تذكرت كيف تمنت لو زارها النسيان يوما في عهدها السالف. حينما كانت تعاني من ويلات الغدر والجحود، بعدما تحالفت مع لحظاتها لتعيش جحيما عاجلا ..
هاجمتها الجراح بلا هوادة، وغدت الآلام لا تبارحها ولو لثانية، إن حدث وزارها فرح أو طيف ارتياح يكاد كيانها ان يتلاشى من ذلك الشعور الذي لم تعتد عليه.. فلم تخلق هي إلا للتعاسة والحزن ، هي كيان مأساوي يعيش على الألم ويتغذى على الجراح ، .تكاد تموت ان باغتتها السعادة أو طاف بحياتها السرور..
بحثت عن النسيان حتى يتسنى لها الحياة كباقي البشر ينسون ويسعدون ثم يتألمون ثم يفرحون ثم ينسون ثم يتعذبون ثم يوآسون ويتجرعون الألم والمرارة بعدها يأتيهم النسيان فينسون وهكذا هي الحياة ..
هي لا ترغب في حياة استثنائية أبدا بل تريدها عادية جدًا بها تضاريس الحياة الإنسانية من منحنيات الإحباط ومنعطفات الأمل وهضاب الإخفاق وجزر الألم والحب والعذاب والنجاح والفشل والشجن وبحيرات الشهد والسهد ومرتفعات الصعاب وضباب الحيرة …
فجأة دخل عالمها الضيف الذي تمنته كثيرا ” النسيان” إلا أن ما أحارها أنه استقر لديها والتصق بها وظل رفيقا لها و بها ..
كانت سعادتها ولكن طال مكوثه في محطتها. حاولت الفرار منه لكن اخذ يسطو على خططها و أحلامها وأفكارها ومكنون ذاتها . كلما همت لتزيحه رويدا وجدته يتصدى لها ويدخلها معارك عقيمة ليس بها إلا مبارزات لا طائل منها سوى التعتيم على مقتنياتها .
كم كان ضيفا تتمنى لو زارها.. أصبح اليوم ضيفا ثقيلا تريد التخلص منه كلما سنحت لها الظروف وكلما طاوعتها الحيل لتنفض غباره عنها وعن كل ما لديها فقد أسعفها وأنساها ما تريد وبدأت في عالمها الجديد وعليه أن ينسحب فورا قبل أن يطمث لديها كل شيء..
في رحلتها المضنية للتخلص منه لجأت للدجالين والعرافين مدوا إليها ايادهم بلهفة فهي صيد ثمين وأخذوا يرمون شباكهم عليها وعلى كل من حولها .. استعانت بتعاويذهم وطقوسهم وتعليماتهم .. أصبحت لا تخطو خطوة إلا بعلمهم بحجة أنهم يمهدون لها الأجواء لتسعى في طريقها نحو الشفاء..
اكتشفت أنها دخلت في سيطرة هؤلاء عندما حاولت التخلص منهم سلطوا عليها قرناءهم ليرهقوها . ليعيدوها لعالمهم المزيف من جديد لكنها أدركت أن لا شفاء من كل هذا إلا بالتقرب إلى الله وكتابه البديع . مضت في مسيرتها وإذا بالنسيان يبتعد عنها وإذا بالأبواب تفتح وبالسرور يملأ أجواءها والمسرة ترنم اغرودتها وتنشر أريجها في كل لحظة وكل خطوة..