أثبت العلم الحديث قدرة النباتات على الحركة.. فالنباتات المتسلقة تتمتع بقدرة عالية على الحركة تمكنها من تسلق الدعامات. ومع توالي الأبحاث اتضح أن النباتات تحرك أعضاءها بحرية ورشاقة، وأن لها استجابات حركية تجاه المؤثرات المختلفة، بما في ذلك الاستجابات الشعورية للحب أو الكراهية، وللعناية أو الإهمال، وهو ما يوازي الجهاز العصبي في الإنسان والحيوانات الراقية.

أسرار في جذور النباتات

لجذور النباتات قدرة عالية على اختراق التربة والامتداد لأعماق بعيدة؛ فجذور نبات “الفالفا” مثلاً، يمكن أن تمتد حتى عمق 40 قدمًا بداخل التربة، مستعينة بقوتها القادرة على اختراق الحوائط الإسمنتية. وتعمل الاستجابات المختلفة لجذور النباتات، على تغيير خصائص التربة؛ ومن ثم تؤثِّر على الخصائص الفسيولوجية للكائنات المستوطنة للتربة، وتلعب دورًا مؤثرًا في البيئة الأرضية، بفعل المواد التي تفرزها والبكتيريا المرتبطة بها.. حتى إنه يمكن لإفرازات الجذور أن تُغيِّر من قابلية معادن التربة للذوبان، وبالتالي تغير الخواص الكيميائية للتربة، ويمكنها حتى أن تزيل سُمية المواد الضارة. كما أن الصمغ النباتي الهلامي الذي تفرزه الجذور، يمكن أن يسهم في تحمُّل بعض النباتات للجفاف، حيث يزيد من قدرة الجذور على نقل الماء إلى النسيج الوعائي، وتحسين امتصاص العناصر الغذائية. وبعض النباتات تكون مزودة بجذور متحورة تعرف بالجذور الهوائية، لها القدرة على الامتداد في الهواء؛ فتستطيع بذلك أن تمتص منه بخار الماء قبل أن تخترق التربة، وتقوم بوظيفة الجذر العادي، فتتفرع وتتغلظ الأجزاء الهوائية منها، فتعمل بذلك على حمل الأفرع الهوائية.. وفي الأشجار المعمرة تلتحم مع الجذع، فتبدو وكأنها جزء منه كما في جذور أشجار التين البنغالي. وتعمل جذور بعض نباتات “الأوركيد” على تعلق “الأوركيد” على أفرع الأشجار بالغابات. وتتميز هذه الجذور الهوائية بوجود نسيج يعرف بـ”الفيلامين”، له القدرة على امتصاص بخار الماء من الهواء الجوي.

وتمتد من بعض النباتات جذور متسلقة، تساعدها على التشبث بنبات آخر، أو جدار يدعمها، أو تدخل في جذع شجرة، وتمتص منه الماء؛ وذلك كما في نبات متسلق يعرف بـ”حبل المساكين”، فجذوره المحلاقية تساعده على الارتقاء للأعلى، وامتصاص الماء الذي ينقصه من شجرة أخرى.

طريقة التكاثر عند النباتات

تتفنن النباتات في اتخاذ طرقٍ لتضمن تكاثرها وحفظ نوعها؛ ويتجلى هذا بوضوح في انتشار حبوب اللقاح، وانتقالها بين الأزهار المذكرة والأزهار المؤنثة، فنجد -مثلاً- أن النباتات التي يتم فيها التلقيح بواسطة الرياح، تتميز أزهارها بصغر حجمها وإنتاجها لحبوب اللقاح بكميات هائلة، وتكون حبوب لقاحها خفيفة جافة وملساء وسهلة التطاير، ليمكنها الطيران في الهواء والوصول للأزهار المؤنثة. ومن أمثلة النباتات التي تتلقح أزهارها بالرياح، النخيل، ونباتات العائلة النجيلية، التي تتميز بشيء آخر يساعدها على التلقيح بالرياح، وهو أن مياسم الأزهار المؤنثة تكون ريشية وذات مسطح كبير، لاستقبال حبوب اللقاح المحمولة بالرياح.

وبعض الأزهار ليلية التفتح، تتميز ببتلاتها الناصعة البياض، لتجذب إليها الفراشات ليلية النشاط. وهي تنشر أزكى عطورها عند الغسق، فتنقل لها الفراشات حبوب اللقاح أثناء تنقلها بين الأزهار. وبعض زهور “الأوركيد” تتخذ بتلاتها شكل أنثى الذباب، لتنخدع ذكور الذباب وتهبط عليها بغرض تلقيح أنثاها الوهمية، فيتم نقل حبوب اللقاح لها. وبعض أنواع الزنابق التي تعيش في المناطق الخالية من الحشرات الطائرة -سوى الذباب- تفرز رائحة شبيهة برائحة اللحم المتعفن، لتجذب إليها الذباب فيساعد في نقل حبوب اللقاح لها.

وتتميز البذور بخصائص تساعدها على الانتشار عبر مناطق شاسعة، لتنبت وتنتج نباتات جديدة. فبعض البذور التي تنتشر بواسطة الرياح، تكون مزودة بجناحين، مثل بذور شجرة القَيْقب، وبعضها تكون ذات زغب يساعدها على الطيران، كما في بذور نبات الهندباء البري، وبذور أشجار الصفصاف. ويمكن أن ينتقل بعضها من خلال الطفو على الماء كما في بذور جوز الهند. وهناك نباتات تنشر بذورها بوسائل عجيبة، فثمار نباتات البلسم تقذف بذورها عند أدنى لمسة لها.

وسائل النباتات في التكيف مع البيئة

تستطيع النباتات التواجد والازدهار في كل البيئات تقريبًا، فتنمو على قمم الجبال، وفي المحيطات، وفي العديد من الصحاري، وحتى المناطق القطبية. ومن المثير للدهشة، القدرات العالية للنباتات على النمو في أماكن تبدو غير صالحة للحياة. ويمكننا ببساطة أن نلاحظ الأشجار التي تنمو من جوف الصخور، أو الشتلات التي تنبثق من باطن الأرض بعد شتاء قارس، أو النباتات التي تنمو من قلب أسفلت الشوارع، الذي يبدو غير قابل للاختراق. الحقيقة أن للنباتات قدراتها الحيوية الديناميكية المعقَّدة، التي يمكننا أن نتعلم منها الكثير من الدروس القيمة.

وبالرغم من تأثر النباتات الشديد بالرياح التي يمكن أن تؤدي لتكسيرها أو رقادها، أو تشوه أوراقها، أو سقوط أزهارها، إلا أن هناك أشجارًا شديدة الصمود أمام الرياح، وتستطيع حماية نفسها وغيرها من النباتات، من التيارات الهوائية الشديدة، ولذا نلاحظ زراعة سياج من الأشجار العالية حول الحقول، تعمل كمصدَّات للرياح، وتحمي المزارع من أضرارها، مثل أشجار الكازوارينا ذات الأوراق الإبرية القوية في مواجهة الرياح.

وتواجه النباتات التي تعيش في الصحراء ظروفًا قاسية، من تربة رملية ممتدة، إلى حرارة شديدة تضرب بقوة في الرمال الساخنة، إلى ندرة شديدة في المياه، إلى رياح عاصفة تهب من كل جانب. وبالرغم من كل هذا، فإن الصحراء تزخر بأنواع فريدة من النباتات والأعشاب، التى وهبها الله قدرات وتحورات خاصة، للتكيف مع الظروف البيئية الصعبة، ومواصلة حياتها بجسارة في قلب الصحراء. والكثير من هذه الأعشاب الصحراوية، ذات خصائص طبية فريدة نافعة للإنسان، مثل نبات “السَّكران”. ومن النباتات الصحراوية التي تتحمل ظروف الجفاف، نبات “الرتم”، وهو نبات صحراوي واسع الانتشار، تسقط أوراقه بمجرد تكونها، لتنوب سيقانه الطرفية الخضراء عنها، في القيام بعملية البناء الضوئي، لتقليل فقد الماء بواسطة النتح. وتفرز أوراق بعض النباتات الصحراوية -كالمُليح- أملاحًا تساعد على امتصاص الرطوبة الجوية، وقطرات الندى ليلاً.

وفي أراضي المستنقعات رديئة التهوية، تنمو بعض النباتات التي تستطيع التكيف مع بيئة المستنقعات. وبالرغم من أنها لا تستطيع نيل كفايتها من الأكسيجين اللازم لتنفسها في هذه البيئة الغنية بثاني أكسيد الكربون، الناتج عن تحلل البقايا النباتية، إلا أن الله زودها بحيلة تستطيع أن تهرب بواسطتها من هذا الجو الخانق، حيث تخرج من أجزائها السفلية المغمورة في الطين، جذورًا عرضية تتجه لأعلى فوق سطح الماء، وتعرف بالجذور التنفسية، إذ تحتوي أنسجتها على فراغات هوائية واسعة تستطيع امتصاص الأكسيجين اللازم لتنفس نباتات المستنقعات، ومن أمثلة هذه النباتات نبات “الشورة”.

النباتات تدافع عن نفسها

للعديد من النباتات القدرة على حماية نفسها بمختلف الوسائل، ضد هجوم الحشرات والحيوانات التي تسعى لالتهامها. وقد زوَّدها الله بدفاعات طبيعية وكيميائية قوية؛ فبعضها يكون مزودًا بتراكيب تعوق تغذية الحشرات عليها، كالأشواك والأوراق والأفرع المتحورة لإبر، أو الطبقة الشمعية الصلبة والشعيرات على سيقانها وأوراقها، أو الإفرازات المُرّة المنفرة للحشرات، أو الإفرازات الصمغية التي تتصيدها. وتكتسب بعض النباتات الحماية من أعدائها عبر علاقة تبادل المنفعة، حيث يوفر النبات نمطًا من التغذية لمجموعة من الحشرات، وفي المقابل تحميه هذه الحشرات من الحيوانات الأخرى.

وأحد الأمثلة على تبادل المنفعة بين نبات وحشرة، العلاقة بين النمل وأشجار “الأكاسيا”، حيث يعيش النمل داخل أشواك مجوفة على أشجار الأكاسيا، وتفرز أوراق الأكاسيا محلولاً سكريًّا يتغذى به النمل، وفي المقابل ينظف النمل الأرض حول الشجرة، ويهاجم أي حيوانات أخرى تقترب من الأشجار. وبعض نباتات “الميموزا” تلجأ إلى وسيلة دفاعية مدهشة، فكلما تسلقت حشرة ساقها للوصول لأوراقها الرقيقة التي تعتبرها وجبة شهية لها، فبمجرد وصولها أولى الوريقات السفلية، تنتصب الساق فجأة وتلتف الأوراق حول نفسها، فتسقط الحشرة نتيجة هذه الحركات الدفاعية المباغتة من النبات.

ويساعد التمويه في حماية بعض النباتات من أعدائها، فهناك أنواع من الصبّارات الصخرية الحية تُموه ألوانها وأشكالها، ليصعب تمييزها عن الصخور المحيطة بها. وبعض النباتات تستشعر أن النمل يسعى لامتصاص رحيق أزهارها، فتسرع بقفل بتلات الأزهار قبل وصول النمل إليها، ولا تتفتح إلا بعد تراكم قطرات الندى على سيقانها بشكل يعوق تسلق النمل. والمدهش أن علماء البيئة النباتية اكتشفوا أن الأشجار التي تتعرض لهجوم الحشرات، تتصدى لها بإطلاق إنذار صامت، فتنبعث منها روائح كيميائية لتنبيه الأشجار القريبة منها، وحثها على زيادة إفرازاتها الكيميائية الواقية المضادة للحشرات التي تنفرها. واكتشفوا أن بعض النباتات تفرز ثمانية أنواع من المواد السامة للحشرات، ولدى بعضها القدرة على تغيير تركيب هذه المواد من سنة لأخرى، على غرار تصنيع المضادات الحيوية، حتى لا تكتسب الآفات مناعة ضدها.

التكافل الاجتماعي عند النباتات

من أعجب الأشياء في مملكة النباتات، التعاون والتكافل بين النباتات مع بعضها ومع غيرها من الكائنات، تمامًا مثل مجتمع البشر. وتتنوع الخدمات التي تقدمها النباتات لبعضها البعض، حيث اتضح من أبحاث العلماء، وجود علاقات الحب بين بعض النباتات، حتى إن بعضها يزدهر إذا جاورت نباتات أخرى. فتبين -مثلاً- وجود علاقة حميمة بين فول الصويا والخروع، إذ تستطيع رائحة الخروع إبعاد الخنفساء التي تضر الفول. وعند زراعة الذرة الشامية والبازلاء بجوار بعضهما، فإنهما يعززان من نمو بعضهما. هذا واتضح وجود محبة ومُشاكَلة بين العنب وكلٍّ من الزيتون والقرع والنبق، وبين التفاح والكمثرى والنارنج، علاقة وصداقة، فيألف بعضها بعضًا وتزدهر بالتجاور. واستغل الباحثون الزراعيون هذه الألفة بين بعض النباتات في زيادة إنتاجية المحاصيل.

الإيثار عند النباتات

في عالم الزراعة يتم اللجوء أحيانًا إلى ما يعرف بـ”المصائد النباتية”، بغرض افتداء محصول رئيسي بنبات آخر تفضله الآفة -التي يمكنها التغذية على النباتين معًا- لكن النبات الآخر الذي يُقَّدم فداءً للمحصول الرئيسي هو الغذاء المفضل لها فتتجه له الآفة، وبمجرد تجمّع الحشرات على صف “النباتات الحامية”، يتم اقتلاعها وإعدامها بما عليها من حشرات، فينجو بذلك المحصول الرئيسي. وذلك كما في زراعة حزام من أعواد الذرة وسط حقول القصب، لتفادي الإصابة بِثَاقابات الذرة، وزراعة صف من أشجار الخوخ حول بستان البرتقال الصيفي، لجذب ذبابة الفاكهة وحماية بستان البرتقال منها، وزراعة صف من النباتات القرعية بجوار زراعات الطماطم، لحماية الطماطم من الإصابة بالذبابة البيضاء. ويُعتبر دوَّار الشمس مصيدة نباتية مزدوجة الأسلحة، لأنه عند زراعته في مناطق زراعة المحصول الرئيسي، يجذب الحشرات الضارة، ويجذب أيضًا الأعداء الطبيعية المفترسة لها.

مشاعر النباتات

لقد أثبت العلم الحديث أن النبات يتأثر بسماع القرآن الكريم، ويهتز لسماع الموسيقى، ويزدهر نموه في البيوت المليئة بالحب.. وبالمقابل يذبل في البيوت المليئة بالجفاء والكراهية. والعارفون بأسرار زراعة النخيل، يعرفون حالات عاطفية بين النخيل ويفطنون لعلاجها؛ فهناك “النخلة العنيدة” التي ترفض الإثمار، وعلاجها الوحيد هو التخويف بالنار. وهناك “النخلة العاشقة” التي تميل بجذعها إلى نخلة تجاورها، والعجيب أن أطرافها يظهر عليها الذبول فيما عدا التي تواجه النخلة المحبوبة، وعلاج هذه الحالة هو ربطها بحبل غليظ مع النخلة المجاورة التي تميل إليها.

(*) كاتب وأديب مصري.