علم الأحياء (Biology) هو علم طبيعي يشمل مجالات متنوعة بما في ذلك علم النبات وعلم الحيوان وعلم المناعة والتكنولوجيا الحيوية والعديد من التخصصات الأخرى. ومن فروعه علم الطيور (Ornithology) (علم الطيور) مشتقة من الكلمة اليونانية القديمة “أورنيس” (“Ornis”) التي تعني الطيور ومن “لوغوس” (“logos) بمعنى النظرية، والتي تشير إلى نظرية الطيور.
علم الطيور هو فرع من علم الحيوان الذي يتعامل بشكل أساسي مع الدراسة المنهجية للطيور، بما في ذلك بيئتها وتطورها وعلم وظائفها وموائلها المفضلة وشكل جسمها، وعضلات الطيران المتطورة، والمظهر الجسدي، والموائل، إلى جانب أنماط هجرتها.
هناك العديد من العلماء الذين ساهموا بحياتهم في أبحاث واكتشافات الطيور وتطورها. ومن أبرزهم سالم علي عالم الطيور الهندي.
من هو سالم علي؟
سالم علي عالم طيور هندي وعالم طبيعي عبقري كرس حياته كلها لدراسة الطيور ورصدها. وقد أثرى مجال علم الطير بمساهماته الباهظة. وهو مشهور برجل الطير للهند (The bird man of India). كان سالم علي أول هندي يقوم بإجراء مسوحات منهجية للطيور في الهند والخارج. وقد كتب العديد من كتب الطيور التي جعلت علم الطيور أكثر شعبية بين الهنود. يعتبر عمله البحثي مؤثرًا للغاية في تطوير علم الطيور. وقد حاز على عدة جوائز وتكريمات في مشوار حياته الأسطورية.
ولد سالم العلي في مدينة ممباي في الهند سنة 1896نوفمبر 12. اسمه الكامل سالم محي الدين عبد العلي. نشأ سالم علي تحت رعاية خاله أمير الدين تيبجي، بعدما فقد أباه في عمره الأول وأمه في عمره الثالث. وقد بدأ سالم العلي مشوار دراسته في كلية “سنت سيوير” بمومباي. وقبل أن يتم دراسته فيها توجه إلى برما (Burma) مع عائلته ودرس فيه سبع سنوات.
وبعدما رجع إلى مومباي واصل دراسته في كلية “دافار” في الهند. ذهب لدراسة القانون التجاري والمحاسبة في كلية التجارة في دافار (Davar) ولكن كان اهتمامه الأكثر بالعلم الطبيعي، شجعه “الأب” بلادر من كلية سنت سيوير بعد اطلاعه على رغبته الملحة في دراسة العلم الطبيعي على دراسة علم الحيوانات.
بداية مشوار حياته كصياد الطيور
كان الصيد هواية سائدة في الهند آنذاك وخاصة للبريطانيين الذين أقاموا في الهند تلك الفترة. وهكذا كان خاله أيضا صيادًا مشهورًا ذا خبرة فائقة في هذا المجال. فترعرع سالم في كنف خاله وهو يلاحظ ما يصنعه خاله من الممارسات بما في ذلك صيد الطيور. احتذاء بحذو خاله، أصبح سالم أكثر اهتمامًا برياضة الرماية بدعم من خاله. وفي غضون بضع السنوات ركز سالم اهتمامه بشكل كلي على عملية الصيد. فبدأ أن يقلد خاله في جميع أعماله حتى صار منهمكا في متابعة الطيور في محيط منزله وإطلاق رصاصات بمسدسه الهوائي. وكان يرصد الطيور وحركاتها وطيرانها وما إلى ذلك بتعجب للغاية. وكان يدون كل يوم جميع تجاربه مع الطيور في مذكراته.
ففي إحدى المرات أثناء ممارسة عملية الصيد في محيط منزله، اتفق سالم أن يرى عصفورًا من الذكور وآخر من الإناث وهما فوق شجرة، والأنثى منهما باضت بيضات والعصفور الذكر يجثم عليها ليحميها. ذاك الوقت أطلق سالم على العصفور الذكر بمسدسه الهوائي، وأسقطه من فوق الشجرة، فذاك الوقت رأى العصفورَ الأنثى تنطلق باحثة عنه، وبعد برهة من الزمن، عادت ومعها شريك آخر من جنس الذكر وهو يجثم على البيضات. وأسقط سالم أيضا هذا الشريك إلا أن الأنثى أقامت مقام الساقط بعد وقت قصير، وهكذا استمر هذا المشهد، وكلما أسقط سالم عصفورا واحدا تلو واحد تقيم العصفور الأنثى شريكًا آخر مقام العصافير الساقطة. وقد دون الملاحظات لتلك المشاهد العجيبة في مذكرته في الوقت نفسه.
نقطة تحول
ومثل ذلك جرت حادثة أخرى غريبة في طفولته، وذاك عندما كان سالم في العاشرة من عمره، مرة أطلق عصفورا غريب المظهر، بمسدس الهواء الذي منحه خاله، ثم رصده فاتفق أن يلاحظ في أسفل رقبته لونا في نوع خاص يشبه اللون الأصفر. فاندهش من هذا ولم يستطع أن يحدد جنس هذا الطير ونوعه، وركض به إلى خاله استفسارًا عنه ولكن تعذر تحديد نوعه وتمييزه، لم يتمكن من شرح المزيد عن هذا العصفور.
وأخيرا أرسله إلى ” أس ملارد” (Millard) الأمين العام لمجتمع التاريخ الطبيعي ببومبا (Bombay natural history society) رحب به دبليو واستقبله بحفاوة كبيرة وحنان للغاية. وحدد هذا الطير بأنه من نوع العصفور ذي الحنجرة الصفراء( Yellow throated sparrow- petronia xanthocollis) هذه الحادثة الفريدة قد غيرت مجرى حياته كلها وأعطت الهند أفضل عالم طيور.
ثم ذهب ملارد به إلى مختبره وعرض له مجموعة رائعة من الطيور في المجتمع، ثم فتح عدة غرف فيه وعرفه بالطيور المتنوعة في الهند. ومن هنا ولج سالم علي إلى عالم الطيور الواسع.
وبينما كان سالم علي يعيش في بورما مع عائلته، اعتاد على زيارة الغابات المحاطة بالمنطقة التي كان يسكن فيها، والاستمتاع بجمالها الطبيعي ومراقبة ما فيها من الحيوانات والطيور. وقد أتاحت له تلك الغابات فرصة لصقل مهاراته الغريزية وتجديد علاقته بالبيئة الصافية، كما سنحت له الفرص للتعرف على بعض من خادمي الغابات وحماتها والاستفادة من خبرتهم بما فيهم هوبوود (Hopwood)، وبرتولد ربنت دروب (Berthold Ribbentrop).
وبعد ما انتهت مرحلته الدراسية اختير في منصب المحاضر المساعد في قسم العلم الطبيعي في متحف برنس أوف ويلس بممباي (Prince of Wales Museum in Mumbai) .
رحلاته بخصوص البحث عن الطيور
اتجه سالم إلى ألمانيا سنة 1928 لمواصلة دراسته في متحف التاريخ الطبيعي في برلين تحت إشراف إرون سترسمان (Erwin Stresemann) للحصول على مزيد من التدريبات في هذا المجال. وقد أتيحت له فرص للتعرف بعلماء الطيور فيها والعمل معهم، الأمر الذي زاد تجاربه ومهارته في ذاك المجال. ومن أبرزهم برنادرنش ( Bernhard Rensch)، أوسكار هرينوت (Oskar Heinroth، ) إيرنست ميير (Ernst Mayr).
وقد لعبت الجولات إلى الدول الأخرى بالإضافة إلى ألمانيا، دورًا محوريًّا في شحذ مهارته في مجال التدريبات. وأصبح ضيفا رئيسيا في المجامع المتعددة ممثلا للهند.
وفي سنة 1935 قام الملك الأعظم في ترفدامكور (Thiruvithamkur) (كيرلا) بتخطيط مشروع لدراسة الطيور في مناطق كوتشي. وبعد الاطلاع على هذا الخبر سالم مسؤولي مجتمع التاريخ الطبيعي ببومبي (BNHS) عن رغبته على القيام بهذا المشروع. فلبوا رغبته وبعثوه لهذا مثمنين حرصه الدراسي. وهكذا بدأ دراسته عن الطيور في كيرلا في أحد كوخ. وقد ساعدته زوجته على تدوين المعلومات المجمعة. وأثناء رحلته وصل في منطقة تديكاد (Thattekkad) واطلع على ثروة الطيور هناك واتخذها مركزا لدراسته.
وواصل دراسته في عدة مناطق فيها بما في ذلك جالكودي (Chalakkudy) وفرمفكولم (Parambukulam) ومونار (Munnar) وكوملي (Kumili) وغيرها من الأماكن. وقام بتأليف كتاب باسم “الطيور في كيرلا” ملبيا لحاجة سير سي بي رامسوامي أير (Ramaswami ayyar). وعلى الرغم من أنه عانى من عدة أمراض في مرحلة حياته الأخيرة إلا أنها لم تثنه عن مهمته أبدا. وقد بذل جهودا مضنية في تحويل غابات بهرتبور (Bharathpur) إلى مركز السباع والوحوش وتأمين حماية غابات سيلانت والي (Silent vally).
جهوده المكثفة في توسيع دائرة علم الطيور
وقد بذل سالم العلي جهودًا مضنية ومستميتة في تطوير مجال علم الطيور، وقد حاول محاولة جبارة في تحصيل الدعم والتمويل لمؤسسات علم الطير في الهند من قبل الحكومة وتوفير التسهيلات والمرافق الكافية. كان سالم علي حريصا للغاية في ضمان بقاء جمعية بومباي للتاريخ الطبيعي (BNHS)وقد بذل قصارى جهوده لرعايتها وإعلاء مستوياتها. وقد كتب إلى رئيس الوزراء آنذاك بانديت نهرو (Pandit nehru) من أجل توفير المساعدات المالية الكافية للمؤسسة التي حققت إنجازات مبهرة في غضون قرن.
وقد ساعد في إنشاء وحدة علم الطيور الاقتصادي داخل المجلس الهندي للبحوث الزراعية في منتصف الستينيات. وقد تمكن أيضًا من الحصول على تمويل لدراسات الهجرة من خلال مشروع لدراسة “مرض غابات كياسنو (Kyasanur forest disease) وهو فيروس ينتقل عن طريق مفصليات الأرجل ويبدو أنه يشبه مرضًا ينتقل عن طريق القراد في سيبيريا. وقد حصل على التمويل الجزئي من الأمريكا من صندوقه التمويلي. أشرف علي أيضًا على مشروع لمجتمع التاريخ الطبيعي ببومباي(BNHS) للحد من هجومات الطيور في المطارات الهندية.
لم تقتصر خدمات سالم على البحث والدراسة عن الطيور فحسب، بل ساهم أيضًا في مجال حماية الطبيعة ومراكز الحيوانات والطيور. وأصبح له تأثيرا كبيرا على القضايا المتعلقة بحفظ أماكن الطيور في الهند بعد فترة الاستقلال. وقد اتخذ إجراءات لازمة تتعلق بها بدعم من رئيس الوزراء جواهر لال نهرو وإنديرا غاندي. تأثرت إنديرا غاندي التي كانت متحمسة لرصد الطيور، بكتب طيور علي. وقد حصل على جائزة دولية تبلغ قيمته خمس مائة ألف روبية هندية، ولكنه تبرع بكل الأموال لجمعية بومباي للتاريخ الطبيعي.
وقد كان سالم علي مهتمًا أيضًا بالنواحي التاريخية لعلم الطيور في الهند، وقد قام بإجراء دراسة مستفيضة عن مساهمات الأباطرة المغولية في التاريخ الطبيعي في سلسلة من المقالات. وتحدث في المحاضرة التذكارية لسوندر لال هورا (Sunder Lal Hora) (عالم الإكتولوجيا الهندي) عام 1971 وفي المحاضرة التذكارية لعام 1978 عن تاريخ وأهمية دراسة الطيور في الهند.
وقد لعب سالم العلي دورًا حاسمًا في توجيه الكثير من الأشخاص إلى هذا المجال وخاصة بعض من أفراد عائلته. فإن ابن عمه هومايون عبد العلي قد وضع بصمته في مجال علم الطيور حيث قام بمساهمات باهظة فيه. وهكذا ابنة أخته أولت عناية بالغة في شؤون الطيور ورعايتها وتجهيز التسهيلات والمرافق لحمايتها كما برعت في دراسة علم الطيور. وقد تزوجت من ظفر فتالي ابن عم علي البعيد الذي أصبح الأمين العام لـمجتمع التاريخ الطبيعي ببومباي (BNHS)وقد لعب دورا رئيسيا في تطوير دراسة الطيور من خلال التواصل مع مراقبي الطيور في الهند. وقد اهتم ابن أخيه شهيد علي أيضًا بعلم الطيور وأخذ أيضا سهمه في جعل هذا الفرع العلمي شعبيا.
الجوائز والتكريمات
حاز سالم على عدة جوائز والدكتوراه الفخرية في مشوار حياته الأسطورية. ومن أولاها “ميدالية “جوي جوبندا لو الذهبية” (Joy Gobinda Law Gold Medal)” في عام 1953 التي منحتها الجمعية الآسيوية في البنغال. وفي عام 1970 حصل على وسام سندر لال هورا التذكاري (Sunder Lal Hora memorial Medal) من الأكاديمية الوطنية الهندية للعلوم. وقد تلقى دكتوراه فخرية من عدة جوامع بما في ذلك جامعة على كرة الإسلامية (1958) وجامعة دلهي (1973) وجامعة أندرا (1978). وفي عام 1967 أصبح أول مواطن غير بريطاني يحصل على الميدالية الذهبية لاتحاد علماء الطيور البريطاني. في العام نفسه، حصل على جائزة للحفاظ على الحياة البرية على اسم “جى. بول جتي” (J. Paul Getty Wildlife Conservation Prize) تقدر بمبلغ 100،000 دولار أمريكي، رصدها لصندوق سالم علي لحماية الطبيعة.
وقد حصل سالم على ميدالية جون سي فيليبس التذكارية (John C. Phillips memorial medal) للاتحاد الدولي لحفظ البيئة والموارد الطبيعية في عام 1969. وقد منحته أكاديمية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية للعلوم الطبية وسام بافلوفسكي المئوي التذكاري (Pavlovsky Centenary Memorial Medal) في عام 1973. وقد كرمته الحكومة الهندية بجائزة بادما بوشان (Padma Bhushan) في عام 1958 وبادما فيبوشان (Padma Vibhushan) في عام 1976. وتم ترشيحه إلى مجلس البرلمان الهندي عام 1985.
مؤلفاته
كتب سالم علي العديد من الكتب الأكاديمية والمقالات الصحفية، ومن أشهر مقالاته “توقف عند الغابة صباح يوم الأحد” التي كتبها في عام 1930. كان أكثر أعماله شهرة هو “كتاب الطيور الهندية” الذي نُشر لأول مرة في عام 1941، ثم تم نقله بعد ذلك إلى عدة لغات مع العديد من الإصدارات اللاحقة. لقد لقي هذا الكتاب قبولا واسعا لدى الشعب الهندي. وكان كتاب “طيور الهند وباكستان” من أروع كتبه المكون من عشر مجلدات. بدأ هذا العمل في عام 1964 وانتهى في عام 1974. وقد تم تأليف الكتاب الذي يغطي جميع طيور الهند كدليل تصويري بالتعاون مع جون هنري ديك وديلون ريبلي في عام 1983. يصف الكتاب طيور شبه القارة، ومظهرها، وموطنها، وعادات التربية، والهجرة.
وقد قام بكتابة عدد من التقارير الميدانية الإقليمية، بما في ذلك طيور (ولاية) كيرلا(Kerala)، وطيور (ولاية) سكيم (Sikkim) وطيور (ولاية) كجرات (Gugarth) وطيور التلال الهندية وطيور جبال الهيمالايا الشرقية. وقد كتب سيرته الذاتية “سقوط العصفور” ( The Fall of a Sparrow) سنة 1985. وقد تم جمع ما كتب في مجلدين عام 2007. وقد قام بتحريره تارا غاندي (Thara Gandi) أحد طلابه.
توفي الدكتور سالم علي في بومباي في 20 يونيو 1987 بعد معركة طويلة مع سرطان البروستاتا.