تعدّ المساواة مبدأً أصيلاً وقيمة عالية يقدّمها الإسلام للمسلمين وغيرهم، وهي التي تقوم بها السكينة والمودة في حياة المجتمع، وتُحضر الاطمئنان والسعادة في قلوب البشر، وتمحو التعصب والتطرف من صدورهم، مع أن الإسلام قد اهتم بالمساواة الخاصة بتسوية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة اهتمامًا لم تعهد به البشرية قاطبة من قبل، ولكن الاتهامات لا زالت موجهة إلى الإسلام بأنه لم يقدر المرأة حق قدرها، وقد جعل الرجل يغلب عليها حيث يعالجها كسلعة يملكها ويستخدمها كيفما شاء، والحقيقة أن الإسلام بريء من كل هذه الادعاءات الباطلة، وذلك من وجهين، فالأول منهما: أن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها التي كانت مسلوبة، وحفظ لها كرامتها التي كانت مهدرة، وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات حسب ما تتحمله طبيعة كل منهما.
والوجه الثاني: أنهم قد وضعوا المساواة في غير محلها وأعطوا لها معنى لا يمت إلى الحقيقة بأية صلة، لأن معنى المساواة في ذهنهم يشير إلى المماثلة بين الشيئين حق المماثلة، وهذا مما لا يعقل أبدًا لأن المماثلة تعني في اللغة والاصطلاح أن يكون جميع أجزاء الشيء مساوية لجميع أجزاء الآخر، وطالما أن الرجل والمرأة اختلفا في الخلقة فلا يمكن أن يثبت بينهما المماثلة على حد تعبيرهم، فمعنى المساواة تلك باطلة لا عبرة بها في الإسلام، فالمعنى المناسب للمساواة بين الرجل والمرأة هو المعادلة بينهما، مثل المساواة بين الخصوم تراد بها العدل بينهم. وعلى هذا الأساس الممتاز يتم توزيع السهام بين الورثة في مسائل الميراث فيقام العدل بينهم لتتزن به حياة الكل، فالرجل إذا كان يحصل على مزيد من المرأة فذلك لكونه معتمَدًا عليه من جهات مختلفةً ككونه زوجًا، أبًا، ابنًا أو أخًا للمرأة، فكأن مهمته أثقل من المرأة في بذل الأموال فاقتضى عدل الله من أن يزيد له في السهم حتى تعتدل به حياة الجميع.
المساواة في حرية الرأي والتعبير
كما أن الإسلام يقدم للرجل حرية الرأي والتعبير يقدم للمرأة أيضًا الحق فيها بلا أي نقصان، لتصل بها للرأي القويم والخيار الصحيح. وقد شاركت النساء في الأخذ عن رسول الله والتعليم منه ومناقشته وصولاً للحكم والرأي، وقصة خولة بنت ثعلبة حين ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت – رضي الله عنهما – تمثّل في حرية القول واحترام الرأي للمرأة، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي وتقول : يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبرت سني ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك وقد جعل الإسلام شكوى هذه المرأة تشريعًا عامًّا في حكم الظهار، ونزل فيها قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
وهناك قصة أخرى لبريرة ومغيث رضي الله عنهما حيث روى البخاريُّ في صحيحه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعمّه: “يا عباس، ألا تعجبُ من حُبّ مُغيثٍ بَريرة، ومن بُغض بَريرةٍ مُغيثًا! وذلك حين قررت بريرة أن تترك زوجها مغيث بعد أن تنشقتْ أنفاس الحرية الأولى، لأن الشَّرع يعطي الأَمَة إن تحررتْ خيار أن تبقى مع زوجها أو تفارقه، فكان مغيث يلحق بريرة في طرقات المدينة باكيًا يرجوها أن ترجع إليه، ولكنها ما رؤفت لحاله وما رحمت لحزنه، ولما يئس مغيثٌ أن ترجع بريرة إليه قصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا منه أن يشفع له عندها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا بريرة، لو راجعته فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت له: يا رسول الله، أفتأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة لي فيه“، وكأن القصة تقدم للبشرية دروسًا عظيمة، وهي أن النِّساء لَسْنَ سلعًا للبيع لمن يدفع مهرًا أعلى، وأن تُجبر المرأة على رجل وقلبها عند آخر ظلم لها وأن قتل القلوب أشدُّ إثمًا وألمًا من قتل الأجساد. فالإسلام ساوى بين الجنسين في مجال الحب والاختيار حيث لا تفاوت بينهما لأن العدل فيه يقتضي ذلك بالتأكيد.
المساواة في حق التعلم والتعليم
قد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق التعلم والتعليم أيضًا، فالمرأة لها حرية كاملة في تعلم علم من العلوم أو اكتساب فن من الفنون، وبما أننا نعلم بأن العلم مال لا يباع ونور لا يُخفَى، فمن المحال أن تُمنع المرأة حق تعلمه وهي التي تقوم بدورها الفعال في بناء الأسرة والمجتمع مصداقًا لقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها | أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ |
فالشعر يفيدنا علمًا بأن المرأة المثقفة المربية لها دور لا يقل شأنه في نشر الحسنات والسلوكيات السليمة على الأجيال، فلا يتأتى ذلك إلا بقيام المرأة بالتعلم والتعليم. وإلى أهميتها يشير حديث أسماء رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا“، فَقَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها: نِعْمَ النِّسَاء نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ.
تأثير المرأة في سلامة المجتمع
جدير بالذكر أن المساواة هي إحدى الوسائل الهامة إلى تكوّن اتحاد بين أفراد المجتمع بغض النظر إلى اللون، الجنس، أو الدين؛ لتستمرّ حياة المجتمع على السلامة والسعادة. ولو عدمت المساواة (العدالة) في الحياة البشرية، إنما هذه تؤدي إلى الظلم والتظالم بين الناس، فجاء الإسلام مساويًا الحقوق والواجبات من حيث العدالة لا المماثلة، وجعل التقوى والعمل الصالح للفرد والمجتمع كليهما فقط معيارين للمفاضلة بين البشر.