لماذا لا نحسُّ بهموم العالم الإسلامي؟ الحرائق تلتهم أجزاء من جسم العالم، ولكن كأن الحرائق لا صلة لنا بها. هناك مقولة في اللغة التركية تقول “النار تحرق المكان الذي تقع عليه”؛ إنها -في الحقيقة- مقولة أنانية، وخاسر من فكَّر بهذه الطريقة. إنما المؤمن الحق يقول “النار تحرقني أينما وقعتْ!”. إنْ وقعتْ بالقرب مني تحرقني أكثر، وإنْ بعدت تحرقني كذلك.. تحرقني النار التي وقعتْ في أيّ مكان وفي أيّ بقعة من العالم.
كونوا على يقين بأن أي نار تقع على أي مكان، تشتعل في داخلي كالجمر المتقد.. هكذا يكون المؤمن، وبهذه المشاعر يتنفس، وما عدا ذلك هيجان للأنانية فقط.
عندما يُصبَغ العمل بالإيمان
علينا أن نحاسب أنفسنا في كل لحظة.. علينا أن نبحث عن صفاء قلوبنا إذا حلّت بنا المصائب. لا تشغل سمعك بأي نظرة احتقار أو أي كلمة خبيثة.. لا تومئ برأسك لافتراء مشيرًا “قد يكون.. من المحتمل!”. إن سلوكًا كهذا، دعوة للبلاء واستجلاب المصائب، دعوة واحدة يصاحبها ألف بلاء ومصيبة. لذلك، كان نبينا سيد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، يستغفر الله سبحانه وتعالى في اليوم أكثر من سبعين مرة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنشئ الصُّوبات “للمستحيلات” ويحوِّطها بالأسوار.. اللهم لا تعذِّبنا بذنوبنا، واغفر لنا يا غفار، واستر عيوبنا يا ستار، واعفُ عنا يا عفو يا الله.
إن الصِّدْق صفة المؤمن، لذا يجب على المؤمن أن يتحلى بالصدق في كل حركاته وسكناته، ولا يفتأ يردده على لسانه ويلازمه في حلّه وترحاله.. فإذا ذبل قلب المؤمن ومال للتلاشي والأفول، وفَقَد روحه وذهبت نضارته؛ يجب عليه الإسراع إلى نفخ الروح فيه وإحيائه بـ”الصدق”.
إن حفاظ المرء على إيمانه -بعد الإيمان بالله- مرهون بتصرفاته وأفعاله.. لأن الإنسان يحيا بـ”العمل الصالح”، و”العمل المصبوغ بالإخلاص”، و”العمل الذي يستهدف رضا الله تعالى”.
إذا أصيب الإنسان بالجمود واستأسره الخمول، فلا مناص -عندئذ- من ذهابه أدراج الرياح، ثم تساقطه كالأوراق التي حلّ عليها فصل الخريف. لقد أُلقينا -الآن- في الجُبِّ كالنبي يوسف عليه السلام، والتقمَنا الحوت كالنبي يونس بن متى عليه السلام.. ما العمل للخروج من هذه المشكلة إذن؟ يجب البقاء على الحركة الدؤوبة، والعمل الدائم دون فتور.
إذا لم يغذَّ الإيمان بالحركة، بهتَ لونه، وضعف بريقه، وذهب أدراج الرياح ليتلاشى كأوراق الشجر.. فإذا توقفتْ الأشياء عن الحركة أمام الزهور والورود، حُكم عليها بالذبول، وصارت سمادًا في جوف الأرض.
لو أنكم جمعتم الهممَ وبذلْتم الطاقات، فذلك يعني دعوة واستدعاء لتجلي سر الأحدية في نور التوحيد.. السير الدائم، السير الدائب، السير المستمر.. يجب المواظبة على السير؛ حتى لا يُحكَم علينا بالزحف الدائم على البطون ومن ثم الذلّ والهوان المستمر.
(*) هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ فتح الله كولن الخاصة. الترجمة عن التركية: هيئة حراء للترجمة.