النصوص الفريدة
تشبه الذهب بديمومة نضارتها وحسنها، تحافظ على بهائها المقاوم وبريقها الصافي الجميل، فلا تبالي بزحف الزمن ولا ضيق المكان، نصوص تزهو بكينونتها الفريدة الخاصة، بين كلماتها حياة لا تبرح ربيعها لتأسر الخاطر وتجعل العين تستلذ السرحان في جنانها فتأبى مهاجرتها… نصوص عذبة تستميل الأسماع والقلوب إليها كي تجوب بها عوالمها بما تحمله من إيقاعات وصور فاتنة جذابة… نصوص فريدة بسبكها وكلماتها المتجاورة تجاور المحبين في بساتين المباهج والمحافل، دومًا تجود ويتجدد جودها، فهي النبع الفياض الذي لا يتعبه الغرف والإرواء، فهي متدفقة دومًا لا تنضب ولا يستنفد رواؤها المتشعب العميق… في أحضانها تحظى الكلمة وترتقي منازل العبارات ساعية نحو النفاذ بين ثنايا الحياة كي تظهر الجمال من حيث ندريه ولا نـــــــــدريه… بين رياضها همسات القلب والعقل معًا، إنها تجسد خلجات الإنسان في أفراحه وأتراحه المتنوعة بصيغ ممتعة فريدة الجذب والإلفات، هكذا تحرك المكامن وأعماق الأعماق وهي تفوح بأريج الأمل والخلاص، فتشق معك المسالك نحو آفاق بعيدة تحتها تنضوي البدائل الودودة الفريدة… تبني عوالم متماسكة تحمل الكائن وتجعلك تشرئب نحو المطلوب المفقود… عبـــــــاراتها تمتاح بحذق وفنية متناهية من التراث الأصيل للثقافة الإنسانية جامعة بين المفيد من القديم منها والجديد… مضمونها يعانق شكلها بعيدًا عن الــــرتابة وإعادة المعاد المستهلك المتكرر في بطون الكتب والجرائد… تكثف الوجدانية وتدفع بها بـــأريحية إبداعية نحو الأمداء المأمولة تتعدى بذلك المحلي الضيق نحو آفاق إنسانية رحبة مسهمة في بناء ذائقة أدبية رائقة… إنها التعابير الفريدة عن منظورات ورؤى المبدع الفريد مثلها… نصوص تجعلك تتفاعل بحميمية خاصة مع معطياتها ومضامينها… فهي تــــــــــــحمل ما يجعلك تغير زاوية النظر نحو الأمور حين تستشفها راسمة بحذق أعمق وأجمل أبعادها… نصوص تنبئك عن شخص يعبر بنفس الحرارة والإخلاص اللذين يشعر بهما ليقدم تجربة عاطفيــــــــة صادقة حقيقـــــــــــية معاشة اللواعج والمشاعر بعيدًا عن المستهلك المهك من المعاني والصيغ المطروقة عبر سنين، وبذلك ينشئ نصوصًا بطراز فني غاية في الفرادة والتميــــــــــــز… نصوص فريدة من حسناتها التأسيس لفرادة أخرى، وكيف لا وخير البشر من يقتدي بخير البشر ويضيف إليه إلى المحمود ما يراها كفيلاً بالزيادة في جماله وفضله.
النصوص المبهمة المغلقة
حين تجد نصوصًا كصروح وبنايات بلا أبواب ولا نوافذ… حين تلقي نصوصًا عباراتها كرات من حديد يستحيل معرفة ما تحمله بطونها، حين تجد نصوصًا كظلمات البحار وكالليل البهيم، حين تجد نصوصًا تنتظر أن تقول فلا تقول، تنتظر أن تغني فلا تغني، تنتظر أن منها التلميح فلا تجد إلا واجهاتها “البهيمة الخرساء الباردة” فاعلم أنها نصوص كنيتها بنات الصماء الجرداء واسمها الشخصي “المغمضات*”المغمضات معجميًّا تعني الذنوب يرتكبها الرجل وهو يعرفها فكأنه يغمض عينيه عنها تعاميًا وهو يبصرها. ولقبها “بنات اللامعنى”. نصوص جاهلة لذاتها ومجهولة المضامين حتى من قبل مقترفها تقرأ سطرها الأول أو فقرتها الأولى فتجد نفسك تلاحظ الرموز والكلمات كأنها قش في مزبلة… تجد نفسك غير قادر على التفاعل معها فتعود خائبًا باحثًا عن نص يبادلك التحايا والبسمة والهم والرؤية كي تراح وتسرح في مراتعها الدالة الفيحاء…
نصوص تسود صفحة وصفحات فتظل جاثمة عليها كالضيف الثقيل الذي لا يعرف موطنه ولا لغته فيدفع الناس للفظه خارج تلهو به الريح كباقي المهملات.
نصوص يحاول النقاد تبريرها وحين لا يستطيعون يلجأون إلى مخاطبتها بكلمات من طينتها الغارقة في التعمية والغموض… يصير النقد والمنقود سيان في قول ما لا يدرك لأنه لا يحمل ما يقبل الإدراك والتساؤل والتفاعل.
ورغم أنها لا تقول، ورغم أنها لا تفعل في النفوس، ورغم أنها لا تثير السؤال ولا تساعد على الجواب، ورغم أنها صماء بعيدة عن الحكي والتشخيص والتقمص والعطاء، ورغم أنها مضيعة للحبر والكلام والوقت، فهناك من برر وجودها ودافع عن حقوقها في الحياة والتعبير – وهي لا تعبر – فصارت الدخيل المقيت، وصارت السراب الذي يظنه الظمآن ماءً وليس بماء.
النصوص المغتصبة
نصوص من سوء طالعها وقوعها في فخاخ من يحاول الارتقاء وإثبات الذات بما يشيده ويبتكره الآخرون.
المغتصبون عاجزون لا يتقنون سوى النهب والسلب للممتلكات.. زائغو العيون في سوق الكتاب والنصوص “يشمشمون” بحثًا عن الضحية ليجتثوها من كتاب أو جريدة بعد أن يخنقوا ضمائرهم المؤنبة لفعلته النكراء.. يعترضون صوت الردع الآتي من أعماقهم فيلجأون إلى لعبتهم الخسيسة ليلجوا بستانًا ليس لهم كي يقتلعوا ما يرونه يناسب خساستهم ويلائم أن يصير ضحية تنضاف إلى ضحاياهم العديدة التي يحاولون أن يتقدموا بها إلى صفوف الخائضين بجدارة في مجال إنتاج الأفكار وصياغتها بما يليق… يودون – ظلمًا – أن يصيروا بيسر في قائمة الذين بذلوا الجهود، وسهروا الليالي يستشعرون خدمة الإنسانية قبل التفكير في الشهرة والنجومية الكاذبة…
المغتصب للنصوص شخص يحاول أن يقول بغير فمه وكلامه يحاول أن يصير ما لا يستطيع بأيسر ما يستطيع (قرصنة النصوص وتبنيها بلا عرق ولا نصب ولا مشاعر).
النصوص المغتصبة إذن لا فارق بينها وبين الأمتعة والأموال المنهوبة المسلوبة من قبل من لا يقيم لشرف العمل والجد وزنًا… ينتظر مستريحًا مستظلاً فلا يحمل فأسًا ولا يفلح أرضًا ولا يروي زرعًا وإنما يتحين فرصة الإثمار كي يركض مسرعًا إلى القطف مجانًا بلا جهد ولا خجل ولا استحياء…
يقتلع النصوص من مصادرها متحايلاً متخليًا عن أسماء أصحابها المتعبين… يحكم على كلمات بالشنق وأخرى بالتشويه ويضيف كُليْمَة باهتة عرجاء كي يهرع إلى تذييلها باسمه بوقاحة قبل أن يطلق سراحها نحو النشر في منبر ما.
فيا مغتصب النصوص أخبرك يقينًا أن النصوص التي أدعيت بناءها كذبًا تحمل لك في قلوبها حقدًا وأن أصحابها الحقيقيين يعرفون نصوصهم وإنْ شوه بعض أطرافها، هم يتعرفون بيسر رائحتها مهما حاول اللصوص تشويه تضاريسها وقسماتها وأصواتها العذبة الصافية.
المغتصبون هم المغتصبون يوم كان الناس ينقشون عباراتهم فوق الصخر و الحجر، ويوم كانوا يكتبون أشعارهم وخطبهم على الجلود والقراطيس، ويوم صارت النصوص تسافر وتبحر يوميًّا عبر الشبكات العنكبوتية… فيا أيتها النصوص المغتصبة لكِ الله من هــــــــؤلاء الخسيسين الذين يفتخرون بغير رؤوسهم وينسبون إلى أنفسهم ما لا يستطيعون الإتيان به لأنهم لم يقرؤوا ولم يدرسوا ولم يسهروا ولم يحفظوا لكي يضيفوا إلى الإبداع والثقافة والفكر إنما أحبوا السلب والغصب فصاروا كُذَّابًا وهم يحسبون أنفسهم كُتَّابًا.