مصادر صناعة الألوان
يعود الفضل في اقتناء هذه المجموعة وفهرستها إلى فيليب حِتى اللبناني، ومن بين مخطوطات برنستون النفيسة شرح الإصطرلاب للطوسي ومجموعة تشتمل على 113 رسالة في العلوم الرياضية والمواقيت وإحكام النجوم والهيئة والهندسة وصناعة الساعات الظلية ومنها أيضًا كتاب النيازك لأرسطوطاليس نقله إلى العربية حنين بن إسحق، وفي مكتبة جامعة يايل مخطوطات قديمة جدًّا مثل فتوح البلدان للبلاذري وهي نسخة غير منقوطة من القرن الخامس الهجري ومصحف بخط رفيع جدًّا بالغ الصغر بقلم ياقوت المستعصمي تاريخها 1261م .
وتقتني مكتبة الكونجرس الأمريكي حوالي 1700 مخطوطة عربية وحوالي ثلاثمائة مخطوطة فارسية وتركية، ويعود مصدر أكثر المخطوطات في مكتبة الكونجرس إلى عام 1945 عندما قررت المكتبة إنشاء قسم خاص بالشرق الأوسط على أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، واشترت المكتبة مجموعة الأستاذ الأزهرى محمود الإمام المنصوري – نحو1300 مخطوطة في الفقه الإسلامي الحنفي- ومن أبرز مقتنيات الكونجرس الأمريكي مصحف يشتمل على بعض أجزاء القرآن الكريم بخط الشيخ ياقوت حمد الله الأماسي 1432 – 1520 م.
“إنه إهداء إلى فيروز أغا خازندار القصر في عهد السلطان العثماني بابزيد الثاني 1481 – 1512 من الشيخ حمد الله الذي جلبه من أماسيا إلى القصر في إستانبول، وتتكون المخطوطة من 66 ورقة الإهداء والفاتحة وسورة الأنعام وسورة الكهف وسورة سبأ وسورة فاطر وسورة يس وسورة الفتح “.
جاء هذا الإهداء بخط الثلث على أرضية زرقاء تبهر النظر ذات ألوان متدرجة في الزرقة غامقة وفاتحة وأكثر فتوحة ومزخرفة بزينة ورقية على أشكال تتداخل مع التزيين الورقي بحركات متناغمة ضمن جدول ذهبي.
وقد استخدمت الألوان الزاهية في تحلية المصاحف والمخطوطات، وأوجد العرب هذه الألوان من مواد مختلفة، منها ما هومصنوع من مصادر نباتية كالحناء والبن والأرز والورد والأزهار، ومنها ما هو مصنوع من الأحجارالكريمة التي تتميز الألوان المستخرجة منها بالثبات وعدم التغير بعامل الزمن، وكانت مساحيق هذه الأ حجار تخلط بالصمغ والماء المستخلص من الورد، ومن أهم الألوان التي كانت تستخرج من مساحيق الأحجار اللونان الأخضر والأزرق اللذان كانا يستخرجان من أحجار الفيروز النفيسة.
أما المصدر الثالث لصناعية الألوان، فهوالأتربة بعد أن تنخل وتصفى وتسحق لتصبح كالكحل ثم تخلط بالصمغ والماء حتى تصبح جاهزة لتحلية المخطوطات، وأما المصدر الرابع في صناعة ألوان المخطوطات، فهوالتذهيب، وهناك نوعان رئيسيان في تذهيب المخطوطات هما المطفى واللماع، أولهما يتم بلصق الأوراق الذهبية الرقيقة في مواضع التحلية، والثانى عن طريق التلوين المباشر بماء الذهب.
ويتم الحصول على ورق الذهب عبر إذابة معدن الذهب وترقيقه إلى درجة تتشابه مع الورق، ثم يقوم الفنان أوالمذهب بإذابة ورقة الذهب في الماء مع إضافة مادة الجيلاتين، ولكي يتم تذهيب شيء ما بأشكال ورسوم محدودة وجميلة، يقوم المذهب بداية برسم الشكل المطلوب على ورقة، ثم يضع الشكل فوق لوح من مادة الزنك، ويقوم بعمل ثقوب بالإبرة فوق مسار الشكل، ثم يأخذ الشكل المثقب ليوضع فوق الأرضية المراد تذهيبها، بعدها يتم ملء الثقوب بمادة صمغية ترابية.
وبعد رفع الورقة المثقبة من فوق الأرضية واللوح أوالورقة أوغيرها يظهر الشكل المطلوب واضحًا فيتم ملء خطوط الشكل والنقط بماء الذهب أوبالبوية الذهبية اللون.
وقد انبرى الكثير من المذهبين في إظهار البراعة والإتقان في زخرفة وتذهيب المصاحف وشجعهم على ذلك إقبال العديد من العلماء والفقهاء على تعلم فن التذهيب إلى درجة إلإتقان، وصل بهم الأمر إلى تذهيب جلود المخطوطات التي كانت آية من آيات الدقة والمهارة الفنية .
تزيين صفحات المخطوطات
كان المصحف محل إجلالهم وتقديرهم “فكتبوه على صفائح الذهب والفضة، وعلى صفائح العاج، وطرزوا آياته بالذهب والفضة وعلى الحرير والديباج، وزينوا بها محافلهم ومنازلهم، ونقشوها على الجدران في المساجد والمكاتب والمجالس” .
وقد بلغت المصاحف التي ذهبت في القرنين الرابع والسادس بعد الهجرة درجة عالية من الناحية الفنية والجمالية، حيث كانت تذهب وتزين بأدق الرسوم، وتجلت براعة المذهبين في زخرفة الصفحتين الأولى والثانية من المصحف الشريف، وكذلك في الصفحتين الأخيرتين، باستخدام ماء الذهب مع الألوان المختلفة، وخاصة الأزرق الفيروزي، كما قام بعض المذهبين في عملية تذهيب المصاحف بتذهيب المصحف جميعه، وهناك من اكتفى بتذهيب صفحات كاملة منه، مثل تذهيب سورة الفاتحة وأول سورة البقرة.
وحول سورة الإخلاص والفلق والناس، وأحيانًا حول سورة الشورى والإسراء ويس، ناهيك عن تلك “الزخارف في الهوامش مثل الزهيرات والسعيفات والنجيمات التي تدل علي موضع انتهاء الأجزاء والأرباع وفي مواضع السجدات، إضافة إلى تلك الفواصل الزخرفية لتحديد الآيات وأرقامها، والمستطيلات الزخرفية للفصل، هذا إلى جانب تزيين الجلد أو رقشه بالأرابسك بزخارف متنوعة باستخدام طلاء الذهب أوطبعه بأختام ساخنة بورق الذهب” .
في القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادي، إزدادت العناية بتزيين صفحات بعض المخطوطات، ولم يعد التذهيب وقفًا على السرلوح أي الصفحات الأولى من المخطوط، أوعلى النجوم التي كانوا يسمون الواحدة منها شمسة، أوعلى الجامات (المناطق والبحور) التي كانت يكتب فيها أسم صاحب المخطوط وتاريخ الفراغ منه، بل أصبح لزخرفة الهوامش وتذهيبها شأن كبير، فأقبل الفنانون على تغطية هوامش المخطوطات بالرسم النباتية والهندسية، أوبالرسوم الحيوانية والبشرية، إذا كانت المخطوطات علمية.
لا يمكن للإنسان أن يتخلص من حبه الدفين في البحث عن الرُقم أوالألواح الطينية لقراءتها وفك رموزها ومحاولة طباعتها ونشرها، ولا سيما بعد أن اخترع جوتنبرج المطبعة في أواسط القرن السادس عشر، فأشعل ثورة نقلت الإنسان من عصر المخطوطات إلى عصر المطبوعات، وجعل الكتاب وما يحيط به من إجلال يغزوكافة مجالات الحياة، وبشكل خاص الأنظمة التعليمية القائمة على القراءة والكتابة ونشر الكتب والصحف والمجلات.
ومن ثم حصلت ثورة أخرى حصل فيها التحول من عصر المطبعة إلى عصر الرقميات لإيجاد المعلومات وتخزينها وفهرسة طوفان المطبوعات ونقلها من خلال الأقراص المرنة، ويصف الكاتب جورج لويس بورجس هذا الطوفان الطباعي: بأنه مكتبة بابل التي تتجمع فيها وتتكدس كافة التركيبات التي يمكن أن يتخيلها العقل من الأحرف والأشكال، وما على الإنسان إلا أن يكبس أزرار لوحة المفاتيح أمام الكومبيوتر حتى تظهر المعلومات على الشاشة فيعثر على ما يريد من معلومات في وقت قصير ثم يطبع ما يحتاجه بأقل التكاليف.
الرُقم الزخرفية والأقراص الحاسوبية
فهل سيجد الإنسان نفس الحب يومًا ما بالتحول من البحث عن الرقم الخزفية إلى البحث عن الأقراص الحاسوبية المرنة فيما لوحدث ما حدث وأصبحت في رحم الأرض محفوظة، وهل أجريت لها تجارب تكفل عدم تآكلها وضياع مخزونها من المعرفة الإنسانية؟ .
في تصورى أنها لن تملك نفس الأهمية التاريخية في عقلية الإنسان مهما ملك وامتلك من تقنيات، فتلك تقنيات تفتقر إلى روحانية الإنسان ولمسة أنامله الفنانة المبدعة، كما أنها ستبقى عديمة القيمة تاريخيًّا لأنها مادة ليس لها علاقة بمادة تكوين الإنسان وإبداعاته .
وتعتبر الإنجازات السابقة من الألواح الطينية وأوراق البردي والورق العادي وغيرها، من أهم التقنيات التي حفظت المعلومات التراكمية للحضارات السابقة، وكان الإنجاز الأبرز لتلك الحضارات أيضًا هو إنشاء المكتبات التي حفظت هذا التراث للإنسانية، ونذكر هنا نموذجين من نماذج المكتبات القديمة التي ذاعت واشتهرت وحفظت تراث تلك الفترة، وهما :
– مكتبة الإسكندرية القديمة: وكانت من أكبر المكتبات في العصور القديمة، وقد أنشأها بطليموس الأول (ت 283 ق.م) وهوأول ملوك خلفاء الإسكندر في مصر، ثم رعاها ابنه بطليموس الثاني رعاية خاصة، وأغدق عليها أموال ضخمة حتى ضاقت بما فيها من كتب، فقد ذكر يوهان تزتزس أنه في النصف الثاني للقرن الثالث ق.م كانت المكتبة الرئيسية (البروكيوم) تحوي 490 ألف كتاب (لفاقة)، وهذا الرقم يعتبر ضخمًا بمقاييس ذلك الزمان، بينما المكتبة الفرعية (السيرابيوم) فقد كانت تحوى 43.800 ألف كتاب (مخطوط أولفافة):
أما أول رجل (في القرن الثاني الميلادي) والمؤرخ أميان مارسيني (القرن الرابع الميلادي) فيذهبان إلى أن مكتبة الإسكندرية كانت تحتوي في عهد البطالمة على 700 ألف كتاب (لفافة)، وكانت لهم نظم دقيقة في الفهرسة والتنظيم والاستفادة من هذه الكنوز المعلوماتية.
وقد بقيت مكتبة الإسكندرية أكثر من قرنين من الزمن مركزًا للحياة الثقافية للعالم، ويذكر المؤرخون أنها تعرضت للتدمير مرتين: الأولى بسبب الحرب، فقد أحرقت نتيجة المعارك الدائرة بين الزعيم العسكري الروماني يوليوس قيصر ومنافسه بوبي فارزالا، والثانية على يد بطريرك الإسكندرية تيوفل سنة 391م.
– مكتبة برجام: وهي المكتبة الثانية من حيث الأهمية بعد مكتبة الإسكندرية، وقد أسسها “أتال سوتير” (421 ـ 197 ق.م)، في نهاية القرن الثالث ق.م، وكانت تقع في مدينة بيرجامون جنوب غربي آسيا الصغرى بالقرب من مدينة أنطاكية اليوم، وقد تحولت إلى مركز فعال للنشاط العلمي والأدبي في عهد وريثه أومين الثاني (197 ـ 159 ق.م)، وفي ذروة إزدهارها خلال القرن الأول ق.م وصل عدد الكتب (اللفافات) فيها إلى 200 ألف.
المراجع :
- THE ARABIC SCRIPTS OF THE UNIVERSITY OF UPPSALA
- الفن الإسلامي، أبوصالح الألفي، الناشر دار المعارف بمصر، الطبعة الرابعة،
- عمدة الكتب، تأليف المعز بن باديس، تحقيق، د.عبد الستار الحلوجي، وعلى عبد المحسن، مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد 17، العدد الأول عام 1971.