عيون الزواحف الهندسة الحكيمة

تعدّ العين من أعجب الأعضاء وأدقها في جسم الإنسان وجميع الكائنات الحية. وتختلف أوضاع العيون في الأجسام باختلاف أجناس المخلوقات. فعيون الإنسان جُعلت في وضعها المعروف ليبصر بها ما أمامه، وعيون بعض الزواحف مركبة في رؤوسها على ساق متحركة تستطيع رفعها وخفضها بما يتناسب مع وضع المرئيات.

ومن خلال هذه السطور، سنقوم بالنظر إلى دقة الخالق العظيمة، وروعة الهندسة الحكيمة، وعجائب الصنعة في عيون بعض الزواحف.

الحدقة

إذا نظرنا إلى شكل حدقة العين في الزواحف، وجدناها تختلف اختلافًا كبيرًا بين نوع وآخر، ففي الزواحف التي تنشط في النهار تكون الحدقة دائرية، أما الزواحف الليلية فلها حدقة مستطيلة، وذلك من حسن التقدير.

فالحدقة هي الثقب الذي يعبر منه النور إلى داخل العين، تضيق وتتسع حسب درجة الإضاءة؛ فإذا كان الضوء باهتًا انفتحت، وإذا كان باهرًا انقبضت حتى لا يدخل العين إلا ما يلزم من الضوء لرؤية أفضل. وانقباض الحدقة مهم أيضًا لكي لا يؤذي النور الباهر عصيات الشبكية وهي نهايات عصبية حساسة تمكن من الإبصار في الضوء الخافت أو في الليل. وبما أن الزواحف بخلاف الطيور والثدييات، حيوانات ذات دم بارد لا تنشط إلا في الحر، ولا ترتفع حرارتها إلا إذا اصطلت بأشعة الشمس التي تتعرض لها طويلاً لخزن الحرارة. ولما كان الشكل المستطيل أنسب من المستدير لتضييق الحدقة ولحد كمية النور الداخلة، فقد جعله الخالق في الزواحف الليلية.

ومن أغرب أشكال الحدقات عند الزواحف، تلك التي عند وزغ “الجيكو”، وعند بعض ثعابين الأشجار.

أما وزغ “الجيكو” فله حدقة بشكل شق عمودي، به فتحات دقيقة مستديرة، والصور المتفرقة المتكونة عبر كل فتحة تجتمع على قاع العين، لتكون صورة واحدة أوضح من تلك التي تتكون لو كانت هناك فتحة واحدة مساحتها مجموع مساحات الفتحات الدقيقة، وبهذه الكيفية يحافظ الوزغ على حدة إبصاره حتى لو قلل إلى حد بعيد كميةَ النور الداخلة عبر البؤبؤ.

وأما ثعابين الشجرة فإن لبعضها حدقات مستطيلة أفقيًّا في شكل قفل، وهذا الشكل في غاية الإبداع، أوسع فتحتي القفل واقعة في الجانب الخارجي من العين، بحيث تكون هي وحفرة الخطم الجانبية وقاع العين على خط مستقيم واحد، مما يزيد مجال الرؤية.

وإذا نظرت إلى الحيّات رأيتها تحدق دائمًا تحديقًا منوِّمًا، ويرجع ذلك إلى أنها لا تملك أجفانًا، لكن الخالق جعل على سطح مقلتها قشورًا صلبة شفافة كأنها العدسات البلاستيكية اللاصقة، تغطيها لتقيها أذى الغبار والأعواد أثناء سعيها على الأرض أو انسيابها بين أغصان الشجر.

ومن العجب أن الحية إذا انسلخت من غشائها لتجديده، تتخلق لها عدسات جديدة مكان العدسات البالية التي تطرح مع الغشاء القديم.

وهناك أنواع من السحالي جهزها الخالق بنظارات شفافة كالتي عند الثعابين، ووهبها لسانًا طويلاً تستعمله لتنظيفها.. ومن السحالي ما يملك جفنين معهما غشاء شفاف رامش يقي العين من شدة الحر والضوء، ومنها ما له جفنان، جفن أعلى وجفن أسفل يحتوي في وسطه على شباك شفاف. وتتكيف الغدد الدمعية بمقتضى حاجة الزواحف، فالحيات -بخلاف الزواحف الأخرى- لها غدد دمعية ضامرة أو معدومة تمامًا، بما أن الخالق كفاها مؤونة تنظيف العين بأن جعل لها تلك القشرة الشفافة.

أما سلاحف البحر، فلها غدد دمعية عظيمة، لكن دون قناة دمعية تصرف الدمع من الأنف كما عند التماسيح والسحالي وعند الإنسان، لذلك ترى أعينها تفيض من الدمع. وقد ظلت هذه الخاصة تحير العلماء إلى أن تبينوا أخيرًا، أن سلحفاة البحر تتخلص في دمعها من كميات كبيرة من الملح تزيد زيادة مفرطة عن حاجة جسمها.

الحرباء

تشتهر الحرباء بقدرتها الرهيبة على تغيير لونها، كما أن البارئ سبحانه خلقها بطيئة الحركة، فأعطاها مع القدرة على التلون والسكون، عينين بارزتين كبيرتين تدوران إلى كل جهة من الجهات ليتسع مجال رؤيتها. ويغطي الجفن مقلة العين بأكملها باستثناء فتحة صغيرة فقط هي التي تسمح لها بالرؤية. وأما العجيب فهو أن الحرباء يمكنها توجيه كل عين على حدة إلى ناحية مختلفة عن الأخرى بشكل مستقل، بالإضافة إلى القدرة على تحريك كل عين على حدة. فتستطيع أن ترصد كل ما يحيط بها في زاوية 180 درجة عموديًّا و90 درجة أفقيًّا دون أن تتحرك قيد شعرة، وهذه لعمري قدرة مدهشة لا يدانيها فيها أي حيوان.

وإذا لمحت عين من العينين فريستها، تأبرت العينان معًا لتحديد موقعها، بينما يدور الرأس في اتجاهها بحيث يكون في متناول لسان الحرباء الطويل اللزج، الذى ينطلق في ربع ثانية نحو الفريسة، فيخطفها ويرتد بمنتهى السرعة إلى داخل الفم.

الوزغ ورقي الذيل

يملك الوزغ ورقي الذيل عينين سيرياليتين جميلتين، مقلة العين رأسية، وعليها ثقوب تتسع في الليل لتسمح لهذه الزواحف بالتقاط الضوء بأكبر قدر ممكن. تحوي هذه العيون خلايا أكثر حساسية للضوء من العين البشرية، حيث تمكنهم من الرؤية الليلية وكذلك تمكنهم من رؤية الألوان في الليل.

الثعابين

هل سألت نفسك يومًا لماذا يقولون إنه بمجرد أن يراك ثعبان ويلحظك فلا مجال للهروب على الإطلاق؟ مهما فعلت أو تخفَّيْت لا يمنكك الاختباء من الثعبان أبدًا.

تحتوي الثعابين على مجموعتين من العيون، أما المجموعة الأولى فهي العيون العادية التي تراها، وهي ترى بشكل طبيعي -كغيرها- وبدرجة جيدة من تمييز الألوان، غير أن المجموعة الثانية من العيون هي بؤر رؤية تستشعر الحرارة، وترى الكائنات الحية تمامًا كمستكشفات الأشعة تحت الحمراء المستخدمة حديثًا في الأسلحة وغيرها.. فترى الأشخاص تمامًا، لذا فإن وقعت في مرمى بصر ثعبان مفترس، فلن تستطيع الاختفاء منه خلف الأشجار أو حتى الأبواب، لأنك ستظل مرئيًّا بالنسبة له.. لكن من لطف الله بنا، أن الثعابين تمتاز بطبيعتها الهادئة، التي لا تميل إلى المطاردة والقتال، وإنما تفضل الذهاب للبحث عن فريسة أخرى. سبحان الذي حباها بما تستطيع به مطاردة فريستها بالرغم من أسلوب حركتها البطيء، والذى يعتمد على الزحف لغياب الأطراف.

إننا لو درسنا عين كل كائن حي، فسنرى فيها مميزات غريبة تفوق الوصف، واختلافات متباينة تتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، مما ييسر له سبل الحياة مع باقي الكائنات الحية الأخرى المتباينة.

(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.