الفيزياء، هي العلم الذي يدرس الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكم الكون، بينما المبادئ الاجتماعية هي القواعد والقيم التي تنظم سلوك البشر في المجتمعات.. وبالتالي إن الفيزياء، قاموس يساعد الإنسان على قراءة كتاب الكون وإدراك حقائقه، وعدسة تزيح الستار عن التناغم المذهل والترابط العجيب بين المادة والطاقة التي يصعب على العقل البشري استيعاب مداها. فمن هذا المنطلق، إذا نظرنا إلى الأحداث الكونية من عدسة الفيزياء، فهل يمكننا يا ترى إيجاد نقاط تتقاطع مع بعض المبادئ الاجتماعية البشرية؟
الجمود ومقاومة التغيير
يميل الجسم الذي لا يخضع لتأثير قوة محددة إلى الثبات إذا كان ثابتًا، أو مواصلة حركته بسرعة ثابتة إذا كان في حالة حركة، إذ تتطلب عملية تحريك جسم ثابت أو تسريع جسم يتحرك بسرعة ثابتة، إلى قوة محددة. وتقاوم الأجسام هذا التغيير كلٌّ حسب كتلته. وبالمثل، هناك قوة مطلوبة لإبطاء أو إيقاف جسم سريع، أي إن الأمر يتطلب قوة خارجية. الأمر مثله -أي مقاومة التغيير- يظهر أيضًا في العديد من المسائل الشخصية والاجتماعية. إذ يتطلب التغيير الإيجابي، كسر الجمود الحالي بإعطاء الإرادة حقها، فليس من السهل إيقاف شخص أو مجموعة تغلبت على هذه المقاومة وسلكت طريقها، والمهمّ هو إعطاء الدَفعة الأولى والاستمرار بعدها.
انكسار الضوء والاتجاه
تتباطأ سرعات الأشعة ويتغير اتجاهها عندما تنتقل من وسط أقل كثافة إلى وسط أعلى كثافة، ويسمى ذلك بـ “انكسار الضوء”. ومع ذلك، فإن الأشعة المسلطة بشكل عمودي على سطح بين وسطين شفافين، تعتبر حالة استثنائية، إذ تواصل طريقها مباشرة دون أن تتعرض للانكسار.
هذا وإن الذين يصمدون أمام الأحداث المتغيرة مثل الحُزَم الضوئية هذه، لا ينحرفون عن مسارهم مهما بلغت شدة وصعوبة الوسط والأحداث.. ربما تتباطأ سرعة هؤلاء، لكنهم لم يلجؤوا إلى تغيير وجهتهم أبدًا ويستمرون في التقدم نحو هدفهم المنشود.. لأن المهم في مثل هذه المواقف الصعبة ليس تحقيق أعلى تقدم، إنما القيام بما يجب في تلك اللحظة.
حفظ الطاقة والكفاءة المطلقة
يُستخدم القانون الثاني للديناميكا الحرارية ودورة كارنو لحساب أعلى كفاءة يمكن لمحرك ما تحقيقها ومقارنتها بأنظمة مختلفة. وطبقًا لدورة كارنو، لا يمكن لمحرك يعمل في درجة حرارة تشغيل محددة، أن يتجاوز قيمة الكفاءة المحسوبة أو المتوقعة، لذلك يعد هذا هدفًا مثاليًّا لإنشاء النظام الأقرب إلى هذه القيمة النظرية. ويعد فقدان الطاقة الحرارية بسبب الاحتكاك، عاملاً يقلل من هذه الكفاءة.
لعلنا نتذكر هذا المبدأ أثناء تحديد أهدافنا في حياتنا الشخصية والاجتماعية، ونعتقد أنه من غير الممكن -حتى من الناحية النظرية- تحقيق كفاءة بنسبة 100٪. ولكن المهم أن نبذل قصارى جهدنا للعمل بما يتماشى مع قوانين الطبيعة. فهناك دائمًا تحوُّل في الطاقة، مما يؤدي إلى فقدان الطاقة غير الصالحة للاستعمال. والطاقة هي القدرة على القيام بالعمل. وبناء على ذلك يوضح لنا مبدأ حفظ الطاقة الميكانيكية، أن الطاقة لا تنفد عند الانتهاء من العمل، ولكنها تتحول ببساطة من نوع إلى آخر. على سبيل المثال، يتسبب الرامي الذي يشد وتر قوسه، في تحويل الطاقة الكامنة المخزنة إلى طاقة حركية لدَفع السهم، مما يعني أن هذه العملية هي تحويل الطاقة المخزنة إلى طاقة أخرى. بمعنى آخر؛ ليتحقق إنتاج عمل مفيد وتتحول هذه الطاقة المخزنة إلى طاقة حركية أخرى، يجب أن تُرفع المطرقة، وتُشحن البطارية، ويُشد الوتر.. والحياة كذلك؛ فمن أجل القيام بأعمال مفيدة في الحياة، فلا بد من تناول الغذاء، والشبع، وتخزين الطاقة، ثم تحويل هذه العملية إلى حركة وفعل مفيد.. لكل فعلٍ ولكل حالٍ وقالٍ تأثير من نوعه، وهذا يتوافق مع مبدأ المثير والاستجابة الذي هو أحد قوانين الحركة.
مبدأ المثير والاستجابة
ينصُّ قانون نيوتن الثالث للحركة، على أنه حين يؤثّر جسمان أحدهما على الآخر، فإن القوة التي يؤثّر بها الجسم الأول على الثاني مساوية في المقدار، ومضادة في الاتجاه للقوة التي يؤثّر بها الجسم الثاني على الجسم الأول. وينطبق هذا سواء كانت الأجسام لها الكتلة نفسها أم لا، وتتحرك بالسرعة نفسها أم لا تتحرك. وهذه هي الطريقة التي ترتد بها البندقية للوراء أثناء إطلاق المقذوف للأمام، أو يتقدم بها زورق التجديف نحو الأمام.. فكلما زاد المؤثر زادت ردة الفعل.. تمامًا مثل عملية تبادل المشاعر الإيجابية أو السلبية بين شخصين. فمثلما نستجيب بمشاعر مماثلة لشخص يبتسم إلينا، فإن الذين يحترمون الآخرين يُقابلون بنفس الاحترام. كذلك الظالم ينال جزاء ظلمه، والناكر للمعروف يُقابل بالحرمان.. ولكن يجب في الوقت نفسه، لفت الانتباه إلى نقطة مهمة للغاية، وهي عدم مقابلة السيئة بمثلها، وإنما بمقابلة السيئة بالحسنة.
أنواع الإشعاع
تنبعث المواد المشعة في صورة أشعة ألفا وبيتا وجاما. وتكون أشعة ألفا وبيتا على هيئة جسيمات، بينما أشعة جاما فهي موجات كهرومغناطيسية. فمع أن جميعها ينبعث من نفس المصدر، إلا أن لكل منها خصائص مختلفة، حيث تختلف مسافات التأثير ومدى النفاذية والخصائص المؤينة. تتأين جسيمات ألفا وتنتقل لمسافة من ثلاثة إلى خمس سنتيمترات في الهواء، كما يمكن إيقاف هذه الجسيمات بقطعة من الورق، بينما تنتقل جسيمات بيتا عدة أمتار في الهواء ويمكن إيقافها بواسطة صفيحة رقيقة من الرصاص. من ناحية أخرى، تمر موجات جاما عبر كل شيء تقريبًا، مع أنها الأقل في الآثار المؤينة، إلا أن لها مدى طويلاً جدًّا، ومع ذلك، يمكن اعتراضها بطبقات الرصاص السميكة.
وبالمقابل، على الرغم من أن الأحداث الاجتماعية تأتي من نفس المصدر، فإنها تخلّف آثارًا متباينة؛ فيمكن رؤية تأثيرات مشابهة لتأثيرات ألفا أو بيتا أو جاما على الأشخاص، فينفذ من بعضهم ويتبخر في الهواء، بينما يتغلغل بعمق في بعضهم ويترك آثارًا لا تنمحي مدى الحياة، ويمكن أن تؤدي بعض الأحداث إلى نتائج يصعب علاجها.
يمكن أن يكون لفيلم نشاهده، أو محادثة نستمع إليها، أو كتاب نقرؤه، تأثيرات على الشخص كل حسب قدرته وطبيعته، كذلك الفيض الإلهي يكون بحسب قابلية كل إنسان.. فأمطار الربيع تصير لآلئ عندما تسقط على الصدف، وتصير سمًّا قاتلاً عندما تسقط في فم الثعبان.
(*) كاتب وباحث تركي. الترجمة عن التركية: خالد عبد الناصر.