المدرَكات والتنمية البشرية

التنمية البشرية مصطلح يجمع 14 علمًا نفسيًّا وجسديًّا واجتماعيًّا لتحقيق تلك التنمية، ما يحقّق إدراك الفرد لمكونات بيئته وتعظيم الاستفادة منها. ويمكن اعتبار “علم النفس السلوكي” الذي أسّسه الإمام “أبو بكر الرازي” أحد تلك  العلوم الـ 14. وهو العلم الذي أعاد “سيجموند فرويد” –المحلّل النفساني الأشهر– اكتشافه  في إطار التناغم بين تحقيق تراتبيّة توارد إشارات المخ وانتظام إفراز 14 هرمونًا وإنزيمًا في الجسم، ما يحقّق التطهير الدوري للوعي واللاوعي من الضلالات والسلبيات المثبّطة بدورها للصفاء الذهني والأداء الجسدي.  

كان “أبو بكر الرازي” طبيبًا وظائفيًّا ومحللاً نفسانيًّا، وكان الواضع الأول لقانون ينص على أن: [تحقيق قوّة المزاج تعني انتظام تناول الفرد 3 دراهم سكر ( 14 جم) + ربع قدح من الزيت (36 جم) + نصف درهم من البنّ يوميًّا]، وهي ما اعتاده العرب منذ ما قبل الإسلام. وقال “الرازي” بقوّة أمزجة العرب والفرس والترك والأندلسيّين بفعل اتّساع بلادهم واعتدال مناخها. حيث إن بلادهم تقع بين الإقليمين 3، و4 المناخيّة، وهي أعدل الأقاليم مناخًا وأخصبها تربة، مايقوّي أمزجة أهلها بمعنى ارتفاع معدلات ذكائهم واستيعابهم للعلوم المختلفة. ما يتفق مع ما قرّره “سيجموند فرويد” من أن منبت أشجار التفاح مرتبط بأوكسير “الكن الرباعي”، والمتكوّن من (الحمض الأمينيّ 23) المفرز من الكبد ضمن 21 إنزيم آخر + مادة الكيتوبروفين التي يفرزها المخّيخ. ويفرز “الكن الرباعي” في أدمغة أهالي الأقاليم التي يجود فيها شجر التفاح بنسبة 3 أضعاف البلاد الأخرى، ما يعادل تحديدًا 34 ملليجرام، ويعرف أن تفاح إسبانيا  وإيطاليا وبلاد الشام والأناضول والهضبة الفارسية هو الأجود عالميًّا. ولكن ما صلة زيادة إفراز “الكن الرباعي” في أدمغة أهالي البلاد التي يجود فيها شجر التفاح بالتنمية البشرية؟

تكمن الإجابة في التركيب الفريد لعنصر النيتروجين في تلك البلاد، وإذا كان النيتروجين يشكّل 78 % من الغلاف الجوي، فإنّ “نيتروجين” تلك الأقطار من النوع “الموجب الخماسي التتابع”، ما يجعل مناخ تلك الأقطار الأقل رطوبةً عالميًّا، ما يتيح استزراع “البذور الحمراء” التي منها بذور التفاح و16 نوعًا آخر من الأعشاب والفاكهة، كالزعتر والكمثري وأوراق الريحان، والتي تؤدي جميعًا لتقليل نسب الأكسدة في الدمّ التي تعدّ الأقل عالميًّا بين سكان تلك الأقاليم، وليس معنى تسميتها بـ “البذور الحمراء” حمرة لونها، ولكن “البذور الحمراء” مصطلح شديد الالتصاق بـ “التنمية البشرية” بحدّ ذاتها، ومعناه احتواء الثمار على مجموع “الكيتوبروفين موجب التفاعل الثلاثي”، ما يعني تحقيق ثلاثيّة سماكة الجلد وحيوية الاتّساق المناعي والتدفّق المثالي للدورة الدموية.

ما يعني القدرة على التكيّف مع الحرارة البالغة الانخفاض نتيجة احتواء جلود أهل تلك المناطق على مركّب الميتافيلانين المؤدي أيضًا لزيادة نضارة البشرة حتى بعد سن السبعين، إضافةً لأن “حيوية الاتساق المناعي” تعني حصانة طبيعية ضدّ مجموع الأمراض الثلاثة المدمرة أمراض الكبد بأنواعها ما يشمل تليّفه والحميّات الوبيلة وعددها 17 نوعًا تنتشر في الأجواء الحارة والباردة على السواء، وأمراض القلب بأنواعها. لأن حيوية الاتساق المناعي تعني ضمنًا احتواء الدمّ على نسبة عالية من فيتامين ب 3 المانع للأكسدة ما يعني قدرة أهل تلك البلاد المذكورة على العمل حتى 14 ساعة يوميًّا في أشقّ الظروف بفعل انتظام دورتهم الدموية عند معدّل 36 / 90، وأعني بذلك الفئة العمريّة بين 16 و55 عامًا.

وتبدوا إجابة السؤال السابق أيضًا في “الاعتدال” المميّز للإقليمين المناخيَّين الثالث والرابع، والذي تقع أغلب بلاد الإسلام في إطاره. ما يفسّر سبق “حضارة الإسلام العالمية” لكلّ الحضارات الأخرى بما فيها الحضارة الأوربية في تأسيس جلّ العلوم التطبيقية. وقد يستهول البعض علاقة “أشجار التفاح” بالنبوغ العقلي لأهالي البلاد السابق ذكرها، ونقول إن جودة ناتج التفاح في تلك البلاد  ليس إلا مظهرًا لوفور مجموعة من الإنزيمات في شعوب تلك البلاد.

وأيضًا لخصوبة أرضها المعبّر عنها جيولوجيًّا بتوافر عناصر البوتاسيوم والنترات بأنواعها والماغنيسيوم. ما ساعد على زيادة إفراز “الكن الرباعي” الذي أعاد “فرويد” اكتشافه، واكتشاف أغلب خصائصه ومنه “الوفور الذهني”. المعبّر عنها بالقدرة على استيعاب 26 معلومة علمية يوميًّا في تخصّصات مختلفة، وهو ما تيسّر لأهل الأندلس قديمًا أكثر من سكّان مدينتي “فيينا” و”لندن” حاليًا، وذلك في دراسة أجراها باحثون نمساويون وفرنسيون عام 2017 م، إذ اكتشفوا عدم قدرة دارسي الرياضيات من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و25 سنة على استيعاب مناهج التاريخ في ذات وقت تحصيلهم للرياضيات. بينما أثبتت مدرسة “أبومحمد ابن حزم” التي ضمّت 63 تلميذًا درسوا كلا العِلمَين في ذات الوقت على يده قدرتهم على تحصيل الرياضيات ومناهج التاريخ معًا، إضافةً لبلورة قوانين جديدة فيهما، ولم يكن زيادة إفراز “الكن الرباعي” بتركيبه المزدوج سوى السرّ في نبوغهم العقلي، وحدا بأمثال “ابن حزم” و”عمر الخيّام” للبحث في الطبّ والطبيعة النووية والتاريخ والفيزياء الكليّة في ذات الوقت.

وليس معنى هذا أن “الكن الرباعي” هو أساس التنمية البشرية، ولكنّه مؤشّر على إمكانيّة تعظيم الاستفادة من الكفاءات البشرية التي تزيد في اقاليمٍ عن أخرى. بدليل أن أبحاثًا حديثةً أثبتت صلاحية الأجناس المغوليّة أكثر من غيرها لحوسبة المعاملات التجارية، بمعنى إمكانيّة أعلى لحصر إمكانيات الربح والخسارة، من واقع تفوّق الصينيين مثلاً في فتح أسواق جديدة لمنتوجاتهم التي تروج بنسبة تجاوز 70 % خلال أسبوعين من بدء طرحها، بينما أيّ سلعةٍ جديدة مادة خام أومصنّعة تحتاج مدّةً ما بين 3 و8 أشهر كي تروج بنسبة 20 % في أي سوق.

وأرجع الخبراء هذا الرواج الصيني لمجموع الكروموزومات السبع المتداخلة بشكلٍ هندسيٍّ مغلق يشبه المعيّن الغير منتظم في الخلايا الدماغيّة لقوميّة الهان المشكّلة لـ 80 % من سكان الصين. وتعني الكروموزومات الـ 7 إمكانيّة الحصر الدقيق المعروف بـ “الحوسبة البشرية” التي ابتكرتها شركة برمجيات تعمل في مدينة “شنغهاي” الصينية، وتتلخّص في استغلال قوّة الحافظة المخيّة التي توفرها “الكروموزومات السبع” القادرة على حفظ 600 معلومة تحوي رأي 600 شخص فيما يتعلّق بالحاجة لسلعة معينّة، وهي الحافظة المخيّة التي تميّز الدماغ الصيني، في حين أن أدمغة بقيّة الأجناس البشرية بلا استثناء تتشكّل خلاياها المخيّة فقط من 2 كروموزوم، ما يعني حافظةً مخيّة للمواطن الصيني  تسع أكثر من 3 أضعاف سعة الفرد في بقيّة الأجناس. وقام “النظام الترويجي” لشركة البرمجيات تلك  على إطلاق 20 ألف مندوب مبيعات في أيّ سوق تنوي الصناعة الصينية غزوها قبل نزول السلعة بـ 6 أشهر، ثمّ استغلال قوّة “الحافظة الصينية” ذات الكروموزومات الـ 7 في تصميم قاعدة بيانات عملاقة عن نسب الإقبال على السلعة، بما يمكن معه حساب رواجها  في الأسواق.

ما جعل “الصين” تنافس على 3 سلع رئيسية لا يستغني عنها السوق العالمي، وهي: البرمجيات، وقطع الغيار بأنواعها، ولعب الأطفال، وذلك بفضل زيادة إفراز “هرمون الفعل الكفائي” في الدماغ الصيني، ما يعني أنه قادرٌ على إزاحة “الفضلات المخيّة” أكثر 12 ضعفًا من بقيّة الأدمغة البشرية، ويقصد بالفضلات المخيّة التأثيرات السلبية التي يدفعها “اللاوعي الإنساني” إلى المخّ وتسبب إعاقة التفكير مايستلزم رغبةً لدى شعوب معيّنة كشعوب الشرق الأوسط مثلاً للنوم بعد وجبة الغداء، بفعل تلك “التأثيرات السلبية المنطلقة من اللاوعي”.

وعودٌ  إلى “مدركات” أبي بكرٍ الرازي رحمه الله، فلا يمكننا القول باكتشاف “الرازي” لتأثير الكروموزومات التي تشكّل “جذرًا” للخلايا البشرية، حيث إن أقصى ما توصّل إليه  هو رصد تأثيرات هرمونات معينة في تكوين البناء الذهني للفرد ما يعد إنجازًا بذاته، ولكن تطويرات علماء أمريكيين منذ سبعينيات القرن الماضي لأبحاثه المتعلقة بـ “الكن الرباعي” كانت الفتح المتعلّق بفهم التنمية البشرية التي حصروها في الارتقاء بالنشاط الذهني بطريق زيادة إفراز “الكن الرباعي” + إكساب العقل مجموعة المهارات المؤدية لتأصيل الوصول بناتج الفرد لأعلى معدّل ممكن. وهو ما تحقّق تحديدًا في “الصين” و”السويد” و”سنغافورة ” و”كوريا الجنوبية” في المرتبة الأولى، ثم تلي تلك الدول “تايوان” و”التشيك”. بحسب إحصائية أجريت في 2017 م. حيث تنفرد “تايوان” بناتج للفرد العامل في صناعة البرمجيات يعادل ضعف ناتج مثيله الصيني، وثلاثة أضعاف مثيله الكوري الجنوبي.

فحقيقة التنمية البشرية هي الوصول بمستوياتٍ ذهنيّةٍ أقل إلى تعظيم ناتجها، لأن أي ناتج ماديٍّ أو فكريٍّ يصبّ في تعظيم الدخل. وبغض النظر عن توافر “الكن الرباعي” في أدمغة بعض البشر بشكلٍ أكبر، فإن “فلسفة التنمية البشرية” لم تدركها دولةٌ إلا وصارت أسرع نموًّا اقتصاديًّا واجتماعيًّا.

فإن “الكن الرباعي” لا تتوافر إفرازته في أدمغة أهل الشرق الأقصى ذي الاقتصاديات الأكثر تطورًا في العالم إلا بنسبة الربع عن أدمغة أهل  الشرق الأوسط، ولكن اتباع أنظمة التأهيل الحرفي للمراهقين دون 15 سنة في “سنغافورة” و”الصين” و”كوريا الجنوبية”، وهي منظومة تعتمد “التأهيل الفني التعاكسي” الذي يعني تعليم نوابغ مادتي الرياضيات والفيزياء حرفة النجارة، وتعليم النوابغ في اللغات الأجنبية أنماط الزراعة المحميّة، قد أدى لنتائج مذهلة تتعلّق بزيادة إفراز “الكن الرباعي” في أدمغة كلا الفريقين بنسبةٍ مضاعفةٍ. كما وأدت برامج التأهيل السيكولوجي التي قرّرتها حكومة كوريا الجنوبية لزيادة إفراز تلك المادة الحيوية بنسبة 40 %، ما أدى لزيادة الناتج المحلي لتلك الدولة بنسبة مضاعفة خلال بضع سنوات، وتعني تلك البرامج تحصين الفكر من الضلالات الناشئة عن تضخُّم الفكر التآمري، والكسل الذهني الناتج عن الاعتماد على الحفظ في التحصيل الدراسي أكثر من الفهم والتحليل، إضافةً لمكافحة حشو الذهن بالأكاذيب بطريق وسائل الإعلام وطرق أخرى.

وتعدّ تلك البرامج كلمة السر في نجاح خطط التنمية البشرية المعتمدة لفلسفة بسيطة، وهي تحقيق إفراز 3 إنزيمات: إنزيم 18 + المعزّر المفرز من المخّيخ، وكيتوبروفين 21 المفرز من الكبد، والكن الرباعي المعتبر خليطًا إنزيميًّا بالغ التفاعل، بمعنى أنه في انتظام إفرازه يؤدي لتنشيط الذهن والتفكير بصورة تعادل تأثير تعاطي الخشخاش، والذي يحدث نفس تأثير إفراز الكن الرباعي، ولكن مع أعراض جانبية خطيرة للغاية كتليُّف الكبد، وتصلُّب الشرايين إذا مازادت كميّة تعاطيه عن درهمين أسبوعيًّا.

وهذا ما أثبته علماء أمريكيون تخصّصوا في الربط بين السلوك المتَّزن وانتظام إفراز الإنزيمات المنظّمة  للنشاط الذهني، باعتبار أن اعتياد الكذب مثلاً يؤدي بالضرورة للإصابة بأعراض البارانويا التي تختلط فيها الحقائق بالخيالات في ذهن معتادي الكذب، والذين لا ينتظم إفراز إنزيم 18 + المعزّز لديهم بفعل تمرينهم لأدمغتهم على الكذب المستمر في تعاملاتهم اليومية، ما يؤدي لتراكم الضلالات والأكاذيب في اللاوعي لديهم، وبالتالي اختلال إفراز ذلك الإنزيم الهامّ من أدمغتهم، نتيجة انطلاق الضلالات من اللاوعي ما يشكّل ضغطًا على عمل المخ.       

مصادر:

كتاب “الحاوي في الطب ” للرازي.

كتاب “الوطم والتابو” لسيجموند فرويد.

دراسة بالفرنسية عن سيكولوجية الكذب ودورها في تدمير الوعي.