نحو عالم بلا خوف

الشباب هم عماد أيّ أمة وسر نهضتها، وهم الركيزة الأساس في تقدم كل مجتمع وبنائه، وهم أيضًا هدف كل مخرب يريد أن يقوض هذا البناء ويعمل فيه أدوات الهدم والتدمير. ومن ثم يوجه الأستاذ كولن صيحات التحذير إلى الأسرة الإنسانية كلها؛ لكيلا يكون شبابها فريسة لهؤلاء المخربين، ويدعو في مقاله الافتتاحي إلى استيعاب طاقات الشباب في مشاريع تعود على الإنسانية كلها بالنفع العام، وتوفر لهم فضاءات رحبة تلبي حاجاتهم الاجتماعية، وتقيهم من الوقوع في شرك الإرهاب والفكر المتطرف.
وبما أن أطفال اليوم هم شباب المستقبل فالعناية لا بد أن تبدأ من هذه المرحلة، وعلى الآباء والمربين أن يعالجوا أيّ خلل في هذه المرحلة بحكمة وأسلوب تربوي واع، كمشكلة السرقة لدى الأطفال الذي يعالجه مقال الكاتبة “أميرة الشناوي كيوان”.
وإذا كان الأستاذ كولن قد أشار إلى قضية التعايش السلمي المتناغم بين شباب العالم كله، باعتباره وسيلة ناجعة في وقاية هؤلاء الشباب فيروس الإرهاب، فقد تحدث صابر المشرفي في مقاله عن الجانب التأصيلي في هذه القضية وأفرد مساحة للحديث عن تجربة حركة الخدمة في التعايش المتناغم باعتبارها حركة رائدة في هذا المجال. كما أضاء الأستاذ الدكتور محيي الدين عفيفي كل جوانب الرؤية في ما يتعلق بالعمق السلمي للإسلام، مؤكدًا على أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، هو التعارف والسماحة والتآلف والتكامل، واحترام التعددية الدينية والمذهبية والفكرية، واحترام إنسانية الإنسان. وفي الفلسفة نفسها يعدد فضيلة مفتي الديار الأسبق فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة أمثلة من المشاركات الإيجابية في المصلحة الإنسانية سواء من سيرة النبي  أو من النماذج الأخرى في التاريخ الإسلامي.
ومنذ انطلاقة حراء حتى الآن، أسهمت نخبة من العلماء ذوي الخبرة في مجال البناء الفكري، في معالجة قضايا التطرف والخوف والتحليل العميق لدوافعه، من خلال إبداعاتهم التي جادت بها قرائحهم على صفحات حراء، فجمعت -بين دفتي كتاب- نخبةً متميزة من مقالات هؤلاء تحت عنوان “نحو عالم بلا خوف”، غاص في أعماقه الأستاذ الدكتور أحمد حسين عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، وعرض في مقاله فكرة الكتاب التي يتناولها، وكشف عن غايته التي يتوخاها؛ وهي كيفية تحقيق الأمن في صورة خطوات متكافئة، تجمع بين التأصيل النظري والتطبيق العملي.
ومن العلاج الفكري إلى العلاج البدني تطالعنا في هذا العدد شخصيتان في تاريخ المسلمين كلاهما عاش في الأندلس وبزغ نجمه فيها، وكلاهما برع في العلوم الطبية وله مؤلفاته المتعددة في هذا المجال، أما الأول فهو ابن رشد الحفيد الفيلسوف، الذي لا تقل مكانته في الطب عن مكانته في الفلسفة؛ إذ يؤكد الكاتب في مقاله نقلاً عن ابن رشد نفسه “أن الطبيب الفاضل هو فليسوف بالضرورة”، وأما الثاني فهو ابن الهيثم أحد رواد طب الأعشاب المغمورين، الذي غطى على شهرته تشابه اسمه مع ابن الهيثم عالم البصريات المشهور.
وفي تأمل خاص لآية كريمة من سورة آل عمران يحوِّم بنا الأستاذ الدكتور الشريف حاتم العوني ويستلهم منها بعض الفوائد التي تبرز مدى سعة رحمة الرحيم الرحمن بعباده المتقين، حتى مع ارتكابهم الذنوب والمعاصي، وذلك بسبب ذكرهم الله تعالى عقب عصيانهم وتعجيلهم التوبة والاستغفار والرجوع إليه سبحانه.
هذا إلى جانب عدد آخر من المقالات الأدبية والعلمية والثقافية التي ذخر بها هذا العدد من حراء، والتي نرجو أن يجد فيه قراؤنا الأعزاء ما يمدهم بالفكر الواسع، ويدفعهم إلى تنمية ملكات الإبداع والتأمل لديهم، وبالله التوفيق.