والتقدم والسلوك.
كما يجب تجنب توجيه الانتقادات القاسية: فالرسائل التي يتلقاها الأطفال عن أنفسهم من الآخرين تترجم داخلهم إلى آراء ثابتة عن ذواتهم. والكلمات القاسية -مثل “أنت كسول جدًّا”- ضارة وليست محفزة.
التركيز على نقاط القوة فيجب الانتباه لما يفعله الطفل جيدًا: ويستمتع به والتركيز على نقاط القوة أكثر من نقاط الضعف.
يجب منح فرصة للطفل من أجل تقديم المساعدة والعطاء: حيث ينمو احترام الذات والثقة بالنفس عندما يرى الطفل أن ما يفعلوه مهم للآخرين.
يجب منح طفلك فرصًا متكررة لإظهار السلوك المسؤول: عندما يرتكب الطفل خطأً وذلك باستكشاف أسباب ذلك، وطلب رأيه في ما يتعلق بكيفية القيام بالعمل بشكل أفضل.
ضرورة إخباره أن المشكلة التي يمر بها منفصلة عن هويته: وأنه يمكن الخروج منها بوضع خطة جيدة؛ إذ سيشعر الطفل بالقوة لأنه يجد المساندة والدعم.
مشاركة الأطفال بالأعمال المنزلية والمهام المختلفة، وعلى الرغم من تذمر بعض الأطفال تجاه القيام بالأعمال المنزلية، إلا أن الأطفال يشعرون بالتقدير عندما يتم الاعتماد عليهم لإتمام مهمة ما، ويجب الحرص على جعل الطفل يقوم بالمهام التي تناسب عمره، على سبيل المثال التقاط الألعاب، جمع الغسيل، المساعدة في تحضير الطعام وما إلى ذلك من المهام اليومية.
عدم الانزعاج من الأخطاء أو توبيخه: فتوبيخ الطفل على أخطاءه قد يفقده ثقته بنفسه، لذا يجب مساعدته على رؤية أن الجميع يرتكبون الأخطاء، ولكن الأهم من ذلك تعليمه أن الشخص لا بد له أن يتعلم من أخطاءه.
أما في المدرسة فلا بد من تعاون الجانبين: وتلازم المجهودات في إعطاء الطفل جرعة زائدة مكثفة من التشجيع والحفز؛ لتخطي هذه العثرة بسهولة فيمكن للمعلمة في الفصل بالاتفاق مع الأم افتعال بعض المواقف؛ لغرس الثقة في الطفل، وتشجيعه على المشاركة في الفصل؛ فمثلاً: تبدأ المعلمة في طرح سؤال سهل على أطفال الفصل، بحيث تأتي صيغة السؤال غير موجهة لطفل بعينه، فتقول مثلاً: “هيا ليجب الشاطر على هذا السؤال، من..؟” سيرفع كثير من الأطفال أيديهم للإجابة واحتمال كبير ألا يكون هو منهم. تبدأ المدرسة وبخفة وسرعة في اختيار الأطفال للإجابة، بحيث تختار طفلاً قبله وطفلاً بعده، في خفة بحيث لا يتسنى للطفل الانتباه إلى أنه لم يرفع يده، بحيث تشير إلى طفل آخر، ثم إليه، ثم تشير إلى طفل ثانٍ من ورائه، بل وتثني عليه وتقول له كلمات من الثراء والإطراء حتى وإن لم يُجب.
عندما تأتي الأم لأخذ طفلتها من المدرسة، وبالاتفاق مع المدرسة، تقوم المدرسة بمدح الطفل والإشادة به أمامها وبصوت مسموع ملؤه الفخر، وهكذا سيشعر الطفل أنه مرضيٌّ عنه من جميع الأطراف، ومحط اهتمامهم وسعادتهم وفخرهم؛ وهو ما يساعده على أن يستعيد ثقته بنفسه تدريجيًّا.
المراجع:
موقع “كيدز هيلث” (Kidshealth).
موقع “d-nb.info”.
موقع “Psh-techlip.cz”.