الاحتباس الحراري

 الأضرار ومحاولات العلاج

أدّت الثورة الصناعيّة إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، ووفقًا لوكالة ناسا وصلت هذه الزيادة إلى حوالي 0.9° درجة مئوية فوق معدّلها الطبيعي، ويُجمع العلماء على أنّ السبب الرئيسي لهذه الزيادة يعود إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ تحبس هذه الغازات الحرارة داخل الغلاف الجوي ما يؤدي إلى تغيُّر المناخ تبعًا لذلك، وقد زادت نسبة تلك الغازات بشكل واضح في أواخر القرن التاسع عشر بسبب استخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير في الصناعة، والنقل، وإنتاج الطاقة، وغيرها من القطاعات.

لقد أصبحت التحذيرات من أضرار ظاهرة الاحتباس الحراري تتصدر العناوين منذ أواخر الثمانينيات، وقد قامت العديد من الدول بتوقيع معاهدات بشأن تغير المناخ بهدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري منذ أوائل التسعينيات، وقد تم عقد العديد من المؤتمرات لبحث وسائل التكيف مع آثاره في أيامنا هذه، حيث تلتزم 197 بلدًا باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. والآن يتبادر إلى الذهن سؤال مُلح إلى العديد من الناس وهو: ما معنى الاحتباس الحراري وما هي أسبابه؟

الاحتباس الحراري هو ظاهرة غير طبيعية تعرف باسم الاحترار العالمي أو التغير المناخي، وقد سميت بهذا الاسم لما يترتب عليها من ارتفاع واضح في درجة حرارة الأرض جرّاء وصول كمية أكبر من اللازم من أشعة الشمس، ومما لا شك فيه أن أشعة الشمس مهمة جدًّا في استمرار الحياة على سطح الأرض، لكن الله جل وعلا خلق كل شيء بمقدار، وعليه فإن زيادة كمية الأشعة الواصلة إلى الأرض تحول دون استمرار الحياة، فتصبح الأرض أشبه بالبيت الزجاجي، ويزداد تركيز الغازات. ويعود السبب في حدوث هذه الظاهرة إلى الإنسان بالدرجة الأولى وما قام بها من ثورة صناعية تسبب زيادة كمية الغازات الضارة في الجو جرّاء وجود المزيد من المصانع والسيارات، الأمر الذي أدى إلى ثقب طبقة الأوزون والسماح بدخول الأشعة فوق البنفسجية، ناهيك عن ظاهرة الانفجار السكاني التي تحدث بسبب قطع المزيد من الأشجار وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضٍ عمرانية، مما يعني زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون مقابل خفض نسبة الأكسجين جرّاء عدم وجود غطاء نباتي للقيام بعملية البناء الضوئي.

عالمية المشكلة

تعد مشكلة الاحتباس الحراري من أهم المشكلات التي تعاني منها البيئة في الوقت الحاضر، وتشكل مصدر قلق عالمي، وذلك لما يترتّب عليها من آثار واسعة النطاق، مثل حدوث تغيّرات في درجات الحرارة، ومعدّلات هطول الأمطار، وأنماط الطقس، ممّا يهدّد الإنتاج العالمي للغذاء، إلى جانب ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات، الأمر الذي يؤدّي إلى زيادة خطر حدوث الفيضانات، وهذا يؤثّر بدوره سلبًا على كلٍّ من صحة الإنسان، والأنظمة الطبيعية والبيئية، ومصادر المياه، والمستوطنات البشرية، والتنوّع الحيوي، ويؤكّد التسارع غير المسبوق في تغيّر المناخ العالمي على مدى السنوات الخمسين الماضية على أنّ المناخ يتأثّر بانبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن الأنشطة البشرية.

أهم أضرار الاحتباس الحراري على الإنسان

تؤثر ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل عام على الكائنات الحية جميعها، وبشكل خاص على الإنسان، إذ تؤدي إلى زيادة ضغط الدم، والإصابة بأمراض القلب، كما أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يؤدي إلى تفشي وباء الكوليرا في الأحياء البحرية التي هي طعام للإنسان، أيضًا انتشار أمراض الكلى نتيجة حدوث الجفاف في العديد من المناطق، انتشار الإصابة بالفيروسات التي تنتقل بواسطة الأبواغ، بالإضافة الي ازدياد خطر التعرّض للأمراض التي يحملها البعوض كالملاريا، وانخفاض مقاومة جسم الإنسان للأمراض نتيجة فشل المحاصيل الزراعية.

ومن شأن تغير جودة الهواء وزيادة الملوثات الناتجين عن ظاهرة التغيرات المناخية، التأثير على الجهاز التنفسي والدوري للإنسان، مما يؤدي إلى تفاقم الأمراض التنفسية، كأزمات الربو والحساسية، وأيضًا مضاعفة المشكلات القلبية لدى الفئات الأكثر عرضة للخطر، كمرضى الأمراض المزمنة وكبار السن. وقد تم رصد زيادة لمعدلات تلوث الهواء في كثير من المدن فوق المعدلات العالمية، ويأتي على رأسها المدن ذات الكثافة السكانية الكبرى والطابع الصناعي، مما يهدد صحة المواطنين بتلك المناطق.

على الحيوانات

من أبرز أضرار الاحتباس الحراري على الحيوانات، هجرة العديد من أنواع الحيوانات باتجاه المناطق الباردة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، انقراض العديد من أنواع الحيوانات لعدم قدرتها على التنفس في مثل هذه الظروف، وانتشار العديد من مسببات الأمراض التي كانت محصورة في المناطق الاستوائية، مما يؤدي إلى قتل العديد من أنواع الحيوانات التي كانت محمية في السابق، والتأثير على الأسماك ذوات الدم البارد والتي تعتمد على درجة حرارة أجسامها للبقاء على قيد الحياة، أيضًا انتقال الأسماك إلى الأقطاب بحثًا عن درجات حرارة أكثر برودة. كذلك التغيير في النظم البيولوجيّة المختلفة، مثل تغيير النطاقات الجغرافيّة للنباتات والحيوانات البريّة، والتأثير على خصائص الحيوانات البريّة والمُستأنسة “الحيوانات الأليفة”، وأطوال مواسم النمو، وتغيّر مواعيد الصقيع. كما تهدد ظاهرة الاحتباس الحراري العديد من أنواع الكائنات الحية بالانقراض، لا سيما حيوانات المناطق القطبية التي تعتمد على الحياة الباردة وهي الآن مهددة بالانقراض نتيجة ذوبان الجليد الناتج عن درجات الحرارة المرتفعة. وتشير تقديرات العلماء إلى أن الاحتباس الحراري سيتسبب في انقراض 1 من كل 6 أنواع من الكائنات على ظهر الأرض، وتعتبر الضفادع الذهبية أول الأنواع التي انقرضت بسبب تغير المناخ.

على الغطاء النباتي

تؤثر ظاهرة الاحترار العالمي على الغطاء النباتي بمجموعة من الأضرار أبرزها: الحد من نمو الغطاء النباتي وزيادة الإنتاجية، تغير النطاقات الجغرافية لبعض أنواع الأشجار، زيادة مخاطر الجفاف التي يواجهها الغطاء النباتي، مما يزيد من خطر حرائق الغابات، تفشي الحشرات التي تساهم في إضعاف النباتات وقتلها، كما يساهم الجفاف الناتج عن الاحتباس الحراري بمنع الأشجار من إنتاج المواد التي تحميها من الآفات.

ومن المتوقع اختفاء نصف النباتات بحلول عام 2080م في حال عدم علاج مشاكل الاحتباس الحراري وفقًا لإحدى تقارير مجلة التغيُّرات المناخيّة الطبيعيّة الصادرة عام 2013م.

طرق معالجة الاحتباس الحراري

الحلول الدولية:

تلعب الدول وحكوماتها دورًا مهمًّا في الحد من انبعاثات الكربون من خلال سن القوانين ووضع اللوائح الفعاّلة في هذا المجال كفرض ضريبة الكربون على المصانع والمؤسسات المعنية، وهناك إنجازات دولية مهمة للمساهمة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ومنها جائزة نوبل للسلام، وقمة العمل المناخي 2019، واتفاقية كيوتو، واتفاقية باريس.

الحلول الفردية:

كما يوجد العديد من الممارسات الفردية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ومنها إعادة التدوير والتقليل من استخدام مكيفات الهواء واستخدام المصابيح والأجهزة الموفرة للطاقة واستخدام كميات أقل من الماء الساخن، وإطفاء الأجهزة غير المستخدمة، والتقليل من استخدام المَركبات وزراعة الأشجار لزيادة الغطاء النباتي والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية، وغيرها في التقليل من التلوث الجوي، بالإضافة إلى تكلفتها المناسبة، وقدرتها على تلبية احتياجات العالم من الطاقة مع الحفاظ على البيئة، لذلك فالمسؤولية تقع على عاتقنا كأفراد في نشر الوعي والالتزام بالممارسات الصحية التي تحمينا وتحمي كوكبنا.

إنّ اتّباع هذه الممارسات سيؤدي إلى الحد من استخدام الطاقة، وهذا بدوره يؤدي إلى التقليل من استهلاك الوقود الأحفوري الذي ينتج عن احتراقه انبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتالي المساهمة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراريّ… ولا يزال النقاش السياسي والعالمي جاريًا للبحث عن حلول لمشكلة الاحتباس الحراري والحد من هذه الظاهرة.

الذكاء الاصطناعي:

مع تزايد الأضرار الناجمة عن العواصف وحرائق الغابات والجفاف، يُنظر بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعيّ والتكنولوجيا الرقميّة على أنّها وسائل للتنبُّؤ بتأثيراته والحدّ منها، فيُشكِّل الذكاء الاصطناعيّ عاملاً أساسيًّا في التحذير من هطول الأمطار الغزيرة واشتداد الأعاصير، وحالات أخرى كالاحتباس الحراريّ، كما يتمّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ أيضًا لتتبُّع مصادر تلوُّث الهواء. كذلك يُساعِد الذكاء الاصطناعيّ الباحثين والمخطِّطين البيئيّين والنشطاء، وحتّى الشركات، في منع الأضرار الّتي تلحق بالمناخ، ويُمكِن استخدام الخوارزميّات لاكتشاف الضرر الذي يلحق بالغابات، وتقليل الانبعاثات، أو حتّى التنصُّت على الحيوانات في المحيط، كما يُساعِد على تخطيط المدن لجعلها قادرةً على التكيُّف مع تغيُّرات المناخ بأقلِّ الأضرار البيئيّة الممكنة.

وختاما: تنذر توقعات خبراء المناخ بأن العالم مقبل على كوارث بيئية، إذا لم تنخفض نسبة الغازات الدفيئة، إذ سترتفع درجة حرارة الأرض بـ 5 درجات مئوية حتى عام 2100، ما سيترك الكثير من الآثار الكارثية على مناطق متعددة من عالمنا ويقضي على الحياة فيها.

لقد أضحي التغير المناخي حقيقة علمية، وليس مجرد حدث عابر في حياة البشر، حيث لم تبقَ أي قارة في منأى عن هذه الكوارث، إذ صارت موجات الحر الشديد والحرائق والأعاصير بجميع أنواعها تجتاح عددًا من دول العالم، وقد شارف تغير المناخ على مراحل لا يمكن العودة منها، ولذلك لا مناص من العمل الدولي المتكاتف لتخفيف آثاره الضارة وانعكاساته الخطيرة على كوكب الأرض، لذا يجب على الدول أن تكثف إجراءاتها على وجه السرعة للتكيف مع الواقع المناخي الجديد، والعمل على تأسيس تحالف عالمي حقيقي لإبقاء الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين.

وقد حذرت الأمم المتحدة من أن العالم يشهد فجوة كبيرة في الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. ومع انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ بمصر في نوفمبر2022، نأمل أن توجد طرق واضحة يمكن من خلال تنفيذها أن يفي زعماء العالم بتعهداتهم في مكافحة ظاهرة التغير المناخي.