التصلب اللويحي وعلاج أمراض المناعة الذاتية

التصلب اللويحي المعروف باسم التصلب العصبي المتعدد، هو مرض يمكن أن يؤدي إلى تلف في الدماغ والحبل الشوكي (الجهاز العصبي المركزي). وعند الإصابة به، يهاجم الجهاز المناعي الغلاف الواقي (المايلين) الذي يغطي الألياف العصبية، ويسبب مشاكل في الاتصال بين الدماغ وبقية الجسم، ويمكن أن يتسبب  في نهاية المطاف في تلف أو تدهور دائم في الأعصاب.

تتنوع علامات وأعراض التصلب اللويحي بشكل كبير، وتعتمد على نسبة تلف الأعصاب ونوع الأعصاب المصابة، وقد يفقد بعض المصابين بالتصلب اللويحي الشديد القدرة على المشي بشكل جزئي أو كامل، بينما قد يمر آخرون بفترات طويلة دون ظهور أي أعراض جديدة. وهو أربعة أنواع:

النوع الأول: الراجع المنتكس، هذا النوع يشكل المرحلة الأولى لمرض التصلب اللويحي، حيث يكون المريض في حالة مستقرة، ثم يتعرض إلى هجمات من الأعراض تصيب المريض لأكثر من عدة أيام، وقد يلزم معها دخول المستشفى لتلقي العلاج بعد انتهاء الهجمة قد تختفي الأعراض تمامًا، ولكن في بعض الحالات قد تترك الهجمة تلفًا دائمًا في مركز معين وتُبقي الحالة مستقرة بدون تدهور.

النوع الثاني: التقدمي الثانوي، يكون المريض في حالة مستقرة، ثم يتعرض إلى هجمة أعراض شديدة يحدث بعدها انتكاسة تتسبب في تدهور الحالة بشكل مستمر، وبدون هجمات أخرى جديدة.

النوع الثالث: التقدمي الأولي، تكون بداية المرض بأعراض شديدة لا تتراجع، وأيضًا يحدث تدهور للحالة مع مرور الوقت.

النوع الرابع: المنتكس التقدمي، يعد هذا النوع أقل الأنواع انتشارًا بين أنواع التصلب اللويحي، وفيه يعاني المريض من أعراض تقدمية شديدة منذ بداية المرض ويعاني من تدهور، ويصاحب هذه الأعراض التعرض لهجمات مرضية من الحين للآخر.

ولا توجد اختبارات محددة للكشف عن مرض التصلب اللويحي، ويعتمد التشخيص بشكل أساسي على استبعاد الحالات الأخرى التي تشترك في نفس العلامات والأعراض بما يسمى التشخيص التفريقي. ويجري طبيب الأعصاب فحصًا جسديًّا ويراجع التاريخ الطبي. وقد يوصي بإجراء الاختبارات التالية: تحاليل الدم للمساعدة في استبعاد الأمراض الأخرى ذات الأعراض المشابهة لمرض التصلب اللويحي مع البزل القطني، حيث يتم استخراج عينة صغيرة من السائل النخاعي من القناة الشوكية لتحليلها في المختبر، ويمكن أن تظهر هذه العينة تغيرات غير طبيعية في الأجسام المضادة المرتبطة بالتصلب اللويحي، وقد يساعد هذا أيضًا في استبعاد العدوى والحالات الأخرى ذات الأعراض المشابهة لمرض التصلب اللويحي.

تشير بعض الأبحاث السابقة إلى أن هذا يحدث بسبب المحاكاة الجزيئية بين بروتينات الفيروس التي يتعرف عليها الجهاز المناعي على أنها غريبة، والجزيئات الموجودة في الدماغ والمايلين في الخلايا العصبية، فترتبط الأجسام المضادة التي تنتجها الخلايا البائية -وهي نوع من خلايا الدم البيضاء- بالجزيء الخطأ، وتضع علامة عليه لتدميره.

الخلايا البائية ليست سوى عامل واحد من عوامل الجهاز المناعي، فهناك الخلايا التائية، وهي نوع آخر من خلايا الدم البيضاء، التي تتعرف على إنذارات الخلايا المصابة، والتي يتم تقديمها كأجزاء بروتينية مميزة (تسمى مستضدات) على سطحها الخارجي، وعندما تتعرف الخلية التائية على علامة العنصر الغازي، يتم إنتاج جيش من مستنسخات الخلايا التائية الخاصة بذلك المستضد المعين.

قام الباحثون في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس بالتركيز على التفاعلات بين الخلايا التائية في الدم والسائل النخاعي لثمانية أشخاص يعانون من الأعراض المبكرة لمرض التصلب اللويحي، والخلايا المزروعة في المختبر المصابة بالفيروس، بالإضافة إلى الجزيئات الفيروسية.

قارن الباحثون استجابات الخلايا التائية للفيروس، والخلايا المصابة بالفيروس، والفيروسات الشائعة الأخرى، بما في ذلك فيروس الأنفلونزا، عن طريق تحديد تسلسل المستقبلات الموجودة على السطح الخارجي للخلايا التائية.

في عينات دم المرضى، كان لدى 13% من الخلايا التائية مستقبلات تتعرف على الخلايا المصابة بالفيروس الهيربسيي، بينما تعرف 4% فقط على مستضدات الأنفلونزا، وفي السائل الدماغي الشوكي، زاد عدد مستنسخات الخلايا التائية التي تتعرف على الخلايا المصابة بالفيروس، وهو ما يمثل 47% من الخلايا التي تم تحليلها.

تشير هذه النتائج إلى أن الخلايا التائية المصممة للتعرف على الخلايا المصابة بالفيروس موجودة في السائل الدماغي الشوكي في المراحل الأولى من مرض التصلب اللويحي، ما يشير إلى أنه من المحتمل أن تلعب دورًا مهمًّا في التسبب بالمرض.

الأعراض

يمكن أن تختلف علامات وأعراض التصلب اللويحي بشكل كبير من شخص لآخر خلال مسار المرض حسب مكان وجود الألياف العصبية المصابة، وغالبًا ما تؤثر الأعراض على الحركة محدثة خدر أو ضعف في طرف واحد أو أكثر في جانب واحد من الجسم في كل مرة. شعور يشبه الصدمة الكهربائية ويرتبط بحركات معينة للرقبة، وخاصة عند ثني الرقبة للأمام، ارتعاش أو ضعف التنسيق أو المشية غير المنتظمة.

تعد مشاكل الرؤية شائعة أيضًا عند الإصابة بالتصلب المتعدد وتشمل فقدان جزئي أو كامل للرؤية في عين واحدة وغالبًا ما يكون ذلك مصحوبًا بألم أثناء حركة العين. مع رؤية مزدوجة طويلة المدى، ورؤية ضبابية.

لا يوجد سبب محدد للتصلب اللويحي قد تزيد بعض العوامل التالية من خطر الإصابة مثل العمر، حيث يمكن أن يصيب المرض الأشخاص من جميع الأعمار، ولكنه يتطور بشكل أساسي لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 40 عامًا. الجنس.. فالنساء أكثر عرضة بثلاث مرات للإصابة بمرض التصلب المتعدد من الرجال. التاريخ العائلي.. الأكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة مَن كان أحد والديه أو أشقائه مصابًا به. فيتامين د.. فهناك علاقة بين انخفاض مستويات فيتامين د وخطر الإصابة بمرض التصلب اللويحي.

والأكثر عرضة للإصابة بالمرض من كان يعاني أحد أمراض المناعة الذاتية الأخرى، مثل مرض الغدة الدرقية أو داء السكري من النوع الأول أو مرض التهاب الأمعاء.

اختبارات التشخيص

التصوير بالرنين المغناطيسي يمكن أن يكشف عن مناطق التصلب اللوحي (الآفات) في الدماغ والحبل الشوكي، وأيضًا اختبارات الجهد المحرض، وهي اختبارات تسجل الإشارات الكهربائية التي ينتجها الجهاز العصبي استجابة للمنبهات.

في هذه الاختبارات، يُظهر نمطًا بصريًّا متحركًا أو نبضات كهربائية قصيرة موجهة إلى الأعصاب في الساقين أو الذراعين، وتقيس الأقطاب الكهربائية مدى سرعة انتقال المعلومات إلى مسارات الأعصاب.

العلاج

لا يوجد علاج لمرض التصلب اللويحي، يركز العلاج عادة على تسريع الشفاء من النوبات وإبطاء تقدم المرض والتحكم في الأعراض، ويعاني بعض الأشخاص من أعراض خفيفة جدًّا بحيث لا يلزم لها العلاج.

العلاج بالكورتيكوستيرويدات، حيث توصف أدوية مثل البريدنيزون الذي يؤخذ عن طريق الفم وميثيل بريدنيزولون الذي يعطى عن طريق الوريد للحد من التهاب الأعصاب.
تبادل البلازما، تتم إزالة الجزء السائل من الدم (البلازما) وفصله عن خلايا الدم. بعد ذلك، يتم خلط خلايا الدم بمحلول بروتين (الزلال) وإعادتها إلى الجسم، ويمكن استخدام تبادل البلازما إذا كانت الأعراض جديدة وشديدة ولم تستجب للستيرويدات. حتى الآن لا يوجد علاج كامل ونهائي للتصلب المتعدد. ومع ذلك، يمكن أن تساعد العلاجات المتاحة في تسريع الشفاء من النوبات وتعديل مسار المرض وعلاج الأعراض.

إن علاج التصلب اللويحي يعد من أكثر العلاجات التي تقدمت بأمراض الجهاز العصبي أكثر من الزهايمر والصرع، ويمكن وقف هجمات الجهاز المناعي كليًّا والمحافظة على المريض لسنوات طويلة، من خلال الأدوية عالية الفعالية، التي تؤخر الهجمات.

يتم العلاج بمصل الكورتيزون لمدة من 3 إلى 5 أيام حال الهجمة كانت قوية جدًّا وإذا لم يتحسن المريض يعالج بغسيل الدم، وفي معظم الحالات يمكن تحسين الوضع والرجوع للحالة الطبيعية، ثم يبدأ العلاج طويل الأمد الذي يمنع الهجمات لدرجة كبيرة وإذا حدثت تكون أقل شدة.

المرض مزمن مثل الضغط والسكري، يحتاج لعلاج مستمر وعمل تحكم في الحالة، وهناك نسبة تصل لربع الحالات وراثية بين التوائم، وإذا كان هناك أكثر من مصاب بالعائلة بالمرض تزيد احتمالات انتقال المرض للأبناء، أما في حال كان الوالدان مصابين ترتفع النسبة، وبشكل عام هناك من الإصابات تحدث لأسباب متعلقة بالوسط المحيط. 

لذا البحث العلمي يجري على قدم وساق، وصار العلماء قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى علاجات جديدة للحالات التي يتم فيها مهاجمة الأجهزة المناعية، كما الذئبة الحمراء والتصلب المتعدد حيث كان العلماء فيما مضى يلجأون إلى تثبيط الاستجابة المناعية بأكملها.

الآن انطلقت في الولايات المتحدة أولى التجارب التي تستهدف قياس فعالية خلايا”كار تي” في علاج التصلب اللويحي، حيث يمكن لهذه الخلايا المعدلة إعادة ضبط الجهاز المناعي المعطل ووقف الخلل الدماغي المسبب لمرض التصلب اللويحي.

يثير مخاوف الباحثين مدى أمان هذا النهج العلاجي؛ خاصة أن علاجات “كار تي” يمكن أن تُحدث تسممًا في الدماغ، مما قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات عصبية وتشنجات، وربما يودي بحياة المريض.

إنهم يحاولون القضاء بشكل انتقائي على الخلايا المسببة للمرض، أو إزالة برمجتها عن طريق حقن نفس المستضدات التي تهاجمها هذه الخلايا. وفي واحدة من هذه الدراسات، التي تعتمد على الخلايا المناعية المعدلة، تماثلَ للشفاء 15 شخصًا يعانون من أمراض المناعة الذاتية. يقول عالم المناعة العصبية، “لورنس ستاينمان”: “جاءت النتائج رائعة ومبهرة وبارزة”، لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل فيقول: “في كل مرة تصل فيها هذه التجارب، بما فيها بعض من تجاربي، إلى المرحلة الإكلينيكية، فإنها لا تستوفي المعايير اللازمة للموافقة على استخدامها”.

في دراسة أخرى لجامعة “هارفارد” الأمريكية كشفت أن هناك فيروسًا يصيب الأطفال والمراهقين ويحدث أعراضًا بسيطة، لكنه يظل كامنًا بالجهاز المناعي، وقد يسبب المرض بعد ذلك إذا توفرت له الظروف الملائمة مثل التلوث الذي زاد مؤخرًا مع التقدم الصناعي. البدانة، خاصة في فترة المراهقة. التدخين، خاصة أثناء المراهقة. الإكثار من تناول الملح. وعدم التعرض الكافي لأشعة الشمس.

يؤكد البروفيسور “باسم يموت” استشاري طب الدماغ والجهاز العصبي أن تشخيص التصلب اللويحي لم يكن سهلاً قبل ظهور الرنين المغناطيسي في الثمانينات. وأضاف أن المرض يزداد انتشارًا في العالم لأسباب عديدة أبرزها أن التعرض الأقل للفيروسات التي تعطي مناعة في الصغر يجعل الجهاز المناعي يهاجم الدماغ بدلاً من الفيروسات محدثًا التهابات متعددة. 

يقول باحثون إن فيروس من الفيروسات الهيربسية يسمى “إيبستين بار” الذي يصيب معظم الناس في مرحلة ما من حياتهم، قد يسبب مرض التصلب اللويحي المناعي الذاتي. لكن الكيفية التي يدفع بها هذا الفيروس  جهاز المناعة إلى مهاجمة خلايا الجسم، ظلت غامضة نوعًا ما. الآن اقترب الباحثون في جامعة “تكساس” خطوة واحدة من إظهار كيفية إطلاق الفيروس للخلايا المناعية في المراحل المبكرة من مرض التصلب اللويحي، عندما تظهر الأعراض الأولى دون تشخيص المرض.

مراجع :

PNAS- المصدر مجلة ScieneAlert

2-FDA approves new multiple sclerosis treatment Aubagio” (Press release). US FDA. Kerns RD، Kassirer M، Otis J (2023). 3-3″Pain in multiple sclerosis: a biopsychosocial perspective”. Journal of rehabilitation research and development..