في كلمته الافتتاحية التي دشن بها الأستاذ الدكتور خالد عرفان عميد كلية التربية بنين بجامعة الأزهر فعاليات المؤتمر الدولي المعنون:
“تدويل التعليم بين الثوابت والمتغيرات: التعليم الأزهري أنموذجا”
يومي الإثنين والثلاثاء 12-13 ديسمبر 2022، أوضح أن فكرة المؤتمر قد انبثقت من عدة منطلقات أهمها:
المنطلق الأول: منطلق ديني يدعو إلى التعددية والتنوع وإلى التعارف والتعاون والتعايش، ويظهر ذلك جليًّا في قوله تعالى: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فقد أكدت الآية على التنوع والاختلاف وأكدت أيضًا على التعارف لتحقيق أرضية مشتركة بين الجميع رغم ما بينهم من اختلاف، وذلك في جميع مجالات الحياة بما في ذلك الأنظمة التعليمية.
المنطلق الثاني: منطلق وطني؛ يتمثل في توجيهات القيادة السياسية التي تدعو إلى التجديد والتطوير في جميع أنظمة الدولة بما في ذلك نظام التعليم حتى تكون قادرة على تحقيق التنمية الشاملة في ضوء رؤية مصر 2030م.
المنطلق الثالث: منطلق مؤسسي ويتمثل في الأزهر الشريف ورسالته عبر القرون التي قدمت نموذجًا قلَّما يجود الزمان بمثله في تدويل التعليم؛ حيث استقبل الدارسين من جميع أنحاء العالم وقدم له تعليمًا موحدًا لم يفرق فيه بينهم على أساس اللون أو العرق أو اللغة أو الثقافة، فخرَّج أجيالاً بينها تفاهم وانسجام فكري رائع، مع اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم، وفي الوقت نفسه راعى ما بين الدارسين من تنوع ثقافي ولغوي؛ فجعل لطلاب كل بلد من البلدان رُواقًا خاصَّا بهم، في احترام كامل لهذا التنوع والثراء الثقافي واللغوي الذي يتمتعون به.
المنطلق الرابع: منطلق فكري يتمثل في وثيقة الأخوة الإنسانية التي أعدها فضيلة الأمام الأكبر وبابا الفاتيكان التي تعد نموذجًا للقيم المشتركة التي يمكن أن تجمع مختلف الأديان والثقافات في جو من التسامح والاحترام وتؤكد على دور القيادات الدينية في صناعة السلام العالي.
المنطلق الخامس: طبيعة العصر التي فرضت علينا العديد من التحديات الحضارية والثقافية والسياسية والدينية، والتي وضعتنا أمام أحد أمرين إما أن ننصهر في العالم وتذوب هويتنا وثقافتنا وقيمنا في العولمة أو البحث عن صيغة تعليم توافقية تراعي القواسم المشتركة وخصوصيات المجتمع الثقافية، والفكرية، والحضارية، والدينية.
المنطلق السادس: هو صناعة شخصية متميزة محليًّا ودوليًّا تفرض وجودها، ومن ثمَّ تفرض احترامها على الآخرين، ولا سبيل لذلك بدون نظام تعليمي له صبغة دولية.
لقد خطى التعليم في مصر بصفة عامة والتعليم الأزهري بصفته رائدًا للتعليم الديني الدولي خطوات لا بأس بها في مجال الاعتماد على المعايير الدولية في تقويم وتطوير التعليم؛ فهناك مئات المعاهد الأزهرية وعشرات الكليات في جامعة الأزهر قد حصلت على شهادة الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، وهي مؤسسة وطنية تعمل وفق معايير دولية وهي خطوة كبيرة نحو تدويل أنظمتنا التعليمية.
إن تدويل التعليم له العديد من الفوائد والثمار ستظهر جليًّا في توصيات الجلسات العلمية والتوصيات العامة للمؤتمر.
ولنشر فكرة تدويل التعليم وإلقاء الضوء عليها تاريخيًّا وتوضيح أبعادها وأهميتها حاليا؛ ووضع تصورات لها مستقبليًّا جاء هذا المؤتمر في تسعة محاور، تم تغطيتها بأكثر من خمسة وسبعين بحثًا، شارك في إعدادها أكثر من خمسة وثمانين باحثًا من داخل مصر وخارجها في محاولة جادة منهم للتوصل إلى تصور شامل لصيغة دولية للتعليم المصري بصفة عامة والأزهري بصفة خاصة، تضع أرضية مشتركة بين التعليم في مصر ومختلف نظم التعليم العالمية وتحفظ لمصر خصوصيتها الدينية والثقافية والفكرية في توزان رائع بين المتغيرات والثوابت.