يقولون “لكل مهنة سرها، فما سر مهنة/ هواية الكتابة وطقوسها؟ وما هو عجيبها وغريبها وطريفها عند الكتاب والأدباء والشعراء؟ وهل إذا تمت هذه المراسيم “الذاتية” لشحذ النفس لدخول محراب الكتابة كانت تلك “وصفة سحرية للناشئين”، بها يبوح القلم بـ “وحيه” المنشود.. نثرًا، وشعرًا، وقصة، ورواية؟
لعل أبرز من تناول مسألة طقوس الكتابة من النقاد العرب القدامى هم: “ابن قتيبة” في كتابه (الشعر والشعراء)، و”الجاحظ” في كتابه (البيان والتبيين)، و”ابن رشيق” في (العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده)، و”ابن خلدون” في (المقدمة). فتحدث هؤلاء الفحول عن عادات الكتابة، وفي أي وقت يجب أن تكون. وجنحوا جميعهم ـ خاصة “ابن قتيبة”ـ إلى أن أفضل أوقات الكتابة “ساعة الفجر” حيث يكون “الذهن أصفى، وتكون القريحة أنقى”. وأفرد “ابن رشيق” في كتابه (العمدة) فصلاً للشعراء العرب وضروبهم التي يستدعون بها “شيطان” الشعر، فكان “كثير عزة” يطوف في الرياض المعشبة، وبينما يركب “الفرزدق” ناقته، ويطوف منفردًا في شعاب الجبال، والأودية، والأماكن الخربة. وله قول مأثور في عذاب الكتابة: “إن خلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات”. وكان “جرير” (وبين الفرزدق وجرير ما كان) يشعل سراجه ويعتزل، وربما علا سطح بيته، وغطى رأسه رغبة في الخلوة.
وتري الشاعر “أبو تمام” يسكب الماء على تراب خيمته الحارة، وهو في أقصى درجات التوتر وينادي شياطين شعره بأسى “أخوكم أخوكم”. ولا يكتب إلا في أول الليل، وكان “أبو الطيب المتنبي” يصيغ شعره على إيقاع خطواته فتتنغم موسيقى قصيدته بالشكل الذي يرتئيه خارجًا عن طوره، وهو يتسابق مع خطواته لكتابة القصيدة. ويُحكى عنه أن بعض قصائده ربما كُتبت على مدى سنوات، ولكنه يضمها إلى بعضها فتخرج كأنها كتبت في لحظة واحدة.
- “العقاد”، و”الرافعي”، و”محفوظ”، و”تيمور”
يجد ـكاتب هذه السطورـ صعوبة في الجلوس ليخط حرفًا دون أن يكون في أوقات رتيبة من اليوم وغالبًا ما تكون في الليل، حيث الهدوء والسكينة، كما اعتاد أن يغمر المكان رائحة البخور، وعبق فنجان القهوة. وكان للأديب الكبير “عباس محمود العقاد” (1889-1963) خصوصيته في الكتابة.. نثرًا وشعرًا. يقول في كتابه (أنا): “أكتب في كل مكان خلا من الضوضاء، أما إذا لم تقيدني الضرورة بمكان معين، فأكثر ما أكتب وأنا مضطجع على الفراش، وثلاثة أرباع مقالاتي السياسية كتبت كذلك، هذا في النثر، أما في الشعر فيغلب أن أنظمه وأنا أتمشى أو أسير في الخلاء”. وكان يكتب بالحبر الأحمر على قصاصات ورق في مساحة الكف، ولا يبدأ الكتابة إلا بعد أن يستوي الموضوع بتمامه، وبعناصره، وأركانه في عقله.
أما “الرافعي” فكان ـ قبل أن يشرع في الكتابة ـ يقرأ في كتاب من كتب أئمة البيان العربي (الجاحظ، وابن المقفع، وأبو الفرج الأصفهاني الخ)، ليعيش وقتًا في بيئة عربية فصيحة اللسان. ولما سأله تلميذه “سعيد العريان” عن ذلك قال: “نحن يا بني نعيش في جو عامي لا يعرف العربية، واللسان العربي هنا في هذه الكتب، إنها هي البداية لمن يطلب اللغة في هذا الزمان بعدما فسد لسان الحضر والبادية”. ويبدو أن الجلوس إليَّ جانب النافذة له سحر خاص، فكان “الرافعي” يكتب بجانب النافذة، ليمر النسيم على صفحة خده.
بينما يحكي الروائي والأديب العالمي (صاحب نوبل) “نجيب محفوظ” في كتابه “أتحدث إليكم”: “أكتب في وقت محدد تبعًا ليومي الموزع بين الوظيفة والكتابة، أكتب لساعتين أو ثلاث يوميًّا (العاشرة صباحًا – الواحدة ظهرًا)، وأقرأ ساعتين أيضًا، أبدأ بالكتابة، وأختم بالقراءة”. وكانت قمة عطائه الأدبي في فصلي الشتاء والخريف. ومن طقوس كتابته أن يتهيأ ـ عضليًّاـ للكتابة بالمشي والاستماع إلى الموسيقى وبعض الأغاني من المذياع، وكان خلال ساعات الكتابة يتناول ثلاثة فناجين قهوة، فنجانًا واحدًا كل ساعة تعده زوجته من دون أن يطلب منها ذلك، ومع القهوة يدخن بشراهة. ويرى الأديب “محمود تيمور” أن أحسن الأمكنة للكتابة هو البيت.
- من طقوس الكتاب والروائيين والشعراء العرب
من عادات “توفيق الحكيم” الكتابة على ورق بنفس الحجم، ولكن بالحبر الأسود والأزرق. أما الدكتور “عبد الرحمن بدوي” فحروفه أقرب إلى حروف الطباعة لدقتها. وعرف عن د. “زكي نجيب محمود” أنه كان يفضل الكتابة في البيت التماسًا للهدوء. وكان “مصطفى أمين” يحيط نفسه بجو هادئ أثناء كتابته للمقال السياسي، ومن عادته أن يكتب في أي وقت وفي أي مكان بشرط الهدوء، أما “محمد حسين هيكل” فقد كانت طريقته في الكتابة أن يكون في عزلة تامة عن الناس، ويميل إلى الكتابة في بيته، بعد أن يغلق على نفسه باب مكتبه ويرفع سماعة الهاتف. وخصص الكاتب والروائي “أسامة أنور عكاشة” بيتًا في الإسكندرية ينعزل فيه شتاءً ليكتب، حيث لا ضجيج ولا زيارات ولا مطالب عائلية. فتواجده بالقرب من البحر يهيئ له فرصة نفسية للكتابة، لا يوفرها صخب وضجيج القاهرة، وكان يمشي على شاطئ البحر منفردًا. أما الروائي المصري “إبراهيم عبد المجيد”، صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية»، فيخصص طيلة ليله للكتابة: «علاقتي بالكون هي الكتابة. وعاداتي أثناء الكتابة بسيطة للغاية ولم تتغير منذ بدأت أمارسها، حتى عند انتقالي من منزل لآخر لم أغير غرفة مكتبي بما تحويه، أحتفظ فيها بثلاثة دواليب للكتب، وما يزيد عنها أتبرع به أو أهديه للأصدقاء.. أحب الضوء الأبيض (الفلوريسنت). أكتب الروايات عادة من بعد منتصف الليل وحتى شروق الشمس، لا بد أن أرى ضوء الصباح قبل أن أخلد للنوم، وأراجع ما كتبته بالنهار». وعن نمط كتابته الروائية، يقول: «لا أعمل بشكل منتظم. قد أكتب ثلاثة سطور أو ثلاث صفحات. أستمع إلى الراديو وتحديدًا (إذاعة البرنامج الموسيقى) التي تبث الموسيقى الكلاسيكية والخفيفة طوال الليل دون انقطاع.. بجواري زجاجة مياه.. أشرب كثيرًا منها، وربما هي سبب بقائي على قيد الحياة.. كنتُ في الماضي أشرب الشاي والقهوة. مع التقدم بالعمر أصبحت أراجع قبل منتصف الليل فلم أعد أملك ترف الوقت»، أما كتابة المقالات فيكتبها في أي وقت وأي مكان. ويذكر أنه «في الماضي كنت أسافر للإسكندرية كل أسبوع وأزور معالمها لأن مشروعي الروائي كان مرتبطًا بها، لكني أومن بأن النسيان هو الثروة الحقيقية».
وعن الكتابة وطقوسها لدى الروائي المصري “ناصر عراق”، صاحب «الأزبكية» يقول: «منذ زمن بعيد أدركت أن الكتابة الناجحة المؤثرة لن تتأتى إلا بالالتزام الصارم، بمعنى، الإقبال عليها وممارستها بشكل يومي، دون انتظار وحي يأتي من هنا، أو خاطر يطل من هناك. إن المثابرة والاستمرارية هي التي تولد الوحي، وهي التي تشحذ سلاح الإلهام، وقد تعلمت هذه الحكمة من والدي المرحوم عبد الفتاح عراق الذي أعتبره مثقفًا عصاميًّا بامتياز… وأصبحت أعانق الكتابة كل صباح منذ سنوات طويلة.. أعانقها بشغف ومحبة.. أستعجل النوم مبكرًا في الليل، لأصحو صافي الذهن قادرًا على استقبال معشوقتي التاريخية. أجل كل صباح دون مبالغة، ففي تمام السادسة صباحًا أجلس إلى مكتبي، سواء في العمل أو في البيت، في حضرة الورقة والقلم فيما مضى، أو أمام شاشة الكومبيوتر حاليًا.. أكتب نحو ساعتين أو ثلاث في صمت تام، لا حركة.. لا صوت.. ولا موسيقى ناعمة، ولا زقزقة عصفور.. ففي حضرة الكتابة لا يعلو صوت فوق صوت الكلمة!». في حين سطر الروائي “إبراهيم أصلان” معظم أجزاء روايته «مالك الحزين» في أحد المقاهي حيث قمة الضجيج.
بينما يكشف الروائي اللبناني “جبور دويهي”، صاحب «شريد المنازل» عن عاداته الكتابية قائلاً: «الواقع أني رجل عادات ومقاهٍ. أكتب في الخارج، أبعد ما يكون عن غرفة نومي، يوميًّا من دون استثناء عندما أنطلق في مشروع روائي، بين العاشرة صباحًا والواحدة، في مقهى يكون متوسط الضجيج.. أبدأ بقلم الرصاص وأنتهي أمام لوحة مفاتيح حاسوب (أبل). وقبيل الفراغ من الكتابة أترك ذخيرة لليوم التالي أبدأ منها من جديد. لكني عمومًا بطيء.. فلا يتجاوز عدد كلماتي التي أعدّها دائمًا المائة كلمة».
في حين قد تغير الروائية الجزائرية “أحلام مستغانمي” أرقام هواتفها وتنعزل أو تقرر السفر إلى بلد آخر لا يعرفها فيه أحد لتنجو بروايتها «عابر سرير» بعيدًا عن يوميات اعتادتها وألِفتْها. لكن “إدوارد خراط” يصمت شهورًا أو سنينًا وفجأة يبدأ بالكتابة بسرعة وبدقة إلى أن يتوقف فجأة مثلما بدأ. ومن طقوسه أنه لا يكتب إلا في آخر الليل على مكتبه بالبيت حيث يكون محاطًا بالكتب من كل ناحية. وهو يكتب بأي نوع من الأقلام وعلى أي نوع من الورق وكان يعيد كتابة بعض قصصه حوالي خمسين مرة في بداياته.
“غريب الأطوار أثناء الكتابة” حيث يتحول “خيري شلبي” إلى شخص لا يُطاق، وكثيرًا ما كانت زوجته تنصحه أن يكتب داخل سرداب، لا يرى أحدًا ولا يراه أحد. لذلك أقام فعلاً في مقبرة خاصة بأسرة منقرضة منذ القرن الثامن عشر، وأنجز ثلاثًا من أهم رواياته الطويلة (ملحمة الشطار، والأمالي، وموال البيات والنوم)، ومن طقوسه الغريبة.. أنه قبل الكتابة يصاب باكتئاب حاد، ويشعر برغبة جامحة في الانتحار، ويشعر كأن أسبابًا غامضة أتت به إلى الحياة، لكي “تعذبه وتغذيه حقدًا” على حد قوله، وباعترافه هو أنه بالفعل لحظة الكتابة لا يطيق أولاده، ولا زوجته، ولا معارفه ولا أصدقاءه، ويشعر أنهم هم الآخرون لا يطيقونه، هكذا تنتابه حالة من السُّخط، لكن ما إن يكتب صفحة واحدة حتى يشعر بأن العالم فسيح وأنه سيتحرر من هذه “الحالة المَرضية”، فيعود من جديد مكتئبًا ويواصل الكتابة كما لو كان يقاوم. وحينما ينتهي من الكتابة ويخرج من هذا السجن ويشعر بالشفاء يبادر بإصلاح ما أفسده الإبداع، فيزور أهله وأصدقائه، ويتحول إلى شخص ودود ومرح، وفي هذا الجو يعيد نسخ ما كتبه ويبيضه.
وكان أمير الشعراء “أحمد شوقي” يكتب على أي شيء يجده، فإذا لم يجد إلا علبة كتب عليها، وكتب مرة إحدى قصائده على قطعة قماش كانت أمامه. ويُروى عن الشاعر “محمد مهدي الجواهري” أنه في لحظة مخاض القصيدة يقوم بغناء المقامات العراقية القديمة وهو جالس في «الحمّام» فلا يأتيه “شيطان الشعر” أحيانًا إلا في هذه الخلوة! بينما يضطجع “نزار قباني” على بطنه أمام حشد من الأوراق الملونة (أصفر أو زهري). ويعيد الكتابة على الورقة الواحدة عدّة مرات وعندما يدخل غرفة مكتبه ينفصل تمامًا عن العالم الخارجي، ولا يتحرك عن كرسيه حتى ينتهي من قصيدته: “لا أحتاج إلى أكثر من سرير انفرادي، كتلك الأسرة المستعملة في المستشفيات والسجون لأكتب قصيدتي، ولو أنني نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر أو لويس السادس عشر لطار النوم من عيني وطارت القصيدة.. إن أجمل قصائدي كتبتها وأنا ألبس بنطلون الجينز الأزرق.. وأقضم ساندويتش على أرصفة المدن المزدحمة”.
- من طقوس الأدباء والشعراء العجم
كانت إبداعات “بلزاك” تستحثه بالليل والنهار متجاهلاً الحياة الاجتماعية والعائلية، ويتعاطى في اليوم أكثر من خمسين فنجانًا من القهوة. بينما غطى “مارسيل بروست” جدران غرفته بالفلين ليعزلها عن الضجيج حيث لا يستطيع الكتابة إلا في عزلة وهدوء. ويخط “دون روبرتسون” قصصه ورواياته طوال الليل، بينما تستيقظ «ماري أوهارا» مبكرة كل يوم لتجلس أمام آلتها الكاتبة. غير أن الأديبة الروائية الإنجليزيّة واسمها المستعار «جورج إليوت» أما اسمها الحقيقي فكان “ماري آن إيفانس” فقد اعتادت الكتابة في صالة البيت التي تعجّ بحركات أبناء شقيقتها وعبثهم ونزقهم. وإذا كان شيطان «كيتس» الشعري لا يحضره إلا في أجواء الصيف. فإنَّ صديقة «شيللي» لا يمكن إلا أن يبدع نصوصه الفنتازية إلا في فصل الخريف.
ولا يستطيع “فولتير” الكتابة إلا إذا كانت أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهي من الكتابة يحطمها ويلفها في الورقة التي كتب فيها ثم يضعها تحت وسادته وينام. ويكتب الأديب الإنجليزي “تشارلز ديكنز” بحبر أزرق على ورق أزرق. أما الشاعر الفرنسي «بول جير» يكتب على ورق وردي فإذا لم يجده فإنه يرسمُ زهورًا وطيورًا حول قصيدته. وكانت «شارلوت برونتي» تكتب بإبرة لأن خطها دقيق وأنيق. أما النرويجي “هنري إبسن” فيضع أمامه صورة الأديب «سترندبرج»، وهو أعدى أعدائه، ويقول: “إنما أردت أن أغيظه وهو يتفرج على إبداعي قبل نشره على الناس!”.
وكان “جيمس جويس” يكتب واقفًا.. وكذلك “البير كامو” شريطة أن تكون أمامه شرفة مفتوحة. وتجد “أرنست همنغواي” و”غوستاف فلوبير” لا يكتبان إلا وهما في كامل أناقتهما. ويكتب ” همنجواي” واقفًا! بينما يضيء “لوبير” كلّ مصابيح بيته حتّى يظنّ الناس أنّه أقام وليمة. وأثناء كتابته.. يلبس الروائي العالمي “غابريل غارسيا ماركيز” لباسًا شبيهًا بلباس “الميكانيكي”: عندما أكتب البس زي الميكانيكي لأنه رداء مريح، لباس عملي لأقصى حد، فما عليك إلا أن تندس داخله في الصباح وتشد السحّاب. أما «د. هـ. لورانس» و”فيكتور هيجو” فكانا لا يستطيعان الكتابة إلا وهما عارٍيان من ملابسهما! أما الكاتبة البوليسية “أجاثا كريستي” فكانت تجلس في البانيو ساعات حتى تجد القصة الملائمة، وقالت: “لا أستطيع وضع تصاميم رواياتي إلا في الرياح الممطرة”. ومن غرائب الطقوس ما نقل عن الشاعر الأميركي “ادغار ألان بو” الذي كان لا يستطيع الكتابة إلا أن يضع قطًّا على كتفه! ولا يخط “جان كوكتو” سطرًا إلا بعد أن يضع على منضدته كوبًا مقلوبًا على عقربٍ حي!
فيما يقرأ “دوستويفسكي” روايته التي يكتبها بصوتٍ عالٍ حتى يحفظها عن ظهر قلب قبل أن ينتهي من كتابتها! أما “ليو تولستوي” فيؤمن بأن “الروتين” المنتظم في الكتابة مهم جدًّا للعمل الروائي. وقال “ألبيرتو مورافيا”: “منذ فترة طويلة جدًا وأنا أكتب كل صباح بالطريقة نفسها التي أنام بها وآكل يوميًّا، لقد أصبحت الكتابة جزءًا عضويًّا في إيقاعي البيولوجي”. ولذا عـُرف عن “ألبرتو” انضباطه الصارم. كذلك كان “أندريه جيد” يكتب في ساعات محددة وأماكن معينة، وعددًا محددًا من الصفحات يوميًّا، وذكر في يومياته برنامجه اليومي: “ثلاث ساعات بيانو، ساعة تصحيح مسودات، ساعة شكسبير، ساعة سانت بوف، هذه وجبتي كل يوم”. ويذكر أنه يعطي الرواية نحو ست ساعات، ونصف ساعة أو ساعة ـ تمرين، هذا بالإضافة إلى تأمله للطبيعة والنزهات، فكان أمره منضبطًا بدقة. وكان “سومرت موم” و”ألدوس هكسلي” يحبان القراءة في كتاب قبل شروعهما في الكتابة:”فذلك يفيد كثيرًا”.
- بتأدية الطقوس.. هل يبوح القلم بوحيه المنشود؟
الحديث عن طقوس الكتابة ـ رغم أنها محفزة ودافعة للإبداع ـ قد تستهوي أدباء المستقبل. فيبدو الأمر كدعم لهم عبر تزويدهم بتقنيات للكتابة من قبل مجربين. لكن ما تنطوي عليه “اعترافات وشهادات” الكتّاب قد يحمل خطورة الانزلاق نحو تقليد “مظاهرهم” دون “جوهر” الإبداع والتميز. فمن المعلوم أن حضور المظهر/ السبب لا يقتضي حصول الجوهر/ النتيجة، فكون الإنسان ينتهج عادات عند الكتابة، لا يستلزم ـ بالضرورةـ أن يصبح كاتبًا مُجيدًا، وأديبًا ألمعيًّا. ولكن ربما نقيض ذلك هو الصواب؛ أي أن ولادة الكاتب هي نتيجة “حتمية” لوجود ذاتٍ مبدعة لها “معاناة” ونهج ونظام وعادات. لذا ينبغي ألا يبالغ الكتاب الناشئون بالافتتان بتلكم الطقوس. فهؤلاء الفحول غالبًا ما أمضوا سنوات طويلة في “الأشغال الشاقة” المتعلقة بالقراءة والاطلاع والتهام المؤلفات وحتى تقليد الأساليب ربما، وتمزيق المسودات قبل أن يصيروا إلى ما صاروا إليه.
________________________________________________________________________________________________________________
المصدر: المجلة العربية: العدد (522)، بعنوان: “طقوس الكتابة: كيف يستدعون وحي القلم؟”