تعتبر العين بمثابة شاشةِ رصدٍ للتغيرات التي قد تتعرض لها مختلف مناطق الجسم، حيث يمكن اكتشاف العديد من المشاكل الصحية من خلال فحص العين، لذلك يقال “إن العين مرآة الجسد”، أو “اعرف صحتك من عينيك”. وقد أكد باحثون أن فحص العين غالبًا ما يكشف عن العديد من المشاكل الصحية الخافية عن الإنسان ومن ضمنها أمراض خطيرة، ولكن كيف ذلك؟
ذكرت دراسة بريطانية نشرتها مواقع إلكترونية عديدة منها مجلة “ويب ميد” الأمريكية، أن العديد من الأمراض التي يعاني منها الجسم، يمكن الكشف عنها من خلال لون وشكل العين، على غرار ما يراه الأطباء من تغير في شكل أظافر الإنسان وبشرته.
فلون العين يدل على الإصابة بأمراض معينة؛ فمثلاً صفار بياض العين، قد يعني ارتفاع نسبة الصفراء في الدم، أو وجود مشاكل التهابات الكبد، أو انسداد بالقنوات المرارية، أو وجود أورام في الرأس، أو قصور بالغدة الدرقية، أو ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم.. كما أن احمرار بياض العين، قد يكون مؤشرًا على وجود التهاب بالكبد، أو ارتفاع ضغط الدم، أو الإصابة بالسكري.. وهذه الحلقة البيضاء التي تظهر حول الجزء الملون من العين، هي في الواقع قوس قرني وهو عبارة عن تراكم للدهون في العين، وهذه نتيجة طبيعية للتقدم في العمر، ولذلك يعتبر الأمر متواترًا وغير ذي أهمية عند الذين تجاوزوا عمر الستين. لكن في حال ظهور هذه الحلقة قبل عمر الخمسين، فإنها قد تكون مرتبطة بارتفاع مستوى الكوليسترول، أو التريجليسريد في الدم، وكلاهما من عوامل الخطر المسببة للأمراض القلبية الوعائية. وتعتبر الدموع الغزيرة في العينين مؤشرًا على حدوث ضرر في العين نفسها، ويرى المختصون أن ذرف الدمع العفوي المترافق مع ألم في العين، يمكن أن يدل على عدوى فيروسية، أو دخول جسم غريب وحدوث ضرر معين في قرنية العين. وذكرت الدراسة أن العين الحمراء هي مشكلة تبدو شائعة، لكنها إن استمرت فإن ذلك يكون مؤشرًا على مرض في الغدد، أو نوع من الحساسية من جسم غريب قد لا يرى أبدًا بالعين المجردة.
ماذا عن باطن العين؟
شبكة العين التي تبطن قاعها عبارة عن نسيج حساس، وبها شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة، ما يسمح بعكس صورة أحوال صحة الجسم، خاصة الدورة الدموية والتأثيرات المختلفة للأمراض على شرايينها.
حدقة العين تسمى “شباك أو نافذة الجسم”، حيث تدلنا الرؤية من خلالها على وجود العديد من الحالات المرضية ومتابعة مدى تطورها. وقد تحدّث الدكتور “ليون فانيه” عن العلاقة الوثيقة بين صحة الحدقة (البؤبؤ) وبعض الاضطرابات الجسدية أو السيكولوجية.
فانقباض الحدقة يعنى إما التهاب الشبكية، وإما وجود جسم غريب في القرنية، أو التهاب السحايا، أو تسمم الدم بالبول، أو هزال نتيجة مرض مزمن، أو تسمم الجسم بواسطة المخدرات والكحول.. كذلك فإن تمدد الحدقة هو دليل على زَرَق العين، أو صدمة جرحية، أو مرض السفلس، أو انسجام بالجفن.. أما في حالات التمدد المستمر، فهذا دليل على التسمم بإحدى المواد المسممة كالكوكايين أو الأتروبين. إذن، فكل تغيير في شكل الحدقة -انقباضًا أو تمددًا- هو نتيجة مباشرة لمرض عضوي يجب البحث عنه لمعالجته.
كذلك الأمر في حال حدوث تطاول عامودي للحدقة، يعنى احتقان الدماغ. وكل تطاول أفقي يعني اضطراب مركز الدماغ والغدد أيضًا، وخاصة الدرقية والنخامية والبصلة السيسائية. وفي مرض ارتفاع ضغط الدم يحس المريض بغشاوة أمام عينيه في بعض الأحيان، وذلك نتيجة تمزق بعض الأوعية الشعرية الدفينة، وعند فحص قاع العين يتبين وجود تصلب في الشرايين، أو أنزفة، أو ارتشاحات بالشبكية، أو تورم في حلمة العصب البصري.. وفي هذه الحالة ينصح المريض بعلاج مرض السكري، أو تخفيض ضغط الدم. وفي أمراض الكلى كثيرًا ما تظهر جيوب تحت جفون العين، بالإضافة إلى ارتشاحات زائدة قد تؤدي إلى انفصال شبكي ثانوي.
أما في تسمم الحمل فينصح طبيب العيون بأخصائي الولادة، بسرعة إجهاض الحمل؛ خوفًا على حياة الأم إذا وجد في قاع العين علامات خاصة، مثل ضيق الشرايين والانفصال الشبكي الثانوي الناتج من الارتشاحات. كما أن أمراض القلب يمكن كشفها بتغير لون العيون التي تصبح زرقاء، وهذه الزرقة دليل على فقر الدم.
أما في زيادة الضغط داخل الجمجمة، سواء الحميد أو الناتج عن وجود أمراض بالمخ، فقد يكون رأيَ طبيب العيون العاملُ المساعد لأخصائي الأعصاب أو جراح المخ، في تقدير العلاج الناجح للمريض، إذ إن ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، قد يؤدي إلى تورم حلمة العصب البصري، أو شلل في عضلات العين، أو جحوظ العين، أو ضمور العصب البصري، وينقذ العلاج المبكر في الوقت المناسب، المريضَ من فقد البصر. وفي الروماتيزم قد تتأثر العين بالاحمرار نتيجة التهاب الصلبة، أو بياض العين، أو التهاب القزحية والجسم الهدبي.
يقول “ميتشل مونسون” رئيس جمعية البصريات الأمريكية: إن التهاب العصب البصري هو أحد الأعراض التي تكشفها العين، وتدل على الإصابة بمرض آخر هو التصلب العصبي المتعدد. ويصيب التهاب العصب البصري 75٪ من المرضى المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد، بحسب ما أورد موقع “ريدرز دايجيست”.
الشكوى من الصداع
الصداع من أكثر الشكاوى انتشارًا بين الناس، وأسبابه عديدة، ومن أكثر أسبابه انتشارًا أخطاء انكسار العين، خصوصًا طول النظر والاستجماتيزم، ونادرًا قصر النظر؛ ففي طول النظر تحاول عضلات العين الداخلية باستمرار إصلاح خطأ الانكسار لتكون صورة واضحة على الشبكية، ويزداد هذا المجهود عند النظر للأشياء القريبة مثل القراءة. والعين في طفولتها وشبابها تملك فائضًا من قوة تكيف الإبصار، ولكن مع مرور الوقت يقل هذا الفائض ويبدأ ظهور الصداع عند القراءة أو مشاهدة التلفزيون، وهي علامة لحاجة العين للمساعدة بنظارة طبية.
أما في الاستجماتيزم فالعين تحاول بصفة مستمرة إصلاح الصورة على الشبكية من خلال انقباض عضلات العين دون نتيجة إلا الصداع، الذي لا يشفى بأي دواء إلا بالنظارة، والنظارة غير المضبوطة في وضعها أو في صناعتها قد تؤدي إلى الصداع أيضًا.
ومن الأسباب الأخرى التي تؤدي للصداع في العين، الحول الخفي أو الكامن، ويحدث هذا في العين التي عندها استعداد لحدوث حَوَل، فتبذل العينان جهدًا عصبيًّا عضليًّا مستمرًّا لكي تحافظان على النظر الموحد بالعينين، هذا الجهد المتواصل المستمر حتمًا سيؤدي في لحظة ما إلى الصداع، ولن تنفع أي وسيلة علاج إلا علاج الحول الكامن في صورة نظارة طبية، أو تدريبات لعضلات العين، أو عملية جراحية أحيانًا في عضلات العين.
أما بعد سن الأربعين فإذا استبعدنا الأسباب السابقة، فقد يصحب الصداع وجع وألم في العين -مع احمرار وتدميع- قد يضعف النظر بدرجة بسيطة كما لو كان زجاج النظارة عليه تراب، مثل حالات التهاب القزحية، أو قد يكون ضعف النظر شديدًا مع الصداع الشديد كما في حالة الجلوكوما الحادة، لذلك فأي صداع يأتي بعد سن الأربعين لا بد من فحص العينين. إذن، لا بد للمريض الذي يشكو من الصداع أن يراجع أخصائي العيون؛ للتأكيد أو استبعاد أن يكون السبب في العين. ومرضى السرطان يسارع أطباؤهم بطلب نصح طبيب العيون إذا اشتكى المريض بأي زغللة؛ خوفًا من انتشار المرض بالعين أو بالمخ، حتى يمكنهم التحكم في ذلك، سواء بالأدوية أو بالعلاج الإشعاعي.
وقد يكون طبيب العيون الدقيق في فحصه أول من يكتشف أحد أمراض الجسم قبل أن يشكو المريض وقبل أن يكتشفه الطبيب الباطني، وبذلك يمكن توجيه المريض نحو خط العلاج السليم وفي الوقت المبكر المناسب، ولذلك كان من المناسب ومن المفيد، فحص العين دوريًّا -على الأقل كل سنة- وخصوصًا لكل من يتعدى الأربعين ربيعًا.
الأمراض النفسية وتأثيرها على العين
من أشهر الأمراض النفسية تأثيرًا على العين، مرض الهستيريا الذي يحدث في الشابات أو النساء وبعض الشباب الذين يتعرضون لأزمات نفسية؛ حيث يشكون من فقد الإبصار فجأة، وعدم القدرة على مواجهة الضوء. وقد يوجد ازدواج في الرؤية، وأخصائي العيون وحده هو القادر على اكتشاف التشخيص السليم وتفريقه عن الأمراض العضوية، ففي هذه الحالات لا يجد أخصائي العيون أي علاقة في العين أو قاع العين تفسر هذا الضعف المفاجئ في البصر، فحين يدّعي شخص أنه فَقَد البصر في عين واحدة أو العينين نتيجة خناقة مثلاً، يستطيع أخصائي العيون أن يكشف عكس هذا الادعاء واستبعاد أي سبب عضوي في العين، ويثبت أن العين ترى جيدًا وذلك بطريقة لا يمكن أن يحس بها المدعي.
أذكر أنه عندما كنت نائبًا للرمد بمستشفى رمد دمياط عام 1991م، جاءتني سيدة في أواخر العقد الخامس من عمرها تشتكي من ضعف الرؤية بعينيها مع دَغَش وزغللة بالعين، فقمت بفحص السيدة فحصًا شاملاً، وفحصت قاع العين، ثم فاتحتُها بشكواها قبل أن تبدأ الكلام، فقلت لها على الفور: أنتِ مصابة بالسكر، قالت: نعم، ثم واصلتُ بالكلام وقلت لها: أنتِ مصابة به منذ أكثر من عشرين سنة، قالت: صحيح. ولكن بدا عليها الاستغراب الشديد وقالت: هل حضرتك منجم؟ كيف عرفت هذه المعلومات مع أنني لم أخبرك بها؟ فتبسمت وقلت لها: لقد أخبرتْني عيناك بما قلت، قالت: كيف؟ قلت لها: ألم تسمعي المقولة السائدة “العين مرآة الجسم”، قالت: نعم سمعتها، قلت لها: لهذا فحصت قاع العين فحصًا جيدًا وتبين لي وجود عبث شبكي سكري (D.R.) متمثلاً في وجود بعض الأنزفة والارتشاحات حول مقلة العين، مع بعض الانتفاخات والتعرجات بالأوعية الدموية بشبكية العين، فقالت: لا أفهم ما تقول! فقلت لها: تعالي نتصور أن الأوعية الدموية الدقيقة للشبكية تماثل مواسير المياه والصرف الموجودة في أي عمارة، والمفروض أنه بمرور الزمن على هذه المواسير، تفسد ونجد بقع مياه في جدران مبنى العمارة.
يحدث هذا تمامًا عندما يحدث أي تأثير سيء من السكر على هذه الأوعية الدموية، فتبدأ جدرانها بالتأثر مما تؤدي إلى الارتشاحات والنزيف، وهذا يقابل بقع المياه الموجودة في جدران مبنى العمارة، عندئذ قالت المريضة بابتسامة خفيفة: لقد فهمت ما تقصد يا دكتور صحيح العلم نور.
الخلاصة أنه يمكن قراءة الجسد بمجرد إمعان النظر في عيون صاحبه، فالعيون ليست فقط مرآة للروح، ولكنها أيضا نافذة على الصحة العامة. والعيون قد لا يظهر بها فقط مشكلاتها من احمرار أو اصفرار أو انتفاخ أو غيرها من التغيرات التي قد تطرأ عليها فجأة، ولكنها تعكس الأمراض التي قد تصيب الإنسان كأمراض السكر والقلب والمخ، وغيرها من الأمراض الأخرى، كما يمكن للعيون أن تُظهر أعراضًا مختلفة لمشكلات مرضية؛ مثل فيروس نقص المناعة، والسرطان، وتمدد الأوعية الدموية.. ولعل لغة العيون التي تكشف عن حب العاشقين، قد تكون أيضا لغة طبية بامتياز تكشف عن خفايا الأمراض التي قد يتعرض لها الإنسان دون أن يشعر بها. وقد قيل: “إن العيون مغاريف القلوب، بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها”.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.