الإنتاجية والعمالة في المنهج الإسلامي

يتعين عند تناول أي مشكلة اقتصادية؛ الإشارة إلى أمرين مهمين، لهما تأثيرهما القوي على فهم الواقع. الأمر الأول: يوجد بين المشاكل الاقتصادية عمومًا علاقات متبادلة؛ بحيث أن علاج مشكلة معينه قد يساهم في علاج مشكلة أخرى مساهمة جزئية. الأمر الثاني: إن الإسلام ليس مسئولاً عن مشاكل نجمت بسبب تطبيق النظم الاقتصادية الوضعية، وبسبب عدم تطبيق المنهج الإسلامي في التنمية، ومع ذلك فإن هذا المنهج يقدم المعالجة المرحلية، وفي ظل تطبيقه تطبيقاً شاملاً لا يكون وجود لهذه المشاكل، وإن وجد بعضها سيكون لمرحلة مؤقتة وسيكون العلاج ميسراً.

إنتاجية عناصر الإنتاج

يؤدي انخفاض الإنتاجية إلى زيادة الأسعار وانخفاض الصادرات وزيادة الواردات، وبالتالي زيادة العجز التجاري، وتدهور في ميزان المدفوعات، وزيادة الطلب على القروض الأجنبية في المدى الطويل، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وانخفاض معدلات الادخار، وانخفاض معدلات الاستثمار، وشيوع عدم الثقة.

ويمكن القول إنه لا يمكن التأثير في الناتج القومي أو العمالة تأثيراً إيجابياً أو سلبياً، إلا عن طريق التأثير في نفقة الإنتاج، أو في أحد عناصر الطلب. ونفقة الإنتاج تتوقف على كمية ما يحوزه المجتمع من عوامل الإنتاج (الموارد الطبيعية، رأس المال، العمل، كفاءة الإدارة الاقتصادية)، وعلى مستوى الإنتاجية لكل من هذه العوامل.

أما الطلب فهو إما استهلاك خاص، أو استهلاك حكومي، أو استثمار، أو الطلب على الصادرات؛ ولذلك يعتبر الاستيراد تسربًا من إجمالي الطلب. ويمكن القول أن الطلب الكلي = الاستهلاك الخاص + الاستهلاك الحكومي + الاستثمار + الصادرات – الواردات. وهذه هي عناصر الطلب.

أي أن زيادة الناتج القومي يتوقف على ما تحوزه كل دولة من موارد طبيعية، أو زيادة كمية رأس المال والعمل، أو زيادة كفاءة الإدارة الاقتصادية، أو زيادة إنتاجية هذه العوامل، أو زيادة الطلب الوطني والأجنبي، أو على بعض تلك العوامل أو عليها مجتمعة. والحقيقة أن جانب العرض (أو النفقات) يعتبر العامل الحاسم في زيادة الإنتاج والعمالة أو تخفيضهما، ويطلق عليه اسم “اقتصاديات العرض” (Supply-side Economics).

دور الدولة في ظل اقتصاديات السوق وتأثيره على الإنتاجية

إن كفاءة الإدارة الاقتصادية للدولة في ظل اقتصاديات السوق تلعب الدور الرئيس في التأثير على الناتج القومي والعمالة؛ ونتناول موضوعين أساسيين؛ هما:

– عملية الخصخصة: تؤدي عملية الخصخصة وسياسة تجميد القطاع العام إلى أن يتم بيعه إلى القطاع الخاص إلى تعطيل طاقاته الإنتاجية وتخلف إنتاجيته؛ بسبب توقف استثمارات القطاع العام وتوقف تحديثه وتوسيعه، وبالتالي عدم قدرته على تحقيق فائض، وزيادة خسارة الكثير من وحداته. وفي مثل هذه الحالات فإن المبادرة بالخصخصة وتحميل القطاع الخاص مسئولية التطوير والتحديث تكون هي الأجدر بالاعتبار؛ بدلاً من ترك بعض وحدات القطاع العام لتتدهور اقتصادياتها دون خصخصتها.

– نشاط الشركات متعددة الجنسيات: أصبح من الصعب أن يعرف مصدر إنتاج سلعة ما، ويمكن لشركة عملاقة أن تقوم بإغلاق مصنعها في دولة لكي تفتح مصنعًا بديلاً في دولة أخرى، إذا رأت أن مستوى الأجور أو معدلات الضرائب في دولة أنسب لها من دولة أخرى، وزادت معدلات البطالة في بعض الدول لهذا السبب. وبالتالي فإن تحول النظرية الاقتصادية مرة أخرى إلى العرض (أي أن النفقات هي العامل الحاسم في زيادة الإنتاج والعمالة) بدلاً من الطلب له علاقة بهذه الشركات العملاقة والتمكين لها على حساب الإنتاجية الوطنية.

تعريف إنتاجية العمل:

وفي جانب العرض (أو النفقات)؛ نركز على الإنتاجية وعلاقتها بالعمالة والتنمية؛ كما يلي:

– تميزت العقود الأخيرة بالاهتمام بعنصر العمل؛ باعتباره من أهم عناصر الإنتاج، ولا يمكن لبقية العناصر أن تُستَغل بدون العنصر البشري.

– بما أن الإنتاجية Productivity هي مقياس للاستخدام الفعال للموارد، ويعبر عنها بنسبة المخرجات إلى المدخلات، فإن إنتاجية العمل Labor productivity لها علاقة بالتعليم والتدريب للعنصر البشري لزيادة إنتاجيته وتحسين جودة المنتج. كما أن تحسين أحوال العمالة حتى تقوى على الإنتاج وتبدع فيه؛ يؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية وزيادة نمو الناتج القومي وتحقيق التنمية الشاملة.

العمل في المنهج الإسلامي:

  • العمل هو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان، وهو وسيلة التملك ووسيلة التنمية أو الإعمار، سواء عمل الجسم أو الفكر، وتنمية الثروة تكون نتيجة العمل. واستخدم القرآن الكريم مصطلح الإعمار والإصلاح والتمكين والعمران؛ كدلالة على زيادة الإنتاج والتنمية. قال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾(هود: 61) وعكسها الإفساد في الأرض، ولم يستخدم القرآن الكريم مصطلح التخلف؛ وهو عكس التنمية، لأنه كما هو معروف فإن مصطلح التخلف الاقتصادي يحمل دلالات تحيز تجاه نموذج بشري معين، أما مصطلح الإفساد في الأرض فهو إزالة ما في الأموال من صلاحية ونفع، واستخدام الفساد كمصطلح يعني سوء استخدام الموارد.
  • في مجال إدارة العنصر البشري في ظل الإسلام، يجب على العامل التحلي بالقيم الأخلاقية التي يكتمل بها إيمان المسلم؛ وهي: الصدق – الوفاء – الأمانة – الإخلاص – القوة – التكاتف والعمل في جماعة – إعمال العقل واستثمار العلم – إدارة الوقت، قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(النحل: 79)، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة:7-8).
  • وكما أن العمل في الإسلام مرتبط بالقيم الإيمانية والأخلاقية، فإن تحسين مستوى معيشة العامل هدف للنظام الاقتصادي الإسلامي، فهو قيمة اجتماعية واقتصاديه أساسية. ويوفر المنهج الإسلامي المنطلقات الصحيحة للممارسات التي تهدف إلى تنسيق جهود الموارد البشرية وتوجيهها وإرشادها. يقول رسول الله ﷺ: أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)(متفق عليه)

تطبيق المنهج الإسلامي لمعالجة مشكلات الإنتاجية والعمالة:

يركز المنهج الإسلامي في الإنتاجية والعمالة على ما يلي:

(1) الاهتمام بالإنسان العامل، اختيارًا وإعدادًا وتدريبًا وتطويرًا، وضرورة بنائه إيمانيًّا وخلقيًّا وسلوكيًّا وفنياً.

(2) الحفز والتشجيع، والقيادة والتوجيه، والمساندة والرعاية.

(3) التقويم العادل والموضوعي للأداء.

(4) العمل على حل قضايا العمل وانخفاض الإنتاجية بالتعاون المشترك بين الدول الإسلامية.

ويكون ذلك بالأساليب الآتية:

– نشر الوعي الإسلامي بين فئات العاملين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم.

– تطهير القوانين والنظم الخاصة بالعمل والعمال والأجور من كل ما يسبب الظلم والقهر.

– الاهتمام برفع الكفاءات الفنية ومحاولة تنميتها بالأساليب المعاصرة.

– استنباط أساليب الحوافز التي تشجع العاملين على زيادة جهودهم والتي تراعى تحقيق العدالة بينهم.

– التعاون بين الدول الإسلامية في حل قضايا العمل ؛ يجب أن يكون هدفاَ؛ مصداقاً لقول الله عز وجل: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) كما أن لدى الدول الإسلامية طاقة بشرية هائلة إلى جانب تمتعها بالقوة السياسية والاقتصادية.

الخلاصة:

إن موضوع الإنتاجية مرتبط بالعمالة والتنمية. والمنهج الإسلامي في التنمية يهتم بالجوانب الإيمانية والأخلاقية للعاملين، وهو ما تفتقده النظم الوضعية في التنمية. ويجب التركيز على كفاءة الإدارة الاقتصادية للدولة في ظل اقتصاديات السوق. ويركز المنهج الإسلامي على الموارد البشرية باعتبار أنها هدف ووسيلة للتنمية في نفس الوقت. ولذلك فإن التنمية البشرية والتعليم والتدريب، وحماية حقوق العاملين، وتحفيزهم وتشجيعهم وتمكينهم؛ تعتبر أسس في منهج الإسلام في رفع الإنتاجية والتنمية. والإنتاجية كما أنها مقياس للأداء، فإن المنهج الإسلامي في التنمية يهدف إلى تحقيق الفلاح بالمعنى الشامل كمقياس للأداء. وتوجد مستويات عند تناول موضوع الإنتاجية والعمالة، وهي على مستوى منظمات الأعمال، وعلى مستوى الدولة، وعلى مستوى الأمة ككل.

المصادر:

  1. الاقتصاد المصري وتحديات الأوضاع الراهنة، لمصطفى السعيد، دار الشروق، القاهرة، 1423هـ – 2002م.
  2. البرنامج الاقتصادي الإسلامي في معالجة مشاكل مصر الاقتصادية، لحسين حسين شحاتة، سلسلة بحوث ومقالات في الفكر الاقتصادي الإسلامي.
  3. إدارة السلوك التنظيمي، لعلي السلمي، درا غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2004م.
  4. فقه الاقتصاد الإسلامي: النشاط الخاص، ليوسف كمال محمد، دار القلم، الكويت، 1408هـ – 1988م.
  5. فلسفة علم الاقتصاد، لجلال أمين، دار الشروق، القاهرة، ط5، 2019م.
  6. المدخل إلى النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، لأحمد النجار.