خصصوا في قلوبكم مقاعد للجميع

عندما يدخل الناس قلوبكم يجب ألاّ يقلقوا من البقاء واقفين. يجب أن تخصصوا في قلوبكم أماكن للجميع مهما اختلفت أفكارهم ومشاعرهم. قولوا للجميع بكل ثقة “لك أيضًا خصصنا مقعدًا هنا”. إن تنمية هذه الروح يحتاج إلى تربية؛ يحتاج إلى تربية في الأسرة، كما يقتضي ألا يُفسد الشارعُ تلك التربية، ويحتاج إلى أن تحوّل المدرسة تلك التربية إلى علم، يحتاج إلى أن يرقى المسجد بتلك التربية إلى آفاق الروح. أما إذا كانت الأسرة محرومة، والشوارع ملوّثة، والمسجد أسير النمطيات، والمدرسة خالية من الحياة الروحية والقلبية، وإذا كان كل شيء يحوم حول المادة، والطبيعة، والوضعية -لا أدّعي أنها كذلك بل أقول “إذا كانت كذلك”- فلن يتحقق المراد.. أما إذا تم المراد، فهذه العناصر سيدعم بعضها بعضًا، ولن يهدم طرف ما بناه الآخر.. عندئذ لن تُهدر القيم التي تلقاها الفرد في بيته وبيئته الأسرية.. لن تهدر في الشارع، مثل النرد في طاولة القمار، بل سيأتي المسجد ليعمّق تلك القيم روحيًّا، وتأتي المدرسة تعلمه كيف يقرأ السنن الكونية والأشياء والحوادث، وتحوّل التلميذ إلى إنسان يقرأ الكون بعمق، وبالتالي يتحقق التعمق. عند ذلك لا يُهدَم ما بُني، ولا يفسد الشارع ما غرسته الأسرة، ولا يتناقض المسجد مع البيت، ولا تتناقض المدرسة مع الأسرة.. وإذا سارت كلها في اتجاه واحد، يتخلص الإنسان من جسمانيته وطينيته -إلى حد ما- ويرتقي إلى حياة القلب والروح.. وعندئذ يشعر برحابة في نفسه، فيفتح صدره للجميع، ويسعى إلى إقامة روابط بينه وبين الناس جميعًا.

  • الالتزام بحسن الظن

إن الله يُخرج الحي من الميت، ويُخرج الميت من الحي، ويخرج النهار من الليل، ويجعل الشتاء ربيعًا.. فمن الضروري في هذا الأمر أن يلتزم المرء حُسْن الظن بالله على الدوام. يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “حُسْنُ الظن بالله تعالى من حُسْنِ العبادة” (رواه أبو داود)؛ حسن الظن في هذه الرواية يُذكر على إطلاقه، يركز بشكل خاص على حسن الظن بالله تعالى، حسن الظن بالذات الإلهية، حسن الظن بسيدنا روح الأنام صلى الله عليه وسلم.

ومن البدهي أن حسن ظن المؤمنين ببعضهم، يمكن أن نجده ضمن فئة “حسن الظن من حسن العبادة”. ذلك فإنه حتى في العصر الذي أظلمت فيه الأنحاء، وأقبل الشتاء، وامتلأتْ الأركان بأنَّات المظلومين، تنظرون فترون شفقًا مستطيلاً في الأفق، حتى إن أكثر الناس عمىً إذا نظر يقول: “والله إن الشمس لتشرق من وراء هذا”، لأنه شفق مستطيل لا يكذب. فليس الشفق المستطيل فحسب، بل “والفجر الكاذب” لا يكذب أيضًا. فمع أنه كاذب “فإن الفجر الصادق” هو أصدق شاهديه، فإذا لاح الفجر الكاذب، فهذا يعني أن الفجر الصادق آت خلفه، بإذن الله وعنايته.

من هذا المنطلق، وجب النظر إلى المستقبل دائمًا بأمل. أن يُنظر بعدَسَة حسن الظن بالله تعالى.. فإن حسن ظنكم به تعالى، مثل العدسة لا تخطئ أبدًا. بإذن الله وعنايته، ترون المسألة على هذا النحو. لذلك ينبغي أن نكون مفعمين بحسن الظن في مسألة أن الذات الإلهية، لن تضيع أبدًا أعمال من يقولون: “اللهم أرجو في كل عملي، الإخلاص، ورضاك، وخلاص العشق والاشتياق”. فلن يخيب الله تعالى ظن السائرين إليه، ولن يجعلهم يتعثرون في طريقهم. يجب حسن الظن في أنه سوف يجعلهم يرفرفون مثل الحمائم في مواضع يستحيل فيها هذا، ويمكّنهم من الوصول إليه. أسأل الله ألاّ يحرمنا عنايته، وأن يعمر قلوبنا دائمًا بحسن الظن والرجاء والأمل.

 _______________________________________________________________________________________________________________

(*) هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ فتح الله كولن الخاصة. الترجمة عن التركية: هيئة حراء للترجمة.