طافَ الوباءُ بقاع الأرضِ يستلبُ *** ويُهلكُ الناسَ أفواجًا ويحتجبُ
الناسُ فيه سُكارى والردى عجلٌ *** والطبُ أعجزه من سره العجبُ
ضاقت به الأرضُ لم يأمنْ بها أحدٌ *** حتّى الملوك ومن في السّلطةِ ارتعبوا
منْ بات تُبهرُه الدنيا بزُخْرفِها *** قد أيقنَ الصبحَ أنْ الأرضَ تضطربُ
من ظنّ دهرًا بأنّ الخُلد مكمنُه *** قد أيقنً اليوم أنّ البعثَ يقتربُ
هذه العواصمُ أشباحٌ مُكدرةٌ *** والحجْرُ فيها سجونٌ حولها الوصبُ
طال الوباءُ كنارٍ كل عاصمةٍ *** وقد تعالى على بنيانها الخشبُ
أين المفرّ وهذا الداءُ يسبقُهم *** لأيّ ركن لقاهم حيثما انقلبوا
كما يساقون للموتِ القلوبُ هوت *** بل كالذين لأبوابِ اللّظى حصب
ما لا تراه عيونُ الخلق أرعبهم *** حتّى البعيدون من أخباره نُكبوا
لا ينفعُ الداءَ طبّ جادَ مشرطه *** أو ينقذُ المالُ منْ للمال يغتصبُ
أين الجيوش وذكر الداء أفزعها *** أين العلوم وقد حارت بها النخبُ
فليعرف المرءُ مهما طال مقدرةً *** للجهل والعجز والأملاق ينتسب
هذا بلاءٌ لعلّ الناسَ من فزع *** لله تخشعُ حتّى تنجلي الخطبُ
نستغفرُ الله حين الموتُ يحضرنا *** ونقرأُ الذكرَ حين الداءُ يلتهبُ
تضرّعوا يا عبادَ الله وابتهلوا *** يأتي الخلاصُ ويعلو للشفا السببُ
يا كاشف الضر عن أيوب حين دعا *** اكشفْ بلاءك فالأرواح تنتحبُ
أغثْ عبادك ما للناسِ من حيلٍ *** وقد تفشّى بهمْ من ظلمهم نَكِبُ
بالصبر والطب والإيمان نهزمه *** وبالدعاءِ وعند الله نحتسبُ
إن البلاء الى الإنسان مدرسةٌ *** والمؤمنون همُ رغم الأذى كسبوا
للأتقياءِ هو المنجا بما صبروا *** وللجناة مجازاةٌ بما ارتكبوا
كلّ ابتلاءٍ سيأتي بعده فرجٌ *** مثل البراري تشافي ملحها السحبُ
سيذهبُ الداءُ لكن بعده محنٌ *** حين الحياة علاها الظلمُ والكذبُ
لا تجزعنّ إذا ما الداء محتكم *** أو تقنطنّ إذا ما الموت منتشبُ
ما مات عبدٌ وانْ في الموت مولده *** إلّا بأمر من الجّبار مُكتتبُ
استغفروا الله وابقوا في مَساكنكمْ *** هذي سفيْنة نوحٍ مَنْ نَجَوْا رَكبوا