قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب “تحفة المودود” “كم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، وحرمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء”.

ترى العديد من النظريات أن تعلم الأخلاقيات عملية فطرية، في حين يرى البعض الآخر بأن الأطفال لا يمكنهم استيعاب هذه الأخلاقيات حتى يبلغوا سن المراهقة، فبياجيه مثلاً أحد أشهر رواد علم النفس يرى أن الأطفال الصغار لا يستوعبون معنى الأخلاقيات، بل إنهم يتصرفون طبقًا لقواعد وعقوبات، فإنهم لا يكذبون لأنهم لو فعلوا ذلك فسوف يقعون في مشاكل ويعاقبون، ومع مرور السنوات تتكون لديهم القدرة على استيعاب وفهم الأخلاقيات حيث يدرك الأطفال الأكبر سنًّا أن الكذب ربما يجرح مشاعر الآخرين وأنه سلوك لا يلقى الاحترام من الآخرين، ثم يستوعبون لاحقًا مفهوم العدالة ويطبقون ذلك في تصرفاتهم الأخلاقية.

مراحل النمو الخلقي للطفل:

قام لورنس كولبيرج في السبعينيات بتحديد ست مراحل لاستيعاب الطفل للأخلاقيات، ففي المرحلة الأولى يستجيب الطفل للأخلاقيات فقط لتفادي العقاب، وفي المرحلة الثانية فإن الأطفال يطبقون القواعد لمنفعتهم الشخصية وربما يخرقونها لمنفعتهم، وفى المرحلة الثالثة يبدأ الطفل بفعل الصواب تلبية لما يتوقعه الآخرون منه فهو يتبع القواعد ليكون طفلاً مطيعًا في نظرهم، وفي المرحلة الرابعة يبدأ الطفل بتحديد الصواب والخطأ بلغة المعايير والقواعد التي يضعها المجتمع لحفظ النظام، وفي المرحلة الخامسة يبدأ الطفل يعي أن مختلف الناس لهم مختلف الأخلاقيات والآراء والقيم، وأن القوانين بمنزلة عقد اجتماعي مهم مما يعني أن المجتمع قد اتفق على أن يتصرف طبقًا لمجموعة من المعايير التي من شأنها حفظ النظام، أما في المرحلة السادسة فهي مرحلة نظرية تتضمن فعل الصواب من أجل العدالة أو الإنصاف وليس لمجرد التمسك بمعايير المجتمع ويعتقد كولبيرج أن الغالبية لا تصل إلى هذه المرحلة.

كيف نعلم أبناءنا الأخلاق؟

من أفضل الطرق لتعليم الأخلاقيات وغرسها في الطفل هو أن يكون الآباء والأمهات قدوة في سلوكهم أمام الطفل، فالطفل يتعلم عن طريق الملاحظة، والآباء والأمهات يمثلون له المثل الأعلى الذي ينشأ الطفل عليه وينقل منه ويتعلم منه كل شيء بداية من الكلام إلى السلوكيات الحياتية، ومن هنا يأتي أهمية دور الوالدين سواء أن يكونوا هم في حد ذاتهم قدوة للطفل، أو أن يحيطوا الطفل بنماذج عملية للسلوك الأخلاقي، وأشكاله المختلفة، واختيار الجلساء والأصدقاء الذين يتعامل معهم الطفل، وتعريضه لنماذج من السينما والتلفزيون تجسد له القيم الأخلاقية الإيجابية مثل قصص الأنبياء وسير الصحابة والصالحين.

ومن هنا فإن على الآباء والأمهات اتباع الخطوات الآتية:

1- هناك مجموعة من الدروس الحياتية التي لا بد أن يحرص الأبوين على تعليمها للطفل، ومن أهمها أن الأخلاق الحميدة يجب غرسها في الطفل لأنها سوف تساعده على التفاعل بصورة سليمة مع الآخرين في حياته، وسيساعده على تكوين شخصية سوية ومقبولة اجتماعيًّا ومتزنة، ويجب أن يستخدم الأبوين عبارات عامة مثل: من فضلك، شكرًا لك عند التعامل مع الأطفال، وتكرارها في كلامهما حتى يعتاد الطفل عليها.

2- من المهم أن يسأل الأبوين أنفسهما كل يوم: “لو أنني المثل الأعلى الوحيد لابني فماذا قد تعلم مني اليوم؟” ويقول أرسطو عبارته الشهيرة “تأكد دائمًا أن السلوكيات التي يتعلمها الطفل هي التي تريد أنت منه أن يقلدها”. لذا فعلينا مراجعة تعليقاتنا ومواقفنا مع الطفل بصورة دورية لأن الطفل يتأثر بلا شك بهذه المواقف.

3- من المهم أن نعلم الأبناء أهمية الأمانة وعاقبة الكذب، وأهمية قول الصدق، ومناقشته والحوار معه، وعرض قصص وحكايات ومواقف تعبر عن ذلك المضمون ويمكن استخدام الأعمال الدرامية المفيدة كالأفلام والمسلسلات الموجهة لتعليم الأطفال الأخلاقيات لأنها من أفضل الطرق في تعليم الطفل الأخلاقيات، ومناقشته فيها والحوار معه، وهنا يأتي دور الأسلوب المباشر لتعليم الأخلاقيات، لأن الأبناء بحاجة لمن يعلمهم كيف يعيشون في إطار أخلاقي، لذلك فلا بد من طرح وجهة النظر ومناقشة الطفل والحوار معه.

4- شجع ابنك على تقديم العون للآخرين حينما تتاح الفرصة لذلك، لأن هذا يعلمهم الرحمة والتعاطف، والإيثار، وحب الآخرين دون مقابل، وتشجيع الطفل على ذلك، وفي مقال لصحيفة التايمز جاء فيه أن الأبحاث قد أوضحت أن المدح له أثره الأكثر فاعلية عن إعطاء المكافآت المادية، لأن المكافأة المادية تجعل الطفل يساعد الآخرين في سبيل الحصول عليها، أما عبارات المدح فتؤكد على قيمة المشاركة ومساعدة الآخرين في حد ذاتها.

ولكن كيف نمدح الطفل؟

يرى الكثير من الآباء أن يركزوا على مدح الطفل بأن نقول إنه شخص متعاون أو محب للآخرين، في حين يرى البعض أن المدح يكون للسلوك وليس شخص الطفل ذاته بأن نقول هذا سلوك جيد أو أحسنت مثلاً.

وهناك بحث أجرته كارول دويك Carol Dweek أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد توصل إلى أن مدح الأطفال على جهودهم أفضل من مدحهم أنفسهم وتصنيفهم على أنهم أذكياء أو موهوبين.

أما عندما يسلك الطفل سلوكًا خاطئًا فإن الطفل قد يشعر بالخجل أو بالذنب، وقد أوضح جون برايس June Price  أن هذين الشعورين لهما نتائج مختلفة، فالطفل عندما يشعر بالخجل فإنه يقول لنفسه أنا شخص سيئ، بينما الشعور بالذنب هو شعور “أنا ارتكبت خطأ” لذا فإن الشعور بالخجل أو الخزي هو شعور سلبي في تقييم الذات، حيث يشعر الطفل بأنه صغير وتافه وتكون نتيجته هو تفادي التجربة أو التهرب منها. أما الشعور بالذنب فهو شعور منعكس على السلوك نفسه وليس على الذات، ويمكن إصلاحه عن طريق السلوك السوي، لذا إذا أردنا أن نعلم أبنائنا أن يراعوا شعور الآخرين عندما يسيئون إليهم فإننا يجب أن نعلمهم الشعور بالذنب لا الشعور بالخزي عندما يسلكون سلوكًا خاطئًا.

وفي بحث لعالمة النفس نانسي ايسنبرج Nancy Eisenberg فإن الشعور بالخزي يظهر عندما يعبر الآباء عن غضبهم أو عندما يفرضون أساليب العقاب سواء بالتهديد أو غيره وحينها يعتقد الطفل بأنه طفل سيئ. وهذا ما لا نريده، لكن الأفضل أن نركز على تعويده على إصلاح أخطائه، وأن نكون له قدوة في ذلك. لذلك يجب الابتعاد تمامًا عن استخدام عبارات من نوعية (لا أهتم بك إنك غبي- ابتعد عني- إنك لا تصلح للقيام بأي شيء….) لما لها من آثار سلبية خطيرة على شخصية الطفل وثقته بنفسه.

5- يجب أن يركز الآباء على توعية أبنائهم بأن الحياة مليئة بالنعم، وأنه ليس كل الناس لديهم ما يمتلكون من ملابس ومسكن وأصدقاء وغيرها من النعم، فلا بد من غرس الشعور بالشكر والامتنان لديه، وترغيبه في مساعدة الآخرين، وغرس قيمة التسامح في الطفل، ومن المهم أن يظهر الأبوين التسامح بدلاً من الحقد والضغينة والكراهية تجاه الآخرين.

6- إحاطة الطفل بالحنان أهم عامل في نمو شخصيته ففي دراسة أمريكية وجدت أن منح الطفل عددًا أكبر من العناقات والأحضان يوميًّا يساعد الطفل على التنفيس عن أي توتر قد يشعر به الطفل، كما أوضحت دراسات أخرى أن الأطفال الذين لا يتلقون أي عاطفة ربما يعانون من أمراض عصبية لاحقًا وهذا من شأنه أن يؤثر على بعض أجزاء المخ التي تتعلق بالتركيز والتعلم أو التذكر.