أول من أكتشف فصائل الدم قبل أكثر من 100 عام، كان العالم النمساوي “كارل لاندشتاينر” من جامعة فيينا وكان ذلك في سنة 1900م وحاز جائزة نوبل على ذلك الاكتشاف.
ومنذ ذلك الاكتشاف وفصائل دم الإنسان معروفة وتنقسم إلى أربع فصائل وهي O AB B A، ولكن ما الذي يجعل فصائل الدم مختلفة بهذه الطريقة مع أن كرات الدم الحمراء في جميع البشر متشابهة من حيث التركيبة البيولوجية؟ وهل فعلاً من الممكن تغيير فصيلة دم الإنسان كما يشير العنوان المثير لهذا البودكاست؟
صحيح أن كرات الدم الحمراء عند جميع البشر تتشابه شكلاً ووظيفةً، ولكن ما يعطي الصفات الفريدة للكرات الحمراء ويجعلها تُصنف في أربع مجموعات هو تواجد أو غياب جزيئات كربوهيدراتية ملتصقة على سطح الغشاء الخلوي لكرات الدم الحمراء. فبالتالي تم تقسيم أنواع كرات الدم الحمراء إلى أربع فصائل وذلك حسب التفاعل المناعي بين هذه الجزيئات الكربوهيدراتية والأجسام المضادة الطبيعية داخل جسم الإنسان. ولذلك فثلاثة من تلك الفصائل المختلفة يوجد على سطح خلاياها جزيئات كربوهيدراتية مختلفة عن بعضها البعض، وهي الفصائل AB B A أما الفصيلة الرابعة فلا يوجد على سطح خلاياها أي جزيئات كربوهيدراتية، فسميت بالفصيلة O. وعلى هذا الأساس فإن المريض ذو الفصيلة A لا يستطيع أن يتلقى دم إلا من فصيلة A لأن جهازه المناعي سيهاجم أي نوع دم آخر بسبب وجود تلك الجزيئات التي يعتبرها جزيئات غريبة، وبالتالي عدوة. ونفس الشيء يحصل في المريض ذو الفصيلة B. ولكن من جهة أخرى فإن نفس المريض يستطيع أن يتلقى دم من فصيلة O لأن هذه الفصيلة أساسًا لا تحمل أي جزيئات كربوهيدراتية على سطح خلاياها فبالتالي لا يتعرف عليها جهاز المناعة ولا يهاجمها.
وفي دراسة حديثة قام بها عالم الكيمياء الحيوية في جامعة كولومبيا البريطانية ستيفن ويذرز والتي أذيعت نتائجها في مؤتمر الجمعية الكيميائية الأمريكية في 21 أغسطس 2018 في بوسطن، أوضحت هذه الدراسة أن هناك بعض أنواع من البكتيريا تعيش في الجهاز الهضمي لجسم الإنسان تستطيع أن تنتج أنواعاً من الإنزيمات لها القدرة على انتزاع الجزيئات الكربوهيدراتية من على سطح كرات الدم الحمراء والتي سبق أن قلنا إنها هي السبب في تقسيم الدم إلى فصائل أربع. وقد تم إثبات تلك النتائج في تجارب أجريت في المختبر.
تعتبر هذه الدراسة بالغة الأهمية لسبب رئيسي وهو أن تلك الكربوهيدرات التي تحدد هوية وفصيلة الدم هي نفسها التي قد تسبب الموت للمرضى الذين يتلقون دم ذو فصيلة مختلفة، فاختلاف فصيلة الدم بين المريض المُتبرَع له والدم المُعطى له، يسبب ردة فعل مناعية كبيرة ومدمرة بحيث أن الأجسام المضادة في جسم المريض سوف تعتقد أنها تتعرض لهجوم مرضي، فتهاجم الدم المعطى للمريض، مسببةً جلطات دموية واسعة النطاق مما يودي بحياة المريض. وقد أثبتت الدراسات المذكورة أن إنزيمات البكتيريا المتواجدة في الجهاز الهضمي للإنسان تستطيع أن تنتزع الكربوهيدرات من أسطح خلايا الدم الحمراء وتتغذى عليها فبالتالي تتحول فصائل الدم كلها عمليًّا من A أو B أو AB إلى O والتي كما أسلفنا لا تحتوي على تلك الجزيئات، وهذا يؤدي إلى عدم تعرف الجهاز المناعي للمريض عليها، ومن ثم فمن الممكن إعطاء فصيلة دم O لأي مريض بدون أي عواقب وخيمة، فَسُميت هذه الفصيلة بالمعطي العام.
وهكذا، وبفضل هذه البكتيريا فإنه يمكن انتزاع جزيئات الكربوهيدرات من على سطح كرات الدم الحمراء لجميع أنواع فصائل الدم فتتحول بذلك إلى كرات دم حمراء بدون جزيئات كربوهيدراتية على سطحها، -أي بمعنى أدق- تتحول عمليًّا إلى الفصيلة O المعطي العام الذي يحتاجه جميع المرضى. ولكن الأبحاث لا زالت جارية للحصول على إنزيمات ذات كفاءة عالية للقيام بالمهمة على أفضل وجه. حيث أفاد الدكتور “ويذرز” في بحثه القيم أنهم بدلاً من استزراع كميات ضخمة جدًّا من هذه البكتيريا في المختبر لاستخلاص الإنزيمات المطلوبة، فقد توصلوا إلى استخلاص الحمض النووي DNA من بكتيريا الجهاز الهضمي للإنسان، واستطاعوا من خلال حمضها النووي تركيب الإنزيمات الخاصة التي تملك القدرة على انتزاع الجزيئات الكربوهيدراتية. ولكن إلى الآن فإن عملية تغيير فصيلة الدم مكلفة من الناحية المادية بسبب تكلفة تحضير الإنزيمات المستخلصة من الحمض النووي للبكتيريا، وكذلك بسبب الاحتياطات الكبيرة المكلفة التي يتم اتخاذها لتجنب الأمراض الخطيرة المعدية التي تنتقل عن طريق التبرع بالدم. حيث إن معالجة الدم بالإنزيمات يتم على كل كيس دم صغير على حدة، ولا يمكن بتاتًا خلط الدم من المتبرعين تفاديًا لانتقال الأمراض. وكنتيجة لذلك فإن التكلفة المادية تصبح عالية، ولذا فالتحدي القادم يكمن في القدرة على خفض هذه التكلفة.