إن الله تعالى سخر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض، وجعل في بعض هذه المسخرات ضررا عليه في ظاهر الأمر لحكمة تخفى تفاصيلها على الإنسان ويعلمها الله وحده، وتبقى هنالك حكمة عامة من وراء بعض الأضرار التي تحل بالإنسان بسبب كارثة طبيعية أو بشرية، وهي لفت نظر الناس إلى الإيمان بأن هناك قوة أكبر من قوتهم، وسلطانًا أعلى من سلطانهم، حتى لا يكفروا بوجود الله، ولا يعصوه إن كانوا مؤمنين بوجوده، مع ما يستفيده أصحاب العقل الراجح منهم من تلك المحن والابتلاءات الناتجة عن الكوارث الطبيعية والبشرية من عبر ومواعظ تمنعهم من أن يتورطوا فيما تورطت فيه الأقوام التي حلت بها تلك الكوارث. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الكوارث التي تنزل بالناس نوعان: كوارث من صنع الله وحده لا اختيار للإنسان في وقوعها وقد يكون سببًا فيها، وتسمى بالكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والصواعق والأعاصير، وكوارث تتدخل فيها قدرة الإنسان واختياره، وتعرف بالكوارث البشرية، كالحروب وحوادث السير وتلوث البيئة. فما هي التوجيهات الإسلامية والإرشادات الشرعية التي يجب أن يلتزم بها المسلم في حالة الطوارئ بسبب الكوارث؟
أولا: توجيهات إسلامية في مواجهة الكوارث الطبيعية
لقد وضع الإسلام خطة شرعية عملية تعالج الكوارث الطبيعية عند نزولها وإصابة البشرية بها، وهي خطة تقوم على ركيزة أساسية نلخصها في دعوة الإسلام المسلمين جميعًا إلى التحرك العملي لمواجهة ما نزل باعتماد إجراء شرعي علاجي يخفف على الناس ما أصابهم من بلاء ومحن، وهذا الإجراء يتمثل في أمور عديدة مستفادة من توجيهات إسلامية كثيرة، أذكر منها:
1- القيام بواجب المواساة والمعونة: لقد حض الإسلام على القيام بذلك من كل قادر عليها من الأفراد والجماعات والمسؤولين، وخاصة إن كانت الكارثة جسيمة لا يمكن أن تواجه إلا بشكل جماعي.
2- تقديم مواساة عينية لمن حلت بهم الكوارث الطبيعية: إن المسلم واجب عليه شرعًا أن يتدخل للإنقاذ ما يمكنه إنقاذه بماله على قدر استطاعته لما تنزل الكوارث الطبيعية بغيره، امتثالاً لتوجيهات الشريعة الإسلامية في باب المواساة، وتطبيقا للهدي النبوي الذي حث على التعاون وعلى تنفيس الكرب عن المكروبين.
ومن التطبيقات العملية لتوجيهات الإسلام في هذا الباب ما نجده من تضامن وتآزر الأشعريين زمن البعثة النبوية لما تنزل ببعضهم الكوارث الطبيعية كالجفاف والجوائح، فاستحقوا بذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم ومدحه، فعن أبي موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال”. إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم أقسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم». قال في الفتح: “أي هم متصلون بي”، وهذا منتهى غاية الشرف للمسلم أن يكون متصلا بالنبي عليه السلام قريبا منه متحليا بأخلاقه ومهتديا بهديه.
3- المشاركة الوجدانية للمصابين بالكوارث الطبيعية: وتتحقق تلك المشاركة بتعزية المصابين وتسليتهم بما يخفف عنهم وقع الكارثة وأثرها، وبدعوة القادرين إلى مساعدتهم ماديًا ومعنويًا، لأن المسلم لين القلب يقدر حاجة غيره بوجدانه ويسعى إلى تحقيقها بفعله، وذلك لعلمه أن من علامات التكذيب بالدين؛ عدم الحض على مساعدة المسكين والمحتاج والمكروب.
4- أخذ المبادرة لإسعاف المنكوبين وإنقاذهم: لقد أوجب الإسلام على من يعلم بحال إنسان في حالة مرض شديد أو جوع يخشى معه هلاك ذلك الشخص أن يبادر إلى إنقاذه، فإن كان عنده فضل من طعام أو شراب أو دواء أو مال يشتري به ما يدفع الهلاك عن ذلك الإنسان وجب أن يدفعه إليه، لأن إنقاذ أصحاب الحاجات من المنكوبين وغيرهم يعد قربة من القربات وصدقة من صدقات الإنسان على نفسه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس”، قيل: وما هي يا رسول الله؟، ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال: إن أبواب الخير لكثيرة؛ التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم وتهدي الأعمى وتدل المستدل عن حاجته وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف فهذا كله صدقة منك على نفسك”.
إن هذا الحديث الشريف جامع لكثير من أبواب الخير التي على المسلم أن يطرقها، منها أبواب الخير التي لا يتعدى نفعها الإنسان إلى غيره، فهو وحده المنتفع بها؛ كالتكبير والتحميد والتهليل والاستغفار، ومنها ما يتعدى نفعه ذلك فينفع المجتمع، فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد ذكر بابا واحدا من الأمور اللازمة النفع ألا وهو الذكر بأنواعه، فإنه قد ذكر ثمانية أبواب متعدية النفع من الفرد إلى المجتمع، وهذه الأبواب الرائعة في الخير تؤصل معنى الترابط والمحبة بين أبناء المجتمع خاصة في الكوارث الطبيعة وحالات الطوارئ، “إنها علامات حضارية بارزة سبق بها الإسلام كل النظم والقوانين التي أولت هذا الأمر اهتماما بعد ذلك، فمن كان يسمع عن هداية الأعمى، وإسماع الصم والأبكم”؟.
ثانيا: إرشادات شرعية في مواجهة الكوارث البشرية
كل الكوارث التي يكون الإنسان سببًا في وقوعها لها إجراءان اثنان للوقاية من أخطارها: الأول وقائي قبل وقوعها، والثاني علاجي بعد وقوعها.
1- الإجراء الوقائي: لقد حذر الإسلام المسلمين من الوقوع فيما يعود عليهم وعلى البشرية جمعاء بالضرر، فدعا إلى السلم والأمان وحبب في الصلح قبل أن تقوم الحرب، فقال تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله﴾، وأمر بعدم ترك المصباح مضاء في البيت عند النوم وقاية من الحريق وآثاره المدمرة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن هذه النار عدو لكم، فإن نمتم فأطفئوها عنكم”، ومضمون الحديث “صورة لما ينبغي اتخاذه في أيامنا هذه من الاطمئنان على التوصيلات الكهربائية في البيوت والمصانع والمؤسسات المختلفة”، وحض على النظافة في كل شيء وجعلها شرطا لصحة العبادات، ونهى عن كل ما يتنافى مع النظافة مما له تأثير سلبي على البيئة، فحرم البول والغائط في موارد المياه وقارعة الطريق ومواضع الظل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللاعنين» قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال”: الذي يتخلى في طرق الناس أو في ظلهم”، وأمر بالتوسط والاعتدال في الأكل والشرب للوقاية من الأمراض، فقال تعالى: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾، وحرم أطعمة ومشروبات ضارة كالتي نص عليها قوله تعالى: ﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام﴾، وحذر من التعرض للعدوى، فقال عليه الصلاة والسلام”: إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، كما حذر من أي شيء يعوق حركة السير على الطرق العامة أو يؤذي المارة وقاية من أخطار الطرق والمواصلات، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم»، ومن أجل سلامة المارين في الطرق العامة نهى صلى الله عليه وسلم عن التزاحم والسرعة في الأماكن الضيقة، فقد ورد أنه عندما فاض من عرفات وسمع وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل أشار بسوطه وقال: «أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع”.
2- الإجراء العلاجي: ويكون بالتدخل السريع لإيقاف الخطر وإنقاذ المصابين، ويعتبر من لم يقم بهذا الإجراء مع القدرة راضيا بالخطر الذي حل بغيره، والرضا بالخطر في المنظور الشرعي مشاركة فيه وفي تبعاته، وهو دليل على الإهمال وعدم الاهتمام بأمر الجماعة التي يعيش في وسطها الإنسان المسلم، ومن أجل أخذ المبادرة والمسارعة إلى القيام بما يتطلبه الإجراء العلاجي للتخفيف من هول الكارثة ووقعها، لئلا يتهاون المسلم في هذا الأمر ويكون سببا في هلاك غيره أو نزول الضرر به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم”: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما أن الإجراء العلاجي يتطلب من المسلم أن يقوم بواجب المواساة لمن حلت بهم الكوارث البشرية، وأن يقدم لهم يد العون والمساعدة المادية والمعنوية، وأن يأخذ المبادرة ليدعو غيره إلى التضامن والتآزر معهم عملا بما تدعو إليه الشريعة الإسلامية من التراحم والتآزر.