يستوجب استيعاب وفهم تصوُّر مفكر معين، تفكيك تطور مشروعه المعرفي. من أجل استكشاف المعالم الثابتة في أفكاره النابعة من نظرته الذاتيَّة للحياة والكون، التي تتجاوز استجابته للظروف المرحلية وتأثيرات الآخرين العابرة على حد تعبير أنطونيو غرامشي. تنطبق هذه الفرضية على التصور المعرفي والفكري الذي تقوم عليها أعمال ومنجزات المفكر والفيلسوف الإسلامي مالك بن نبي.
يعد المفكر مالك بن نبي، من بين أهم المفكرين العرب والمسلمين، وأحد أهم رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين. كما كان من أبرز المفكرين المعاصرين الذين نبَّهوا إلى ضرورة العناية بالبناء الحضاري. شأنه في ذلك شأن العلامة عبد الرحمن بن خلدون. حيث وقف في أغلب أعماله وأطروحاته عند إخفاقات الأمم وعلل تخلُّفها. فقد ربط مالك بن نبي البناء الحضاري، ببناء الإنسان من جهة، كما ربط بين مفهوم الحضارة والعقيدة الدينية أثناء بحثه في شروط النهضة الممكنة للأمة الإسلامية من جهة ثانية، وتجاوز كل ما من شأنه عرقلة هذه النهضة. لهذا، أقام مالك بن نبي مشروعه الفكري النهضوي على مجموعة من الأسس أبرزها: نقد الفكر الاستشراقي باعتباره من معيقات النهضة، وأهمية الإنسان، والمكون الديني باعتبارهما من الأسس الضرورية للبناء حضاري.
مالك بن نبي ونقد الفكر الاستشراقي
يعتبر مالك بن نبي الدين مقوِّمًا أساسيًّا من مقومات الحضارة. لأنه الفاعل الأساسي في بنائها وتطويرها وازدهارها. لهذا، ربط بين تخلُّف المسلمين وبين فقدان العقيدة الدينية لفاعليتها في المجتمع. وهذا ما دفعه إلى تحليل ظاهرة الاستشراق. إذ نظر مالك بن نبي إلى الاستشراق باعتباره سببًا رئيسيًّا في تخلف المسلمين بشكل أو بآخر. وذلك من خلال الإحساس بالنقص الذي سببه تقدم الآخر. حيث يدفع هذا الإحساس -حسب مالك بن نبي- إلى السلبية وإلى الشعور بالنقص. وهو ما أطلق عليه مصطلح القابلية للاستعمار. حيث كشف مالك بن نبي الوجه السلبي للفكر الاستشراقي الذي كتب عن المسلمين والعرب ولهم. سواء بلغة الآخر أو باللغة العربية، من أجل ممارسة التخدير، أو اختراع المعارك الوهمية التي تضيع وقت المسلم للدفاع الجدلي عن أمور فارغة. بحيث يبقى الواقع العربي الإسلامي خاليًا من أي توجيه أصيل، ومفتوح الأبواب لتلقـي ما يصدره المستشرقون من أفكار، تخدم سيطرتهم السياسية الاستعمارية. وفي المقابل، لم تحصل حركة استغراب لدراسة مدققة للأفكار السائدة في عالم الاستعمار، تحصن الواقع الثقافي الإسلامي، وتجعل العالم العربي والإسلامي فاعلاً في حمل الرسالة الحضارية المنوطة به. لهذا، أكد مالك بن نبي على أن الأزمة الحضارية عند المسلمين، ليست أزمة عقيدة أو فكر سياسي فحسب، وليست مشكلة أصالة مفقودة؛ وإنما مشكلة انتكاسة وسقوط في محطة تاريخية. مما يستوجب إعادة الأمر الطبيعي بالانسجام مع صفحات التاريخ المشرقة، وليس بأخذ السند والحجة من واقع الانتكاسات.
أهمية الإنسان في فكر مالك بن نبي
كان مالك بن نبي على وعي بأهمية الإنسان وطاقاته الذاتية، بغض النظر عن أصوله وميولاته. لهذا، دعا إلى بناء الفرد المسلَّح بالفكر الصحيح الواعي لما يجري في المجتمع، وبالفهم الواضح لخط سير التاريخ. من أجل أن يكون على يديه تغيير الواقع المتردي. لأن التجربة الفكرية والميدانية العميقة بأبعادها الروحية والفكرية والاجتماعية، شكلت فكر مالك بن نبي حول مفاهيم مرتبطة بالإنسان، والثقافة، والحضارة التي ترتكز على انسجام الجهود الإنسانية وتكاملها مع قوانين النهوض المادي والمعنوي وجملة الشروط الخاصة بالنمو في شتى المجالات الفكرية والروحية والاقتصادية والمادية في الواقع المعاش. لأنه يؤكد على أن العقيدة الإسلامية الموحدة وفكرها المنفتح على العقل وروحه الاجتماعية، تمكن من إحداث نقلة نوعية في حياة الإنسان. كما أن فهم مالك بن نبي الدقيق لروحَي الحضارتين الإسلامية والغربية والاستيعاب العميق لأسسهما الفكرية، مكَّنه من نقد الحضارة الغربية. غير أنه يعتبر المشكلة في المسلمين أنفسهم. حيث يرجع السبب إلى انحراف فكري أخرجهم عن الطريق. لهذا، قدم مالك بن نبي وصفًا للخروج من الأزمة من خلال دراساته لجهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية من زاوية الفعالية التي تتناول بناء الإنسان في إطار ثقافة تستجيب لمعطياته وأصالته. لهذا، سعى إلى طرح العقيدة الإسلامية في كل تصوراته الفكرية باعتبارها أساس القيم القادرة على استعادة دور الإنسان. يرى مالك بن نبي أن الإسلام لا يقدَّم إلى العالم باعتبارها كتابًا فقط، بل باعتباره واقعًا اجتماعيًّا يساهم في بناء مصير الإنسانية. يبدو هذا التصور واضحًا في مواضع كثير من كتابات مالك بن نبي خاصة فيما يرتبط بتحليله للاستشراق وللعوامل التي بنت عليها أوروبا حضارتها الحديثة. إذ يرى أن الحضارة الأوروبية ذات بعد ديني مسيحي حتى ببعدها العلمي والتقني. لهذا، ربط بين مفهوم الحضارة والعقيدة الدينية أثناء بحثه في شروط النهضة المرتقبة للأمة الإسلامية. لهذا، يعد هذا التصور، أساسي لفهم المرجعية الفكرية لمالك بن نبي، باعتبارها مرجعية إسلامية. يركز فيها على بناء رؤيا صحيحة للدين الإسلامي باعتبارها شرطًا لبناء الحضارة.
المكون الديني والبناء الحضاري
يذهب مالك بن نبي في هذا الجانب إلى أنه حينما نتأمل القرآن الكريم، نكتشف أنه عنصر كوني، يحكم فكر الإنسان وحضارته في بعده الشمولي. لهذا، فالدين من هذا المنظور، مطبوع في النظام الكوني، قانونًا خاصًّا بالفكر، الذي يطوف في مدارات مختلفة، من الإسلام الموحِّد إلى باقي الديانات الأخرى. إنه قانون من قوانين الله عز وجـل التي فُطرت عليها النفس الإنسانية. لكونه فضلاً عن كونه يغذي الجذور النفسية العامة، فإنه يتدخل مباشرة في العناصر الشخصية التي تكوِّن الأنا الواعية في الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تصنعها الغرائز في خدمة هذا الأنا. لهذا، فحين رجع مالك بن نبي إلى التاريخ باعتباره السجل الأمين لمختلف التحولات التي شهدتها البشرية، فإنه وجد أن التاريخ يشهد أن الدين ثابت من ثوابت الشخصية الإنسانية. كما أن الدين كان من وراء كل المنجزات البشرية. لهذا، فإن مالك بن نبي ينتقد نظرية (توينبي) في التحدي والاستجابة، لأنها وإن كانت تفسر قيام بعض الحضارات، فإنها لا تفسر قيام بعضها الآخر. كما ينتقد ما ذهب إليه ماركس، ومدرسة المادية التاريخية. إذ إن من الحضارات ما لا يمكن أن نفسر قيامها بالعامل المادي، مثل الحضارة الإسلامية، وحتى الحضارة الغربية نفسها. كما انتقد ما ذهب إليه دعاة التفوق العرقي، وقيام الحضارات على أساس العرق. لهذا، يقدم الدين بديلاً تفسيريًّا لقيام الحضارات ومنجزاتها عبر التاريخ. يقول مالك بن نبي: (كلما أوغل المرء في الماضي التاريخي، في الأحقاب الزاهرة لحضارته، أو المراحل البدائية، وجد سطورًا من الفكرة الدينية). فقد أظهر علم الآثار دائمًا بقايا آثارٍ خصصها الإنسان القديم لشعائره الدينية، أيًّا كانت تلك الشعائر. لهذا، يقرر مالك بن نبي أن الدين هو التعبير التاريخي والاجتماعي عن هذه التجارب المتكررة خلال القرون. لأنه يعد في منطق الطبيعة، أساس جميع التغيرات الإنسانية الكبرى. لذلك، فلن نستطيع حسب نبي بن مالك تناول الواقع الإنساني من زاوية المادة فحسب. كما أن الفكرة الدينية ليست نسقًا من الأفكار الغيبية فقط، ولا يقصرها على الدين السماوي فقط؛ بل هي قانون يحكم فكر الإنسان، ويوجه بصره نحو أفق أوسع، ويروض الطاقة الحيـوية للإنسان، ويجعلها مخصصة للبناء الحضاري. لهذا، خصص فصولاً من كتابه (شروط النهضة)، لتحليل دورتين من دورات الحضارة، هما الحضارة الإسلامية، والحضارة المسيحية، لاستخراج السر الذي دفع بكلتا الحضارتين إلى مسرح التاريخ، وتحديد الموقع الذي يمثله الدين في حركة الحضارة. انتهى من خلال تحليله لهذين الدورين، إلى تأكيد أن السر الكوني الذي يركِّب العناصر الثلاثة الأساسية للحضارة، الإنسان والتراب والوقت، ويبعثها قوة فاعلة في التاريخ هو الدين. بمعنى أن الفكرة الدينية هي التي تقف خلف النهوض الحضاري. لهذا، فهي لا تقتصر على مجتمع دون آخر. سواء تعلق الأمر بالمجتمع الإسلامي أو المجتمع المسيحي أو المجتمعات التي اختفت من الوجود. ليقرِّر أن الفكرة التي غرست أثرها في حقل التاريخ ناتجة عن فكرة دينية. فكلتا الحضارتين تنطلقان من الفكرة الدينية التي تطبع الفرد بطابعها الخاص، وتوجهه نحو غايات سامية. بل إن هذا القانون الدافع للحضارة، لا نجده في الحضارتين الإسلامية والغربية فحسب، بل يتعداه إلى بقية الحضارات التي سجلها تاريخ الإنسانية. شأن الديانة البوذية في الحضارة البوذية، والبرهمية في الحضارة البرهمية. بمعنى أن كل حضارة في أساسها ذات مبعث ديني. لهذا، لا يمكن للحضارة أن تظهر في نظر مالك بن نبي، إلا في صورة وحي يهبط من السماء. يكون للناس شريعة ومنهاجًا. أو هي -على الأقل- تقوم أسسها في توجيه الإنسان نحو معبود غيبي بالمعنى العام. لهذا، فالحضارة تبدأ عندما يمتد نظر الإنسان إلى أفق أعلى من يومه ومن حقبته التي يعيشها. لهذا، فحسب مالك بن نبي، يجب تتبع تأثير الدين من خلال تركيبه بين العبقرية الإنسانية والشروط الأولية للحضارة. بمعنى، تتبع ذلك الاطراد بين الفرد والفكرة الدينية التي تبعث الحركة والنشاط. بهذا، يرى مالك بن نبي أن الدين في ضوء القرآن الكريم له غايتان، فإن قـوله تعــالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} [سورة الذاريات: 56- 59]، يبين أن الدين غايته أن يربط الأرض بالسماء. لهذا، فهو حين ينشئ الشبكة الروحية التي تربط الفرد والمجتمع بالله، فإنه في الوقت نفسه يبني شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح لهذا المجتمع أن يضطلع بمهمته الأرضية، وأن يؤدي نشاطه المشترك. وهو بذلك، يربط أهداف السماء بضرورات الأرض. إن هذا القانون الذي بينته الآيات السابقة، لم يرد أن يفصل الناس عن الأرض، ولكن أراد أن يفتح لهم طريقًا ليضطلعوا بعملهم الأرضي. لهذا، ينظر مالك بن نبي إلى الدين باعتبار أن له وظيفة الربط بالله عن طريق هذا الوضع الإلهي، كما أن له أن يفتح آفاقًا أوسع للإنسان حينما يربطه بأبعاد السماء، ويرفع بصره إلى ما بعد حياته الأرضية. بهذا، يحقق الدين غايتين: الأولى ربط الصلة بالله، والثانية بناء شبكة العلاقات الاجتماعية التي تدخل بالمجتمع دائرة الحضارة. وبما أن مالك بن نبي يبحث في القوانين التي تحكم التغيير الاجتماعي، وينظر في شروط البناء الحضاري، فإنه يركز على الوظيفة الاجتماعية للدين، من خلال اعتماده على الاعتبارات النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى الاعتبارات التاريخية. إنه يختبر هذه الوظيفة من ناحيتين: من ناحية تسجيل الفكرة الدينية في النفوس، ومن ناحية تسجيل الفكرة الدينية في التاريخ. تجلى هذا في كتابه (شروط النهضة)، وهذا الاختبار لعمل الفكرة الدينية، جعله يختار دراستها في إطار دورتين حضاريتين مختلفتين، هما، دورة الحضارة الإسلامية، ودورة الحضارة الغربية. ركز مالك بن نبي على المكون الديني باعتباره الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان، وأن الدين وحده هو المركب الحقيقي للقيم الحضارية. لكونه يعطي شرارة الانطلاق لتدخل الحضارة في التاريخ، وتتحقق في عالم الإنجاز. بدليل أن القرآن الكريم يعرض الدين ليس على أنه تشريع فقط؛ بل على أنه سُنة موضوعية من سنن الوجود، وقانون داخل في صميم تركيب الإنسان وفطرته. وأن فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا يمكن تبديلها ولا يمكن أن تنتزع من الإنسان. لأنها جزء من أجزائه التي تقومه. لأن الدين ليس مقولة حضارية مكتسبة يمكن إعطاؤها ويمكن الاستغناء عنها، فهو لا يمكن أن ينفك عن خلق الله ما دام الإنسان إنسانًا. فالدين يعتبر سُنة لهذا الإنسان. ومن خلال تدخُّل الدين في تنظيم فكر الإنسان وتوجيه طاقاته إلى غايات وراء أرضية (أخروية)، تتجاوز به ضيق الزخم اليومي وذلك بتجسيد العلاقة الروحية بين الله تعالى والإنسان في صورة علاقة اجتماعية. وكذلك من خلال توفير القانون الأخلاقي الذي يمنح قيمة لما يقوم به الإنسان وما يعيشه. بهذا، فإن للدين دورًا حضاريًّا فعالاً جعل مالك بن نبي يحدد الفكرة الدينية من خلال ما يلي:
- لا تقوم الفكرة الدينية بدورها الاجتماعي إلا بقدر ما تكون متمسكة بقيمها الغيبية. بمعنى بقدر ما تكون معبِّرة عن نظرتنا إلى ما بعد الأشياء الأرضية، فالعلاقة بين الله تعالى والإنسان هي التي توجد العلاقة الأرضية.
- تستوجب الحضارة توفُّر مجموعة من الشروط المادية والمعنوية، ويُعدُّ الدين منشأ كل حضارة.
- يعد الإنسان في فكر مالك بن نبي محور عملية التغيير وهو الفاعل فيه، ومنطلق التغيير هي النفس باعتبار الآية الكريمة: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، وهو شرط ضروري من شروط الارتقاء في سلم الحضارة.
- يصوغ مالك بن نبي مجموعة محاور للتأكيد على دور الإنسان في الزمان والمكان، تتعلق هذه المحاور بالبعد الأخلاقي والنفسي، والاقتصادي، والاجتماعي. يصوغها في سياقات مختلفة للحث على البناء والتعمير.
- يلحُّ مالك بن نبي على طرح فكرة الفعالية، باعتبارها الرابط الذي يجمع بين منطق الفكرة ومنطق العمل من أجل القضاء على السلبية التي تشيع في المجتمعات المتخلفة، ومنها تحويل مبادئ القرآن إلى سلوكيات فعليه بدل الإكثار من الكلام عنه. وكأن مالك بن نبي يرفع شعار: «نريد قرآنًا يمشي لا نسخًا تتكدس وخطبًا تتبجح».
- حين يعقد مالك بن نبي مقارنة بين الإنسان الغربي، والإنسان المسلم، يشير إلى أن تفوق الأول في كل المجالات، جاء لأنه مؤمن بما يعتنق، والواجب عنده أكثر من الوقت.
- يحيل مفهوم التراب عند مالك بن نبي على معاني وكذا دلالات واسعة، فهو من وجهة سياسية قانونية تلك الرقعة الجغرافية التي تحدُّها الحدود. أما من الناحية الاقتصادية، فهو المصدر الرئيسي للإنتاج الزراعي والصناعي على حدٍّ سواء، وهو من الناحية المعنوية، الانتماء والولاء للفكرة والدين.
- يأخذ عنصر الزمن عند مالك بن نبي أهمية كبيرة، لأنه عامل مهمٌّ من عوامل بناء الحضارة. لهذا، يدعو مالك بن نبي ضمن لاستثماره وتوظيفه في الصالح العام، بدل المصلحة الخاصة والبحث عن تحقيق الذات.
- لا يمكن للعناصر الثلاثة أن تمتزج إلا بوجود العامل الروحي، الذي يتلخص في الفكرة الدينية، أو الإيمان وهو التسليم المطلق لإرادة الله عز وجل والعمل ضمن هذه الإرادة في حدود ما شرع وأمر وحدود الحلال والحرام. ثم العمل ضمن دائرة اتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة
تبين من خلال عرض الخطوط العريضة لفكر العلامة مالك بن نبي حول الحضارة وعناصرها والرؤية التكاملية بين المعارف، أن هذا المفكر الإسلامي لم يقتصر في بحوثه على زمن أو مكان معينين، بقدر ما حمل همًّا وهاجسًا للعودة بالحضارة الإسلامية إلى أوج قوَّتها، وذلك من خلال إحيائها ماديًّا وروحيًّا. لكن ذلك لا يتحقق إلا بوضع تصور واضح يصاغ وَفْقَها. يستند هذه التصور إلى الفكرة الإسلامية التي مرجعها الكتاب والسنة. كما يستند إلى التجربة والخبرة الإنسانيتين اللتين أضافتا الشيء الكثير إلى هذا المجال. كما يؤكد مالك بن نبي على أن الحضارة لا ترتكز على عناصر بعينها؛ وإنما هي كلٌّ يجب أن يشارك فيه جميع الأفراد، فهي مفهوم شمولي يتجسد في كل جوانب الحياة: الذوق، الجمال، البيئة، العمران، السلوك، العلاقات الاجتماعية، الإدارة، الاقتصاد، التمثيل السياسي، والتخطيط…إلخ. كما تناول مالك بن نبي الكثير من المحاور التي توجه الفرد والمجتمع إلى البناء الحضاري، وعمارة الأرض وَفق سنن التاريخ الصحيحة، وسنن الكون والنفس. رجع مالك بن نبي في ذلك للقرآن والسنة للاستدلال على صحة ما ذهب إليه من طرح حول الحضارة ودلاتها. فاستشهد بآيات القرآن حول التغيير وأهميته، كما استشهد بأقوال الرسول الكريم عن الإصلاح. مما جعله يقوم بصياغة رؤيته إلى ضرورة الاهتمام بالإنسان وتفعيله باعتباره من يعوَّل عليه في الانتقال من حالة التخلف والتبعية، إلى حالة التطور والقيادة الحضارية.