قال الله تعالى(وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ((لقمان:14). أثبتت الدراسات حجم المعاناة الحقيقية للمرأة أثناء الحمل والوضع من إرهاق الجملة العضلية والعظام. وإذا ما وضعت الأمّ مولودها تقوم أولاً بتغذيته عن طريق الرضاعة الطبيعية التي لا تفتأ الدراسات تؤكد أهميتها بالنسبة للمولود؛ من تزويده بالعناصر الضرورية لبناء جسمه من عظام وعضلات، بالإضافة إلى وقايته من مختلف الأمراض والتشوهات. ولكن أثر الرضاعة الطبيعية على الأمّ لا يزال موضع جدل بين الباحثين، فمنهم من يؤكد الأثر السلبي لهذه الرضاعة الطبيعية من حيث تعرض المرأة لمجموعة من المضاعفات؛ من فقر الدّم، ونقص العناصر المعدنية وخصوصًا الكالسيوم، مما ينتج عنه مرض تَرقُّق العظام (Oestéoporose) عند التقدّم في السنّ، حتى إن بعضهم ربط خطر الإصابة بسرطان الثدي، بالرضاعة المتكررة للأمّ. ثم جاءت مؤخرًا بعض البحوث لتؤكد أن قيام المرأة بدورها الطبيعي من حمل وإرضاع، هو بمثابة لقاح ضدّ الإصابة بسرطان الغدّة اللّبنية. فهل فعلاً للرضاعة هذا الدور المصيري؟
أجريت دراسة ميدانية في الجزائر، كان حجم العينة فيها 114 حالة ذات تشخيص مؤكد لسرطان الغدّة اللّبنية، تخضع لمختلف العلاجات، وذلك بالمستشفى الجامعي لولاية سيدي بلعباس.
قُسِّمتْ العينة المتكونة من 114 مريضة، على مجالات عمرية مختلفة تتراوح ما بين العقد الثاني والعقد الثامن، بحيث يمثل المجال العمري بين 40-59 سنة، نسبةَ 70% من العينة المدروسة. علمًا بأن هذا السنّ هو أول عامل خطير يسبب الإصابة بسرطان الثدي، لذا يلزم على المرأة إجراء الفحوصات الدورية لاكتشاف المرض في أول مراحله. وهذه النتيجة بيّنت أن خطر الإصابة يزداد عند بلوغ المرأة سنّ اليأس.
بعد ذلك تم تصنيف المريضات وفق عمر بداية الإنجاب أو ما يدعى (Parité)، مما جاء بنتيجةٍ هي أن أكثر من 35% من المريضات أنجبن لأول مرة بعد الثلاثين من العمر، مما يتيح لنا فرصة المقارنة بين ما وصلنا إليه وما أثبتته الدراسات التي بيّنت أن إنجاب الطفل الأول قبل الثلاثين من العمر، يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي نسبة 25%، في حين يزيد الخطر بنفس النسبة (25%) عند النساء اللائي لم يسبق لهن الإنجاب.
أهم مقياس تم الاعتماد عليه في مساءلة المريضات هو الرضاعة الطبيعية، وذلك بهدف معرفة تأثير هذه الرضاعة على السرطان أو منعه، باعتبارها الوظيفة الأساسية للثدي. كانت النتيجة مفاجئة؛ حيث قامت حوالي 61% من المريضات بالإرضاع بعد إنجاب أبنائهن، لأن تقاليد المجتمع الجزائري لا تزال تفرض على المرأة إرضاع المولود في شهوره الأولى مع أو بدون الرضاعة الاصطناعية. ولكن المفارقة العجيبة تكمن في مدة الإرضاع التي ذكرها القرآن الكريم، وحددها بحولين كاملين لمن أراد إكمال الرضاعة: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ((البقرة:233). بينت النتائج أن النساء اللائي يرضعن أولادهن أقل من ستة أشهر، يتعرّضن لنفس نسبة خطر الإصابة بسرطان الثدي عند النساء اللائي لم يسبق لهن الإرضاع، إلا أن خطر الإصابة بسرطان الثدي ينخفض كلما ازدادت المدة عن الستة أشهر.
ينمو الثدي عند المرأة عند بداية بلوغها وهو من الصفات الأنثوية، وبالتالي يتكون الثدي المكتمل من نسيجين اثنين، هما النسيج الغدّي الذي يمثل الغدّة اللّبنية، والنسيج الشحمي الذي يعطي للثدي شكله وحجمه.
يتكون النسيج الغدّي من مسالك ناقلة للّبن تبدأ من تجويف محاط بخلايا مفرزة، حيث يتجمّع الحليب في هذه التجاويف، ثم يتم تحويله عبر المسالك مباشرة إلى الحلمة. يتم إفراز الحليب اعتمادًا على التنبيه الممارس على الحلمة من قِبل المولود بعملية الرضاعة، مما يجعل الخلايا اللّبنية تستنفر لتوفير أكبر كمية من الغذاء.
إن عمل الغدّة اللبنية لا يتحقق إلا أثناء الولادة والرضاعة، أما في معظم الأوقات من حياة المرأة، تبقى هذه الغدّة في حالة سكون، ولكن هذا لا يمنع من تأثّرها بالتغيرات الهرمونية خلال الدّورة الجنسية، إذ تتلقى إفرازات دورية من هرموني الأستروجين والبروجسترون اللذين يؤديان إلى نشاط مؤقت يتبعه عودة للخمول. كما أن ارتفاع نسبة الهرمونات الأنثوية في الدّم، يؤدي إلى انقسام متتال للخلايا الغدّية تتحوّل بعد ذلك إلى سرطان، بينما في حالة الإرضاع لمدة كافية، تظل الغدّة تعمل بنشاط، مما يكون سببًا في إضعاف انقسام الخلايا المرضية وانخفاض لكمية الهرمونات الأنثوية في بلازما الدّم.
(*) كاتبة وباحثة جزائرية.