(قطوف دانيات من عالم النبات)
يحتضن كوكبنا نباتات غريبة لها طريقتها العجيبة في الحصول على غذائها. وكثيرة هي أنواع تلكم النباتات.. عددًا، وعدة، وعتادًا، ودهاء. فلكل نبتة طريقتها في جذب وإغراء فريستها. ومن ثم اقتناصها.. صيدًا ثمينًا، وغذاء شهيًّا. فلبعضها أشراك تُفتح وتغلق فجأة، ولبعضها مصائد زلقة. ولأخرى بقع دبقة تعلق بها الفرائس دون إفلات.
ففي مستنقعات ولايتَي “كارولَينا” الشمالية والجنوبية الأميركيتَين ينمو نبات لاحم (آكل للحم). وعلى صغر حجمه (يصل ارتفاعه حوالي 30 سم) إلا أنه الأكثر وحشية في الافتراس. أوراقه زاهية اللون، وتضم أطرافها غددًا عطرية تُشكّل إغراء لا يمكن مقاومته. فوسط كل فلقة من ورق نبات “خانق الذباب”/ الديونيا Dionaea muscipula تنتصب ثلاث شعيرات حساسة. إذا مستها حشرة “سيئة الحظ” أطبقت فلقتا الورقة عليها. ليس هذا فحسب، بل تتشابك حولها أشواك طرفي الورقة كأسنان فخ حديدي تمنعها من الهرب. لتلقى مصيرها المحتوم. ولتهضم على مهلِ ـ حسب حجمها ـ لأيام عدة. و”خانق الذباب” لديه من “الذكاء” ما يميز به بين فريسته المرغوبة، وما تحمله الرياح من أعواد جافة أو أجسام غريبة. وتبلغ حساسيته.. أنه إذا تحركت شعيرة واحدة من شعيرات أوراقه بسبب قطرة مطر، لا تغلق الورقة مصراعيها. لكن حين تتحرك أكثر من واحدة، ولو بفارق ثوان معدودة، عندئذ تنغلق الورقة. وتعتمد سرعة الانغلاق على درجة الحرارة، وضوء الشمس. لكن من يرى “أنيابه الورقية” وهي تطبق بسرعة وقسوة على الفريسة يعتقد أنه إزاء فك نمر كاسر.
والسؤال المطروح: كيف تتحرك هذه النباتات لتطبق على الفريسة بسرعة كبيرة وهي لا تمتلك أنسجة عضلية؟! وثمة محاولات لتفسير ذلك بفهم عملية الاصطياد التي تتم خلال عبر: تترجم الشعيرات الحساسة لخانق الذباب التحفيز الميكانيكي لإشارة كهربائية (جهد الفعل/AP). وكل لمسة تولّد جهدًا يحفظه النبات في (ذاكرته)، أو عبر تبدل مفاجئ في ضغط الماء. تلمس الفريسة الفخ فتقوم خلايا الجدر الداخلية بنقل الماء للجدر الخارجية فينتج تقلص سريع، أو عبر نمو الخلايا في أحد جوانب المجس أسرع من الآخر فينتج إطباق الجانب النامي، أو عبر استثمار تقلبات الطقس الطبيعية (الرطوبة/ الجفاف) لضبط درجة لزوجة حواف الفخاخ الزلقة.